تحليل البصمة المناعية باستخدام الذكاء الاصطناعي لتشخيص الأمراض
منوعات
تحليل البصمة المناعية باستخدام الذكاء الاصطناعي لتشخيص الأمراض
2 آذار 2025 , 16:00 م

يحتوي الجهاز المناعي على سجل بيولوجي غني بالمعلومات عن جميع التهديدات التي واجهها طوال حياة الإنسان، سواء كانت فيروسات، بكتيريا، لقاحات، أو حتى أنسجة الجسم التي يتم استهدافها بشكل خاطئ بسبب أمراض المناعة الذاتية، الآن طور باحثون في جامعة ستانفورد تقنية متقدمة تستند إلى التعلم الآلي لاستخراج هذه المعلومات واستخدامها في تشخيص الأمراض المعقدة مثل الذئبة الحمراء ومرض السكري من النوع الأول، بالإضافة إلى تقييم استجابة الجسم للقاحات مثل لقاح الإنفلونزا وكوفيد-19.

تقنية Mal-ID: الذكاء الاصطناعي في خدمة الطب

طور الباحثون خوارزمية متقدمة تُعرف باسم Mal-ID (Machine Learning for Immunological Diagnosis)، والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل تتابعات مستقبلات الخلايا المناعية من نوعي B وT، في دراسة شملت ما يقرب من 600 شخص، بينهم أصحاء وآخرون مصابون بأمراض مثل كوفيد-19، الذئبة، والسكري من النوع الأول، أثبتت هذه الخوارزمية قدرتها الفائقة على تحديد المرض الذي يعاني منه كل شخص بناءً على بصمته المناعية فقط.

كيف تعمل Mal-ID؟

يعتمد نظام Mal-ID على تحليل بروتينات مستقبلات الخلايا المناعية، حيث يقوم بتجميع المستقبلات ذات الخصائص المتشابهة والتي قد تكون مرتبطة بأنماط استجابة مناعية محددة، يستخدم هذا النهج تقنيات التعلم العميق المشتقة من النماذج اللغوية الضخمة (مثل النماذج التي يقوم عليها ChatGPT) لاكتشاف الروابط بين المستقبلات المناعية والتفاعلات البيولوجية التي تحفز استجابة الجهاز المناعي.

بصمة الجهاز المناعي: مفتاح جديد لفهم الأمراض المناعية

يمتلك الجهاز المناعي نظاما معقدا لتوليد مستقبلات الخلايا B وT، حيث يتم إعادة ترتيب أجزاء من الحمض النووي عشوائيًا لإنشاء ملايين المستقبلات الفريدة القادرة على التعرف على أي تهديد محتمل، تساعد هذه التنوعات في تحديد استجابات الجهاز المناعي للأمراض، مما يوفر بصمة بيولوجية يمكن استخدامها لفهم الحالات المناعية المختلفة.

تحليل البيانات الضخمة لاستكشاف الأنماط المناعية

في الدراسة، قام الباحثون بجمع أكثر من 16 مليون تتابع لمستقبلات الخلايا B وأكثر من 25 مليون تتابع لمستقبلات الخلايا T من 593 شخصا، حيث شملت العينة حالات مختلفة مثل:

أشخاص أصحاء

مصابون بعدوى SARS-CoV-2 (فيروس كوفيد-19)

مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV)

أشخاص تلقوا لقاح الإنفلونزا حديثا

مرضى الذئبة الحمراء

مرضى السكري من النوع الأول

تم تحليل هذه البيانات باستخدام التعلم الآلي لاكتشاف الأنماط الشائعة بين الأشخاص الذين يعانون من نفس المرض، مما سمح بتحديد بصمات مناعية دقيقة لكل حالة.

دمج استجابات الخلايا B وT: خطوة نحو دقة تشخيصية أعلى

وجد الباحثون أن مستقبلات الخلايا T كانت الأكثر فاعلية في تحديد مرض الذئبة والسكري من النوع الأول، بينما كانت مستقبلات الخلايا B أكثر دقة في تشخيص عدوى SARS-CoV-2، فيروس HIV، واستجابة اللقاح، لكن عند الجمع بين نتائج الخلايا B وT، زادت دقة التشخيص بشكل ملحوظ، بغض النظر عن الجنس، العمر، أو الخلفية العرقية للمريض.

تفسير استجابات الجهاز المناعي باستخدام النماذج اللغوية

قال الباحث ماكسيم زاسلافسكي، دكتوراه في جامعة ستانفورد:

"أساليب التشخيص التقليدية لا تستفيد بشكل كافٍ من السجل المناعي الداخلي للأمراض التي واجهها الجسم، ولكن من خلال تحليل بيانات الخلايا المناعية، يمكننا الحصول على رؤية شاملة لاستجابة الجهاز المناعي للأمراض المختلفة والمسارات المؤدية إلى المناعة الذاتية."

تحسين تشخيص الأمراض المناعية الذاتية

يمكن أن تساعد تقنية Mal-ID في تقليل معاناة المرضى الذين يواجهون صعوبة في تشخيص أمراضهم المناعية، مثل الذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي، والتي قد تستغرق سنوات قبل الحصول على تشخيص دقيق.

يمكن استخدام Mal-ID لمراقبة استجابات المرضى للعلاجات المناعية، مثل علاجات السرطان، مما يساعد في تخصيص العلاجات وتحسين نتائجها.

من خلال فهم كيفية تفاعل الجهاز المناعي مع مختلف الحالات المرضية، قد تساهم هذه التقنية في تطوير أدوية وعلاجات جديدة تستهدف استجابات مناعية معينة، مما يمهد الطريق لعلاجات أكثر دقة وفعالية.

المستقبل الواعد لتشخيص الأمراض باستخدام الذكاء الاصطناعي

على الرغم من أن تقنية Mal-ID تم تطويرها لتشخيص ستة حالات مناعية فقط، فإن الباحثين يعتقدون أنه يمكن توسيعها لتشمل العديد من الأمراض والاضطرابات المناعية الأخرى.

قال زاسلافسكي:

"المرضى قد يعانون لسنوات قبل الحصول على تشخيص دقيق، وحتى بعد التشخيص، يتم تصنيف الأمراض بمصطلحات واسعة لا تأخذ في الاعتبار التنوع البيولوجي الفعلي لهذه الحالات، إذا استطعنا استخدام Mal-ID لفهم الفروقات داخل مرض مثل الذئبة أو التهاب المفاصل الروماتويدي، فإن ذلك سيكون له تأثير سريري هائل."

نحو طب أكثر دقة وفعالية

أضاف الباحث سكوت بويد، الأستاذ في علم الأمراض بجامعة ستانفورد:

"ما يميز هذه المقاربة هو أنها تعمل حتى عندما لا نكون متأكدين تمامًا مما يستهدفه الجهاز المناعي. يمكننا استنتاج المعلومات ببساطة من خلال الأنماط التي نراها في استجابات الناس المختلفة، مما يفتح آفاقًا جديدة للبحث والتطوير العلاجي."

 ثورة في عالم التشخيص الطبي

تُظهر تقنية Mal-ID إمكانيات هائلة في مجال التشخيص الطبي القائم على الذكاء الاصطناعي. من خلال تحليل بصمات الجهاز المناعي، يمكن لهذه التقنية تحسين دقة التشخيص، تسريع الكشف عن الأمراض المعقدة، وتوجيه العلاجات بطريقة أكثر تخصيصًا، مما يمثل خطوة كبيرة نحو مستقبل الطب الدقيق (Precision Medicine).