د.أحلام بيضون
بكيت اليوم دمعتين: دمعة على خسارة لبنان والعالم لشخصية قيادية، مبدئية، شجاعة، حرة، صادقة، متحدثة، رؤوفة، محبة، إنسانية، موهوبة، حكيمة، راقية؛ ودمعة أخرى على الوطن، حيث يٰعاد إلى عصر الاحتلال الصهيوني الأميركي، واللوبي الذي لا يفهم معنى السيادة، ولا يميز بين الصديق والعدو، فيعادي الأول ويهادن الثاني.
دمعتي الأولى كانت حارة، صعدت من قلبي ولامست منطقي وعقلي. السيد مالئ الدنيا وشاغل الناس، يوارى الثرى مع صفيه وشبيهه، فمن سننتظر غدًا، يصارحنا بصدق بما حصل، وما يخطط لنا، وما سيأتي؟
السيد مضى، فمن سيرفع سبابته كالسيف المسنون، متعهدًا بأنه لن يكون إلا نصير حق؟
السيد مضى، فمن سيتحفنا بعمق المعنى، وفصاحة اللسان، وسرعة البديهة، وسلامة اللغة، وبلاغة الكلام؟
السيد مضى، فمن لنا بمن يطمئن قلوبنا، ويمنحنا الثقة بأنفسنا تجاه عدو مجرم، ومن سيخفف عنا بلطافته، وخفة ظله؟
السيد مضى، فمن سيطل علينا برقي، مترفعًا عن مجاراة القوم بإسفافهم، ونكرانهم للمعروف، وامتناعهم عن نصرة الحق؟
السيد مضى بكامل شخصيته ووقاره وبساطته، وعنفوانه وجرأته.
السيد مضى، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل طالت يد الغدر أكثر القادة شبها به خلقا وخلقا، وعملا وتضحية، مع عدد كبير من القادة من الصف الاول والثاني والثالث.
توقفت لحظة ثم تذكرت، كيف أن السيد أعطانا أجوبةً لكل سؤال، وقرارًا لكل موقف. لقد أسعفنا السيد في حياته الأولى بيننا، وزودنا بما يلزمنا بعد أن يصبح روحًا ترانا من بعيد، ونشعر بها دون ان نراها.
لقد ارتحت لتلك الذاكرة، وتأكدت أن السيد سيبقى نورًا مشعًا يضيء أمامنا السبل، وسيبقى حاضرًا صورةً وصوتًا، وسيكون تأثير كلماته أقوى بكثير. سنبقى سويًا مع السيد، بل مع السيدين.
عند هذه الفكرة حبست دمعتي في عيني حياءً من أن أضعف أمام عنفوان السيدين، دون ان تُسترجع اقتداء بحسهما الإنساني.
فيما خص دمعتي الثانية على الوطن؛ فهي سكبت قهرًا على جرح السيادة فيه، حيث نفذت الهيمنة الأجنبية، متسللة تحت رداء فرض السلام، متسربلة بالحقد والخداع، متآمرة مع لص مجرم أتانا من شتى أصقاع الأرض، كي يسلبنا أوطاننا، ويقترف بحقنا أفظع الجرائم. وإن كان ذلك يجرح، فما يؤلم أكثر هو طعنة ذوي القربى، أشقاء الوطن، أولئك من شكلوا "لوبي" حاقدًا وغبيًا، يتآمر مع العدو ضد شقيقه الذي يدافع عنه وعن الوطن المشترك، اللوبي الذي يدعو المحتل كي يكمل عدوانه حتى يقضي تماما على إبن وطنه المدافع عنه، ذلك الذي ضحى بنفسه وماله وراحته من أجل الوطن والمواطنين، كي يكونوا أعزاءً كراما. وحين يدرك ذاك اللوبي الغبي أن هدفه الخبيث لم يتحقق، يأسف لذلك، ويدعو الله أن يستجيب دعاءه، ليس في القضاء على العدو، بل في القضاء على الشقيق والصديق.
هذا اللوبي الداخلي الذي أصابته لعنة الغباء، لم يعد بإمكانه التمييز بين العدو والصديق، فتنكر للصديق، وسعى إلى التحالف مع العدو. في الحالتين، الدموع حاضرة في عيون الأحرار، وهي مليئة بالأسى والقهر، ولكن تلك الدموع الحرّة، تأبى أن تكشف سترها للأغراب، فتحبس في المٱقي أو على حوافي الجفون.
بيروت، في 25 شباط 2025



