المبادرة الوطنية الأردنية
جورج حدادين
المجتمع تكوين اجتماعي، يولّد من دمج مجاميع، تعيش على أرض محددة واحدة، ومن رحم دولة وطنية منتجة مستقلة حديثة، بناء على الموقع في الانتاج يحدث التمايز داخل المجتمع وينقسم الى طبقات وشرائح ذات مصالح مشتركة، أي أن مهمة الاندماج تؤدي بالضرورة الى محو عصبة المجاميع البدائية.
في المرحلة ما قبل الرأسمالية، الدولة، أكانت إمبراطورية ممتدة أو مملكة محصورة في مكان محدد، تضم تشكيلة مجاميع متقوقعة حول ذاتها، متنوعة الجنس والأثنية والديانه والمذهب، والقبائل، وجميعها تشدها العصبية الذاتية البدائية، فلم تندمج بعد لتشكّل مجتمع بذاته ولذاته، والسبب نمط الإنتاج الريعي السائد، حيث الجزية وخراج الأرض، المفروض من مركز الأمبراطورية على الأطراف، الممالك ، تشكل نمط انتاج ومصدر دخل ثابت، وبناء عليه، لم تسعى الأمبراطورية الى تطوير قطاعات الإنتاج لا في المحيط ولا في المركز ذاته، وأقتصر التطور على قطاعات العمران والعسكر والتجارة.
أستمرت التشكيلة الاجتماعية في الأردن على حالها، أنقسام بين فئتين، بدو وحضر، ما قبل وطيلة فترة الانتداب الأول، البريطاني، لحد منتصف القرن الماضي، حيث دخل الأردن مرحلة هيمنة الأمريكي، عبرمشروع النقطة الرابعة ومن ثم عبر أدوات صندوق النقد والبنك الدوليين، التي ما تزال قائمة،
تم تحفيز الاستهلاك ومعاقبة الإنتاج، بحيث تحول المجتمع بكله الى مجتمع مستهلك غير منتج، وتم حجز تطور برجوازية وطنية تبني اقتصاد وطني منتج، وبدلاً منها تم بناء برجوازية كمبرادورية ( سمسارة ) مرتبطة مصلحياً بالمركز الرأسمالي العالمي وتابعة له، كما وتم تحفيز نشؤ نخب التبعية في الدولة والسوق وفي أوساط النخب.
تم حجز تطور المجتمع والدولة الأردنية، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، بناء على قرار خارجي، بهدف حجز التطور الاقتصادي، تطور قطاعات الانتاج الوطني، وحجز اندماج المجاميع في مجتمع موحد منتج،
ترجع صياغة هذه الاستراتيجية الى مؤتمر القاهره، نيسان عام 1921، حيث دعى تشرشل وزير المستعمرات البريطاني أنذاك، مجموعة من المخططين الإستراتيجين وكبار الإداريين، المدنيين والعسكريين، المندوبين الساميين، في فلسطين ومصر والعراق، وبعض " علماء الأثار " من أجل مناقشة تطبيق وعد بلفور واتفاقية سايكس – بيكو، وأليات إنفاذ تقسيم المشرق العربي، إلى دويلات عاجزة عن إحداث تنمية متمحورة حول الذات الوطنية، وضمان عدم قيام دولة الأمة، بناء على قاعدة، حجز الثروات الطبيعية عن الكثافة السكانية.
كانت الأردن ضمن وعد بلفور، وعد الوطن القومي لليهود، وكان استثناءها من هذا الوعد، أحد مخرجات هذا المؤتمر، وتم في هذا المؤتمر مناقشة مستقبل هذه المنطقة، الأردن، أستقر القرار على إنشاء منطقة اسكان، تحت عنوان دولة، إمارة شرق الأردن، منطقة إسكان للمهجرين من عموم المنطقة، بناء على تصور مسبق لتشضّي لاحق لدول سايكس بيكو ذاتها، وهو ما يحدث اليوم، وليس فقط المهجرين من فلسطين، بل من عموم المنطقة، أحداث لبنان وسوريا والعراق حتى البسنة والهرسك، واليوم يطالب ترمب بتهجير أهالى غزة الى الأردن،
تم إنشاء دولة، بلا مقومات دولة حديثة، حيث تم فرض سياسة
الاعتماد على المساعدات الخارجية والقروض الميسرة، لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، لضمان مصادرة القرار الوطني المستقل،
وفرض قانون الاستيراد ثلاثة أضعاف التصدير، لضمان عجز دائم متراكم يولّد مديونية مستدامة، تضمن عدم القدرة على إطفاء المديونة، سياسة القاتل الاقتصادي، وفرض القرار الخارجي على الدولة، من يدفع للزمار يحدد اللحن.
وفي الوقت ذاته إبقاء تشكيلة المجاميع على حالها، دون السماح لها بالإندماج لتشكل مجتمع حديث منتج، ومن جهة أخرى تم تعميم ثقافة التغريب وإعادة انتاج ثقافة التخلف الغيبية وضمان استمرار ثقافة المجاميع، مترافقاً مع سياسة محو الذاكرة الجمعية، المتعلقة بالتاريخ الحضاري لهذا البلد، تلك الحضارة الممتدة، ما يقارب ثلاثة وعشرون ألف عام.
" كلكم للوطن والوطن لكم "
يتبع



