بقلم: د. هناء سعادة
الجزائر- لقد بلغ الإجرام الصهيوني درجةً من السفالة والانحطاط الأخلاقي لا يدانيها سوى تاريخ هذا الكيان الملطخ بالدماء، حيث لم يكتفِ باغتصاب الأرض وتشريد الملايين، بل أمعن في تبنّي أساليب دنيئة تنمّ عن عقلية عصابات لا تعرف سوى الغدر والخيانة. إن تفجير أجهزة "البيجر" في أيدي حامليها بلبنان ليس مجرد جريمة، بل هو عمل جبان يقف عند تخوم الجنون الإرهابي، وإرهاب دولة يتباهى به القتلة الذين يرتدون عباءة "الاستخبارات"، معتقدين أنهم فوق المساءلة وفوق القانون.
إن تصريحات رئيس جهاز الموساد،ديفيد برنياع، التي أقرّ فيها بسبق الإصرار والترصد لهذه الجريمة منذ أكثر من عقد، ليست سوى إعلان فجّ عن حالة الإفلاس العسكري والسياسي الذي أصاب هذا الكيان المهترئ. أي عقلية شيطانية تلك التي ترى في تصفية الأبرياء بلمسة زرّ على "بيجر" إنجازًا يُتباهى به في المحافل الأمنية؟ أي سقوط أخلاقي ذاك الذي يجعل من استهداف المقاومة عبر وسائل خسيسة مدعاةً للفخر؟ إنه الاستعراض المريض الذي يعكس مدى حالة الهلع التي يتخبط فيها الاحتلال، حيث بات يخشى ظلّه، ويدرك أن المقاومة التي يطاردها بوسائل قذرة ستظل تلاحقه حتى تقتلع وجوده من جذوره.
لم يكن هذا الإجرام سوى امتداد طبيعي لسياسة الإرهاب الصهيوني المتجذرة، فمنذ أن بدأ الموساد هذه "العملية القذرة" في عهد رئيسه الأسبق بيردو، واستمرت تحت قيادة كوهين، كان واضحًا أن هذا الجهاز ليس سوى منظمة إرهابية تمارس الإجرام بغطاء رسمي. هذا الكيان الذي يزعم أنه "واحة الديمقراطية" في المنطقة، لا يتورع عن استخدام أساليب الخداع والتصفية، حتى لو كان الثمن أرواح الأبرياء، طالما أن دماء غير اليهود بنظره لا تساوي شيئًا في ميزان استراتيجيته الاستيطانية والتوسعية.
لقد تخيّل الصهاينة، في نشوتهم المرضية، أن تفجير "بيجر مفخخ" سيكون ضربة قاصمة للمقاومة، لكنهم لا يدركون أن هذه الأساليب الوضيعة لا تزيد إلا منسوب الغضب، وتفتح عليهم أبواب الجحيم الذي لطالما سعوا إلى الفرار منه. إن ما جرى في لبنان ليس مجرد عملية استخباراتية، بل هو وصمة عار ستظل تلاحق الاحتلال، وستضاف إلى سجلّه الأسود الذي يشهد بأن كيانه لم يكن يومًا سوى كيان مارق، مجبول على سفك الدماء، ومستند إلى تواطؤ عالمي يجعل الجريمة "مباحة" ما دامت ضحاياها من العرب والمسلمين.
لكن، ليُدرك هؤلاء القتلة، أن إرادة المقاومة لا تهتز أمام تفجير أجهزة "بيجر"، وأن الرعب الحقيقي هو ذاك الذي يعيشه جنودهم ومستوطِنوهم في قلب الأراضي المحتلة، وهم يعلمون أن هذا الإجرام لن يطيل أمد احتلالهم، بل سيُعجّل بزواله. فكما لفظ التاريخ كل الطغاة، سيلفظ هذا الكيان اللقيط، ولن تُجدي كل حيله القذرة في حماية مشروعه من مصيره المحتوم: الاندحار والزوال.
إن الصمت الدولي تجاه هذه الجريمة ليس إلا شهادة إدانة بحق ما يُسمى "المجتمع الدولي"، الذي لم يعد سوى غطاء رثّ لمشروعية الإرهاب الصهيوني. لكن التاريخ لا يرحم، وسيأتي اليوم الذي يُحاسَب فيه هذا الكيان، بكل جرائمه وخطاياه، وسيكون السقوط مدويًا.



