كتب جورج حدادين..
أزمة الأردن، حالة خاصة لناحية كونها عامة شاملة: الدولة والمجتمع والنخب،
حيث الدولة مأزومة والمجتمع مأزوم والنخب مازومة، تعاني أزمة عمقية ممتدة على مدى العقود، منذ تأسيس الإمارة الى يومنا هذا، علة الأزمة وسببها النهج السائد،
نهج يعتمد على المساعدات الخارجية والقروض الميسرة في إدارة شؤون الدولة و المجتمع، نهج فرض منذ الانتداب الأول البريطاني، وما زال قائماً الى اليوم،
يستند هذا النهج على قواعد ثابته:
1: منع تطور اقتصاد وطني منتج مستقل، أي حجز تطور قوى الإنتاج الوطني.
2: الإستيراد ثلاث أضعاف التصدير، أي عجز متراكم ، مديونية متراكمة، مما أدى الى فرض الإعتماد على المساعدات الخارجية والقروض الميسرة، لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، وبالتالي منع تحقق استقلال القرار الوطني.
3: محو الثقافة الوطنية، وتعميم الثقافة الغربية، حجز إمكانية إنتاج ثقافة وطنية، فلا مؤسسات الدولة تقوم بهذا الدور، حيث شعار وزارة الثقافة نحن لا ننتج ثقافة ، بل ندعم من ينتج إلثقافة، ولا النخب تتمكن من إنتاج ثقافة وطنية، كونها محاصرة مادياً ومعنوياً، ومشدودة الى الثقافة الغربية.
الدولة: أرض بحدود، وشعب بتاريخ وحضارة، وعقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، يحدد نهج الحكم، ونشاط الناس الفعال على الأرض المحددة، عبر مؤسسات اجتماعية، رسمية وشعبية ( الدولة، الأحزاب ، المنظمات الشعبية )
ماهية الدولة،
• دولة وطنية منتجة تستثمر ثرواتها الطبيعية ومقدراتها الوطنية، وتحولها الى خيرات تعم المجتمع، على أرضية خطط تنموية، وطنية ومحلية، تتمحور حول الذات، وحول الخصائص المحلية، بالاستناد الى معرفة حقيقية علمية لصيرورة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية وتاريخية تطورها.
تحشّد الطاقات الكامنة في المجتمع وتوظفها في عملية بناء اقتصاد وطني منتج، في كافة القطاعات: الصناعية والتحويلية والزراعية وقطاع الحيوانات المواشي والجمال والبقر والماعز، كذلك في الثروة السياحية، والتحول بهذا القطاع من نهج الجيباية السائد الى نهج صناعة السياحة، وهوقطاع هام وصاعد، يمكن من رفد الميزانية ويسوق الأردن عالمياً، لما يتمتع به الأردن من أنماط سياحية متعددة جاذبة.
• دولة وظيفية تابعة مستهلكة، تعتمد الجيباية الداخلية، والمساعدات الخارجية والقروض الميسرة، لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، وبهذه الصفة تصبح دولة خاضعة لإملاءات المانحين، وتحجز التطور الطبيعي للمجتمع، وتمنع تطور جناحي التنمية، شرطي التطور:
التراكم الرأسمالي الوطني، والتراكم المعرفي بشقيه التقني والإداري،
حيث يتم تسليع الكفاءات والخبرات الوطنية في الخارج ، وتهجيجها من البلاد بطرق جهنمية مختلفة، ويتم توجيه الرأسمال المحلي للإستثمار في قطاعات مضاربة في السوق المالي غير المنتج.
أزمة الدولة الوظيفية التابعة، تكّمن في حجز التطور الطبيعي للدولة والمجتمع، في مجالات القطاعات المنتجة:
الصناعة والزراعة والسياحة ،
كما وتساهم في عملية محو الذاكرة الحضارية للمجتمع، وحجزمعرفتها،
حيث القلة القليلة من الشعب الأردني تعرف أن ظهور أول حضارة في تاريخ البشرية، حصل على الأرض الأردنية، بالقرب من قصر الحرانه، قبل ثلاث وعشرون ألف عاماً،
وأن أول رغيف خبز، قبل حوالي 14.500 عاماً، وجد في منطقة وادي الضاحكي شمال شرق الأردن،
وأن أول سد وجد في منطقة جاوا،
كيف تم تعميم مقولة أن الشعب الأردني شعب بدوي بلا تاريخ ولا حضارة، من ابتدع هذه الترهة، ولماذا اختراعها، وفي أي سياق يتم توظيفها؟.
وتبعاً وبالضرورة، لماذا لم تراكم هذه المنطقة، لكي تنجب إمبراطورية طوال هذه العصور
سؤال موجه للأكادميين والكفاءات والخبرات الوطنية،
لماذا لم توجه وتحفز هذه الكفاءات والخبرات لإعطاء جواباً، لماذا لم يكن وظيفتها وهمها البحث عن إجابات لهذه الأسئلة؟
السبب أنها مجبرة على تتبع خطى المستشرقين، وتبني أرائهم، الذين أعتمدوا المدرسة التوراتية ، فعملوا على تزييف الوعي الجمعي للمجتمع الأردني عن تاريخيه وحضارته.
" كلكم للوطن والوطن لكم "
يتبع



