تأثير دخول الشباب إلى سوق العمل على صحتهم النفسية والجسدية
دراسات و أبحاث
تأثير دخول الشباب إلى سوق العمل على صحتهم النفسية والجسدية
28 كانون الثاني 2025 , 12:51 م

عندما يدخل الشباب سوق العمل، تبدأ مستويات النشاط البدني لديهم في الزيادة بشكل ملحوظ، وخاصة لأولئك الذين يعملون في وظائف شبه روتينية أو روتينية، ولكن هذا النشاط يتناقص تدريجيا مع مرور الوقت، وفي الوقت نفسه يعاني هؤلاء الأفراد من تقليل طفيف في ساعات نومهم، مع اختلافات تعتمد على مستوى التعليم. يبرز الخبراء أهمية بيئة العمل في تعزيز الصحة على المدى الطويل.

زيادة النشاط البدني ثم التراجع التدريجي

عند دخول الشباب إلى سوق العمل، يلاحظون زيادة ملحوظة في النشاط البدني في البداية، لكن هذه الزيادة تتناقص تدريجيا خلال السنوات التالية، ومن جانب آخر، تنخفض ساعات النوم قليلاً، وفقًا للبحوث الجديدة التي أجراها باحثون في جامعة كامبريدج.

كان الارتفاع في النشاط البدني أكثر وضوحا بين العاملين في الوظائف شبه الروتينية مثل سائقي الحافلات ومصففي الشعر، وكذلك في الوظائف الروتينية مثل التنظيف، والخدمة في المطاعم، أو الأعمال الفنية، أما الأفراد الذين يعملون في المناصب الإدارية أو المهنية فلم يلاحظ عليهم تغير كبير في مستويات النشاط البدني.

وكان أكبر تراجع في النشاط البدني بين أولئك الذين يعملون من المنزل، رغم أن نمط نومهم بقي دون تغيير بعد بدء العمل.

المخاطر الصحية في مرحلة الشباب

تعتبر مرحلة الشباب، التي تمتد بين سن 16 و30 عامًا، فترة حاسمة للصحة العامة، ورغم أن الأشخاص في هذه المرحلة يكونون في أفضل حالاتهم البدنية، فإنها أيضًا فترة تبدأ فيها عوامل الخطر للأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، ومرض السكري من النوع 2، والسرطان، في الظهور.

توصي الإرشادات الصحية الشباب بالحصول على ما بين سبع إلى تسع ساعات من النوم ليلاً، والمشاركة في 150 دقيقة على الأقل من النشاط البدني المعتدل أسبوعيا، وتناول خمس حصص على الأقل من الفواكه والخضروات يوميا.

كيف يؤثر العمل على الروتين اليومي

تعتبر مرحلة الشباب أيضا الوقت الذي يبدأ فيه معظم الأشخاص العمل، مما يؤدي إلى تغيير في روتينهم اليومي وأنشطتهم، واستخدامهم للموارد مثل الوقت والمال، بالإضافة إلى بيئاتهم الاجتماعية والبدنية - وكلها تؤثر على السلوكيات الصحية والصحة في المستقبل.

لقياس تأثير بداية العمل على السلوكيات الصحية، قام فريق من الباحثين في وحدة الأبحاث الوبائية في المجلس الطبي للأبحاث بجامعة كامبريدج بدراسة بيانات مكررة تم جمعها على مدار فترة من أكثر من 3000 مشارك في دراسة الأسرة البريطانية الطولية، كان جميع المشاركين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاما وبدأوا العمل لأول مرة بين عامي 2015 و2023.

أظهرت التحليلات أنه عند بدء العمل، زادت مستويات النشاط البدني بمقدار يعادل حوالي 28 دقيقة من النشاط المعتدل (مثل ركوب الدراجة) في اليوم على الأقل، ولكن هذا التزايد بدأ يتناقص بمعدل حوالي 7 دقائق يوميا كل عام بعد بدء العمل.

وكانت الزيادة الأكبر في النشاط البدني بين الذكور، حيث ارتفعت مستويات النشاط بمقدار يعادل حوالي 45 دقيقة من النشاط المعتدل يوميا مقارنة بزيادة قدرها 16 دقيقة فقط بين الإناث. أما الأشخاص الذين ليس لديهم شهادة جامعية فقد شهدوا زيادة أكبر في النشاط البدني مقارنةً بمن لديهم شهادة جامعية، حيث كانت الزيادة في النشاط تقدر بحوالي 42 دقيقة من النشاط المعتدل يوميًا مقارنة بـ 15 دقيقة فقط.

ومع ذلك، كان العمل من المنزل يرتبط بانخفاض أولي في النشاط البدني بمقدار يعادل حوالي 32 دقيقة من النشاط المعتدل يوميا.

تأثير العمل على النوم

عند بداية العمل، انخفضت مدة النوم ليلاً بمقدار يقارب 10 دقائق، وظل هذا التغيير ثابتا على مر الوقت. ومع ذلك، أظهر الأشخاص الذين ليس لديهم شهادة جامعية انخفاضًا مستمرًا في مدة النوم بمقدار حوالي 3 دقائق كل عام بعد بدء العمل، بينما عاد الأشخاص الذين لديهم شهادة جامعية تدريجيا إلى مستويات نومهم السابقة.

آراء الخبراء حول التوازن بين العمل والحياة

قالت أليينا أكسنهام من وحدة الأبحاث الوبائية في المجلس الطبي للأبحاث: "يمكن أن يكون لبداية العمل تأثير عميق على أنماط حياتنا وسلوكياتنا التي قد تؤثر على صحتنا، سواء على المدى القصير أو الطويل. رغم أن نتائجنا تشير إلى أن الأشخاص يميلون إلى القيام بمزيد من النشاط البدني عند بدء العمل، مما يعد خبرا جيدا، إلا أن هذه المعدلات تمثل المتوسطات، وبعض الأشخاص – خصوصا أولئك الذين يعملون من المنزل – قد يواجهون انخفاضًا في النشاط."

الفرص لبيئات عمل أكثر صحة

أضافت الدكتورة إلينور وينبيني، الباحثة التي قامت بالعمل في جامعة كامبريدج قبل أن تنتقل إلى كلية إمبريال في لندن: "توفر أماكن العمل فرصة لإنشاء بيئات وثقافات تدعم النظام الغذائي الصحي، والمزيد من النشاط البدني، والنوم الجيد للشباب. هذا قد يؤدي إلى موظفين أكثر صحة وأيام مرضية أقل في المدى القصير، ولكن قد يكون له أيضا فوائد طويلة المدى في الوقاية من مشاكل صحية في المستقبل."