في العصر الرقمي، تنتشر السخرية في كل مكان، من الميمات الفيروسية إلى مقاطع يوتيوب الساخرة، ورغم أن الكثيرين يعتبرونها مجرد فكاهة بريئة، إلا أن دراسة جديدة تشير إلى أنها قد تكون أكثر ضررا من النقد المباشر، حيث تعمل على تشويه سمعة المستهدفين وتقليلهم إلى مجرد كاريكاتيرات مبالغ فيها.
كيف تؤثر السخرية على السمعة؟
نشرت الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) دراسة حديثة في مجلة علم النفس التجريبي وجدت أن السخرية قد تؤدي إلى نزع الطابع الإنساني عن الأشخاص، مما يجعل الجمهور يرى المستهدفين بصورة أكثر سلبية مما يحدث عند التعرض للنقد المباشر.
تقول الباحثة هوريا جزائري، دكتوراه وأستاذة الإدارة في جامعة سانتا كلارا:
"معظم الناس يعتقدون أن السخرية مجرد فكاهة، لكنها قد تجعلنا ننسى أن الأشخاص المستهدفين لديهم مشاعر معقدة وتجارب إنسانية حقيقية."
تأثير السخرية في مقاطع الفيديو
أجرى الباحثون تجربة على 1,311 مشاركًا شاهدوا مقاطع فيديو ساخرة أو نقدية تتناول شخصيات مشهورة مثل:
الرياضي توم برادي وقضية "Deflategate"
مارك زوكربيرغ وفضيحة بيانات "كامبريدج أناليتيكا"
كانت النتائج صادمة: المشاهدون الذين تعرضوا للمحتوى الساخر كوّنوا آراءً أكثر سلبية عن الشخصيات المستهدفة مقارنة بمن شاهدوا النقد المباشر.
الميمات وتأثيرها غير المتوقع
في تجربة أخرى، شاهد 373 مشاركا ميمات ساخرة عن حادث التزلج والمقاضاة التي رفعتها غوينيث بالترو، وكانت النتائج مشابهة لما حدث مع مقاطع الفيديو.
أما في تجربة ثالثة، شاهد 299 مشاركا ميما ساخرا أو نقديًا عن المدرب جوزيه مورينيو، الذي تعرض للإقالة عدة مرات. وكانت النتيجة أن الميم الساخر كان الأكثر ضررا لصورته العامة.
حتى الشخصيات الخيالية ليست بمنأى عن الضرر!
لم تقتصر آثار السخرية على المشاهير فقط، بل امتدت إلى الشخصيات الوهمية. حيث استبدل الباحثون اسم وصورة جوزيه مورينيو في الميمات باسم وهمي "ستيف راندال"، وكانت النتيجة تأثيرا مماثلا في تشويه السمعة، مما يثبت أن الضرر الذي تسببه السخرية لا يعتمد فقط على شهرة الشخص المستهدف.
هل يمكن مواجهة التأثير السلبي للسخرية؟
وجدت الدراسة أن تخيّل تفاعل إيجابي قصير مع الشخص المستهدف يمكن أن يقلل من التأثير السلبي للسخرية، حيث يساعد في إعادة إضفاء الطابع الإنساني على الشخصيات المتأثرة.
تقول الباحثة جزائري:
"الفكاهة والضحك وحتى النقد لها فوائد إيجابية في المجتمع، لكن علينا أن نكون واعين بمدى تأثير السخرية على الأشخاص وما إذا كنا ننزع عنهم إنسانيتهم دون وعي."
ركزت الدراسة على الشخصيات غير السياسية لتوسيع نطاق البحث، حيث كانت معظم الدراسات السابقة تركز على السياسيين وكانت نتائجها متباينة بين التأثير السلبي والحيادي، كما أن هذه الدراسة اقتصرت على الفيديوهات والميمات، مما يعني أن النتائج قد لا تنطبق على السخرية المكتوبة أو الصوتية مثل المقالات أو البودكاست.
في ظل انتشار الميمات الساخرة والفيديوهات الكوميدية، من المهم أن ندرك أن الفكاهة ليست دائمًا بريئة. فقد تساهم دون قصد في تشويه سمعة الأشخاص ونزع إنسانيتهم، مما يجعلنا أكثر قسوة في أحكامنا، لذا قبل أن نضحك على ميم ساخر، ربما يجدر بنا التفكير مرتين في تأثيره الحقيقي.
