ابتكار مادة كربونية جديدة تتفوق على الغرافين بصلابة
علوم و تكنولوجيا
ابتكار مادة كربونية جديدة تتفوق على الغرافين بصلابة
27 شباط 2025 , 14:58 م

توصل العلماء إلى اكتشاف مذهل في عالم المواد ثنائية الأبعاد، حيث تمكنوا من تطوير مادة كربونية جديدة تُعرف باسم الكربون غير المتبلور أحادي الطبقة (MAC)، وهي مادة فائقة القوة تتميز بقدرتها الفائقة على تحمل الضغوط والصدمات، مما يجعلها أقوى بثماني مرات من الغرافين .

على عكس الغرافين، الذي يتميز بصلابة استثنائية ولكنه يعاني من هشاشة تجعله عرضة للتصدع المفاجئ، يجمع MAC بين البنية البلورية والمناطق غير المتبلورة، مما يمنحه متانة فائقة وقدرة على مقاومة التشقق، هذا الابتكار يمهد الطريق لتعزيز المواد ثنائية الأبعاد وجعلها أكثر كفاءة في تطبيقات مثل الإلكترونيات، وتخزين الطاقة، وأجهزة الاستشعار المتقدمة.

تحدي الهشاشة في المواد القوية

تتعرض حتى أقوى المواد لمشكلة التصدع تحت الضغط، وهو تحدٍ طويل الأمد في علم المواد، فالمواد الكربونية مثل الغرافين تُعد من بين الأقوى على وجه الأرض، لكنها تفتقر إلى المتانة اللازمة لمقاومة التشققات التي تنتشر بسرعة بمجرد ظهورها، مما يجعلها عرضة للانكسار المفاجئ.

لكن مادة MAC، التي تم تصنيعها حديثا على يد فريق بحثي بقيادة بربروس أوزييلماظ في جامعة سنغافورة الوطنية (NUS)، أثبتت تفوقها على الغرافين في مقاومة التشققات، وفقا لدراسة جديدة أجراها علماء في جامعة رايس ونشرت في مجلة Matter، فإن هذه المادة تتمتع بمتانة أعلى بثماني مرات من الغرافين.

السر وراء قوة MAC: التصميم المركب

مثل الغرافين، ينتمي MAC إلى فئة المواد ثنائية الأبعاد، حيث يتكون من طبقة واحدة بسُمك ذرة واحدة، لكن الفرق الجوهري يكمن في بنيته المركبة، حيث يدمج بين المناطق البلورية المنتظمة والمناطق غير المتبلورة العشوائية، هذه البنية الفريدة تمنحه قدرة هائلة على تحمل الضغط ومنع انتشار التشققات، مما يجعله أكثر مقاومة للكسر من الغرافين.

يقول بونغكي شين، الباحث في علوم المواد وهندسة النانو والمؤلف الرئيسي للدراسة:

"هذا التصميم الفريد يمنع التشققات من الانتشار بسهولة، مما يسمح للمادة بامتصاص طاقة أكبر قبل أن تنكسر."

مستقبل جديد للمواد ثنائية الأبعاد

يمثل هذا الاكتشاف تطورا كبيرا في مجال المواد ثنائية الأبعاد، والتي أحدثت ثورة في عدة مجالات، من الإلكترونيات الأسرع والأكثر كفاءة إلى تقنيات تخزين الطاقة عالية السعة، وأجهزة الاستشعار المتقدمة، والتكنولوجيا القابلة للارتداء، لكن هشاشتها كانت دائما عائقا أمام استخدامها في التطبيقات العملية.

لتعزيز صلابة هذه المواد، يعتمد الباحثون على استراتيجيتين:

1. التقوية الخارجية (Extrinsic Toughening): عبر إضافة هياكل نانوية داعمة إلى الأغشية الرقيقة.

2. التقوية الداخلية (Intrinsic Toughening): من خلال تعديل البنية الداخلية للمادة نفسها.

وقد قدم MAC نموذجا مثاليا لدراسة مقاومة التشقق في المواد النانوية المركبة، حيث تمتزج المناطق البلورية المنتظمة داخل مصفوفة غير متبلورة، مما يزيد من صلابة المادة بشكل غير مسبوق.

تقنيات متقدمة لدراسة MAC

للتأكد من خصائص MAC، استخدم الباحثون في جامعة رايس تقنيات متطورة، مثل اختبار الشد داخل المجهر الإلكتروني الماسح، والذي مكّنهم من مراقبة كيفية تشكل التشققات وانتشارها في الوقت الفعلي.

كما استعان فريق البحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بمحاكاة ديناميكيات الجزيئات لفهم كيفية تأثير التكوين المدمج من المناطق البلورية وغير المتبلورة على طاقة الكسر عند المستوى الذري.

نحو جيل جديد من المواد المتطورة

يؤكد جون لو، أستاذ علوم المواد وهندسة النانو وأحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة، على أهمية هذه النتائج قائلا:

"نعتقد أن هذه الاستراتيجية القائمة على التصميم البنيوي يمكن أن تكون فعالة مع مواد ثنائية الأبعاد أخرى، مما يفتح آفاقا جديدة لتطوير مواد متقدمة."

من جهتها، توضح يي مو هان، الأستاذة المساعدة في علوم المواد وهندسة النانو والمؤلفة المشاركة للدراسة، أن هذا الإنجاز لم يكن ممكنا من قبل نظرا لصعوبة تصنيع ودراسة المواد غير المتبلورة الرقيقة جدا على المستوى الذري، لكنها تضيف:

"بفضل التقدم الحديث في تقنيات تصنيع المواد النانوية والتصوير عالي الدقة، تمكنا من اكتشاف طريقة جديدة لجعل المواد ثنائية الأبعاد أكثر متانة دون الحاجة إلى إضافة طبقات إضافية."

مستقبل مشرق للمواد المتقدمة

مع هذا الاكتشاف، يبدو أن المواد ثنائية الأبعاد ستدخل مرحلة جديدة من التطوير، حيث يمكن تحسين متانتها دون المساس بخصائصها الفريدة، هذه الخطوة قد تؤدي إلى إنتاج مواد أكثر كفاءة وقابلية للاستخدام في التطبيقات التكنولوجية المتقدمة، مما يفتح الباب أمام جيل جديد من الابتكارات في مجال علوم المواد والهندسة.