إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في النص والتطبيق
دراسات و أبحاث
إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في النص والتطبيق
د. أحلام بيضون
30 كانون الثاني 2025 , 22:45 م

كتبت د. أحلام بيضون

أثارت مهلة الستين يوما التي منحت للقوات الإسرائيلية كي تنسحب من لبنان الكثير من التساؤل، بل الكثير من الدهشة. ولكن كان هناك داعي للانتظار والصبر، فحجم العدوان على لبنان، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت، كانت وحدها كفيلة بالتمسك بوقف إطلاق النار، وإن كان ذلك سيفقد المقاتلين فرصة للدفاع عن لبنان بعد أن استعادوا توازنهم، وظهر ذلك جليا في التصدي للعدوان على قدم المساواة، وإيقافه عن الحدود بالقدر الذي يسمح للمقاومة بأن تجبره على القتال، وتحرمه فرصة القتل دون مقابل من بعيد.

غير أن ما حصل خلال الستين يوما من استغلال للهدنة وتقدم العدو في القرى والمدن التي كانت عصية عليه، واستمراره بالتفجير واستهداف كل ما يتحرك في الطرقات، وتفجير المنازل في البلدات الحدودية، وتجريف الطرقات، وسرقة الزيتون المعمر، ونهب المنازل، وتدمير الآثار وأماكن العبادة، قد زلزلت ثقة الناس، ليس فقط بالاتفاق، بل بمن عقده ومن قبله ومن وافق عليه أي يكن، خارجي أو داخلي. فإذا كنّا بصدد اتفاق لوقف إطلاق النار، فهذا يفرض وقف إطلاق النار من الجانبين المتصارعين، وليس وقف أطلاق النار من جانب واحد، بينما يترك للجانب الآخر مطلق الحرية في الاستفراد بخصمه، وتمكينه من الحصول في الهدنة على ما لم يتمكن من الحصول عليه في المعارك.

لم يتسنَ للمواطنين أول الأمر أن يطلعوا على النص الحقيقي لما سمي إعلان وقف إطلاق النار الذي حصل في 27 نوفمبر العام 2024، بينما كان نص القرار 1701، معروفا، وكل ما سرّب، هو قبول الطرفين الإسرائيلي واللبناني بالعودة إلى تطبيق مندرجات ذلك القرار 1701 الذي صدر بعد حرب العام 2006، وتمّ الالتزام به من جانب المقاومة في لبنان حتى العام 2023، 8 أكتوبر، يوم إعلان المقاومة في لبنان مساندة المقاومة في غزة ضد الإبادة التي تتعرض لها، ولم تلتزم إسرائيل بالانسحاب الكامل من لبنان.

نشرت الحكومة اللبنانية النص الكامل للاتفاق تحت مسمى إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، في 15/1/2025، فماذا ورد في ذلك الإعلان؟ وماذا بشأن التطبيق؟

أولا في النص:

بعد الاطلاع على النص الذي تمّ نشره من قبل الحكومة اللبنانية وذكر أنه النص الكامل للاتفاق حول وقف اتفاق النار بين لبنان ولإسرائيل، تبين ما يلي:

1- أن الاتفاق لم يحصل بين لبنان وإسرائيل، بل بين الولايات المتحدة وفرنسا. فقد تم الاستماع إلى لبنان من قبل الولايات المتحدة بشكل أساسي، وذلك من خلال مبعوثها هوكشتاين، كما تم الاستماع لإسرائيل، ثم تم الاتفاق بين الولايات المتحدة وفرنسا، حول كيفية إخراج "التفاهمات" أو "الخطوات" الإجرائية لتنفيذ القرار 1701 بشكل فعّال. لذلك نص الإعلان على ما يلي:

"بعد مشاورات مع حكومتي جمهورية لبنان (المشار إليها فيما بعد بـ"لبنان") ودولة إسرائيل (المشار إليها فيما بعد بـ"إسرائيل")، تدرك الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا..."

2- إن ما نشر هو عبارة عن وثيقة تحمل باراف الأمين العام لمجلس الوزراء اللبناني، دون أي توقيع آخر. وقد ورد تحت عنوان: إعلان وقف الأعمال العدائية والالتزامات ذات الصلة بشأن تعزيز الترتيبات الأمنية وتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.

يظهر ذلك أنه تمّ تجنب اعتماد أي تسمية قانونية، كاتفاق تنتج عادة في مثل تلك الأحوال. فصدرت التفاهمات على شكل "إعلان"، والإعلان في القانون له صيغة إشهار، أو تبليغ، رغم أن هناك إعلانات قانونية هامة معروفة، مثل "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، والذي له قيمة قانونية ملزمة. في حالة التفاهم على وقف إطلاق النار بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، وتصديره على شكل إعلان، ليس له قيمة بحد ذاته، بل القيمة تتعلق بالقرار 1701، الذي تدور حوله التفاهمات، لمعرفة كيفية وضعه موضع التنفيذ كما يشتهي كل طرف. هذا يبين أنه لم يتم تنفيذ القرار 1701، كما يجب في الفترة التي امتدت بين العامين 2006 و2023، وإن كان قد تمّ تثبيت وقف إطلاق النار طيلة تلك الفترة، وهذا ما سنبحثه حين نعود إلى القرار المذكور.

3- ينص الإعلان على تقيد "حزب الله" وجميع المجموعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية بعدم تنفيذ أي عمليات هجومية ضد إسرائيل، التي ستلتزم بالمقابل بعدم تنفيذ أي عمليات عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان سواء على الأرض أو في الجو أو البحر.

4- يضمن تطبيق الاتفاق الدولتان الراعيتان أي كل من الولايات المتحدة وفرنسا وما سمي لجنة المراقبة التي تمّ التفاهم عليها، والتي ستراقب التزام الجانبين اللبناني والإسرائيلي باحترام القرار، وستتكون من ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والقوات الدولية، وتتعاون مع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان، وتضاف إلى الهيئة التي كانت موجودة أصلا، وكانت تتألف من ضباط إسرائيليين ولبنانيين والأمم المتحدة.

5- تدرك الدولتان الراعيتان، أي كل من الولايات المتحدة وفرنسا، أن لبنان وإسرائيل يسعيان إلى إنهاء التصعيد الحالي للأعمال العدائية عبر الخط الأزرق بشكل مستدام، وأن كلا منهما مستعد لاتخاذ خطوات لتهيئة الظروف التي تفضي إلى حل دائم وشامل".

6- أعربت الولايات المتحدة وفرنسا عن عزمهما "العمل ضمن اللجنة التقنية العسكرية للبنان لتمكين وتحقيق نشر قوة قوامها 10 آلاف جندي من القوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان في أسرع وقت ممكن"، كما ستسعيان لـ"التعاون مع المجتمع الدولي لدعم القوات المسلحة اللبنانية على النحو الملائم لتحقيق هذا التوسع في مستويات انتشارها في لبنان، وتعزيز قدراتها".

7- وتذكر هذه التفاهمات بمضمون القرار 1701، والتي يجب أن تدرج تفصيلا فيما يتعلق بالتزامات كل من لبنان، وإسرائيل وهذا ما سنتناوله لاحقا.

8- ما يلفت الانتباه في هذه التفاهمات، إدراجها لنص يتعلق باحتفاظ كل من لبنان وإسرائيل بحق الدفاع عن النفس وفق القانون الدولي. ورغم أن هذا الحق هو بديهي، غير أنه من غير المفهوم لماذا ورد هذا البند في نص يتعلق بإنهاء الأعمال القتالية، ووجوب التزام الجانبين المعنيين بها. إن من يعرف تاريخ إسرائيل يعرف مدى استغلالها لمفهوم حق الدفاع عن النفس، وتجييره لصالحها، وإخراجه عن سياقه القانوني، وعدم الالتزام بشروطه، التي يجب أن تتوفر لكي تكون الجهة المدعية بذلك الحق، هي فعلا في وضعية تخولها اللجوء لاستخدامه، وهذه الشروط تفرض: أولا، أن تكون الجهة المدعية بحق الدفاع عن النفس قد تعرضت لعدون أو هجوم؛ ثانيا، أن تعتمد الدولة التي تعرضت لعدوان نفس الوسيلة والأسلوب في الدفاع عن نفسها كالذي استعملته ضدها الدولة المعتدية وبشكل متناسب، أي العين بالعين والسم بالسن؛ ثالثا، أن يحصل فعل الدفاع عن النفس في نفس الزمان والمكان حيث حصل العدوان، وينتهي هذا الحق عند توقف العدوان.

9- يحدد الإعلان توقيت بدأ سريان وقف إطلاق النار بدقة وهو الساعة 04:00 (بتوقيت إسرائيل/شرق أوروبا) في 27 نوفمبر 2024.

10- تعكس هذه التفاهمات "الخطوات التي يلتزم بها كل من إسرائيل ولبنان من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بالكامل، مع الاعتراف بأن هذا القرار ينص أيضاً على التنفيذ الكامل للقرارات السابقة لمجلس الأمن، بما في ذلك نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان، بحيث تقتصر القوى المخولة بحمل السلاح في لبنان على القوات المسلحة اللبنانية، وقوى الأمن الداخلي، ومديرية الأمن العام، والمديرية العامة للأمن الوطني، والجمارك اللبنانية، والشرطة البلدية"، (المشار إليها فيما بعد بـ"القوات العسكرية والأمنية الرسمية في لبنان").

ثانيا في التطبيق

إن روح النص المتعلق بإعلان وقف إطلاق النار الذي اعتمد كتسمية للتفاهمات أو الإجراءات التي تمّت من أجل وضع حد للأعمال العسكرية بين لبنان ولإسرائيل، هو وقف مباشر لإطلاق النار، حدد وقت سريانه في الساعة الرابعة من 27 نوفمبر/ 2024، والالتزام بتطبيق القرار 1701/2006. فماذا حصل؟

1- التزم الجانب اللبناني، أي المقاومة بوقف الأعمال العسكرية، بينما استغلت إسرائيل ذلك كي تستكمل عدوانها، وكي تنجز دون مجابهة ما عجزت عن إنجازه قبل وقف إطلاق النار. لقد ضمن العدو بذلك أن يجنب نفسه صواريخ حزب الله التي كانت تمطر شمال فلسطين المحتلة (إسرائيل)، والمدن الساحلية وصولا إلى حيفا وتل أبيب وما بعدها، كما ضمن لقواته البرية التي تجاوزت الخط الأزرق مع لبنان، وعلقت بين أنياب المقاومة اللبنانية، فلا هي عرفت العودة، ولا هي تمكنت من التقدم إلى حيث تريد داخل الأرض اللبنانية، رغم وحشية الأسلحة المستخدمة والأطنان من القذائف التي تمطرها طائراتها على القرى والمدن في الحدود وفي الداخل اللبناني، متجاوزة كل أعراف وقواعد الحرب. وقد بقي الحال يراوح مكانه طيلة 66 يوما. لقد استمرت أيضا في القيام بعمليات تفجير، واستهداف المقاتلين والنازحين أينما كانوا، وقصف لمناطق داخل منطقة جنوب الليطاني وخارجها وصولا إلى شمال لبنان. جلّ ما يمكن الكلام عنه كنتيجة لإعلان وقف إطلاق النار، هو توقف الجانب الإسرائيلي عن التدمير الممنهج لضاحية بيروت الجنوبية تحديدا، ولبيروت والبقاع، ما مكّن النازحين من الضاحية والبقاع ومدينتي النبطية وصور من العودة إلى مساكنهم إذا كان لم يلحقها الدمار. بينما بقي الشريط الحدودي صعودا حتى نهر الليطاني شرقا تحت قبضة العدوان الصهيوني، الذي أمعن في ارتكاب جرائم الحرب من خلال تدميره للقرى الحدودية، وحرقه ونسفه لمنازل المواطنين، وتجريفه للحقول، واقتلاع أشجار الزيتون المعمرة ونقلها إلى داخل الكيان المحتل. كذلك، استمر العدو بتخريب البنى التحتية، وتجريف الطرقات، واستهداف مواقع وأماكن مدعيا أنها تشكل مراكز أو مستودعات لحزب الله. ما يشكل أعمالا عدائية هجومية موصوفة.

إن ما استمر العدو باقترافه، خلا فترة الهدنة، يشكل انتهاكا فاضحا لإعلان وقف إطلاق النار، فلا هو يدخل ضمن الدفاع عن النفس لأن إسرائيل ابتداء من الساعة الرابعة، 27 نوفمبر 2024، لم تعد تتعرض لأي عمل عسكري من قبل المقاومة الإسلامية اللبنانية؛ ولا هو مسؤول عن نزع الأسلحة من جنوب الليطاني، حيث أن تلك المهمة قد أوكلت إلى الجيش اللبناني وليس إلى إسرائيل.

2- نص الإعلان على مهلة 60 يوما، كفترة ممنوحة للقوات الإسرائيلية كي تسحب قواتها بشكل تدريجي بحيث يتزامن خروجها النهائي في اليوم الستين، ولا يجوز تجاوز ذلك التاريخ. ما فعله العدو، أنه بعد أن تقدم في القرى والبلدات التي لم يتمكن من دخولها، وبعد أن دمر وخرب، بدأ يعلن انسحابه من بعض البلدات، دون أن يمكّن السكان من العودة إليها. بقيت الحال كذلك حتى أواخر الفترة، حيث بدأت تتسرب نية العدو في البقاء في خمس تلال استراتيجية، في اليوم الستين، أعلن الرئيس الأميركي ترامب أنه يمدد فترة وقف إطلاق النار، أي المهلة الممنوحة لإسرائيل كي تستكمل انسحابها إلى 25 يوما، ثم قلص المدة إلى 18 يوما. لم يقبل الجانب اللبناني ذلك، واحتجّ لدى الأميركيين. غير أن ما لم يكن ينتظره الأميركيون والإسرائيليون هو زحف أهالي جنوب لبنا النازحين منذ بداية الحرب، إلى ضيعهم وبلداتهم في اليوم الواحد والستين، معلنين أن الهدنة قد انتهت، وأن الوجود الإسرائيلي أصبح احتلالا، وأنهم سيدافعون عن بيوتهم وممتلكاتهم الباقية.

تمكن الأهالي من دخول معظم البلدات، وبقي حتى كتابة هذه الكلمات بعض المواقع. دفع الأهالي من جديد ضريبة التحرير، حيث أقدمت القوات المعادية على إطلاق النار عليهم، رغم أنهم لا يحملون أي سلاح، فذهب نتيجة ذلك نحو 25 شهيد وشهيدة وأكثر من 160 جريح. ما يشكل جرائم حرب تضاف إلى الجرائم السابقة.

3- لم تبدِ لجنة المراقبة التي سميت آلية، والمؤلفة من ممثل عن الولايات المتحدة وآخر عن فرنسا وتتعاون مع الأمم المتحدة، أي اعتراض على ما تقترفه القوات الإسرائيلية من جرائم. بل هي ماطلت في الوصول إلى لبنان، وصمتت على انتهاكات العدو لوقف إطلاق النار.

4- كان من المفترض، وفق الإجراءات الواردة في إعلان وقف إطلاق النار، أن تباشر قوات العدو بإخلاء مناطق تواجدها تدريجيا وتسليمها للجيش اللبناني، الذي وحده مسؤول عن مصادرة الأسلحة في منطقة جنوب الليطاني، وهذا ما لم يحصل إلا في مناطق قليلة، كانت إسرائيل قد أكملت تدميرها كليا.

5- صرح العدو أنه سيبقى في خمس مواقع استراتيجية، وإذا وافقه في ذلك الرئيس الأميركي، يطرح السؤال كيف ستتحرر تلك التلال.

6- تعمد من صاغ نص التفاهمات على إدراج كلمات تحمل الغموض حول ما يعنيه النص، كما ورد في البند السابع مثلا، المتعلق بحرية الحركة الممنوحة للقوات العسكرية اللبنانية من قبل الحكومة اللبنانية، والرامية إلى تطبيق القرار 1701 والقرارات السابقة له، حيث ورد أن حرية الحركة ترمي إلى:

أ‌. مراقبة وتنفيذ الإجراءات ضد أي دخول غير مصرح به للأسلحة والمعدات ذات الصلة إلى لبنان وعبره، بما في ذلك من خلال جميع المعابر الحدودية، وضد الإنتاج غير المصرح به للأسلحة والمعدات داخل لبنان.

ب. بدءاً من منطقة جنوب الليطاني، تفكيك جميع المنشآت غير المصرح بها، المشاركة في إنتاج الأسلحة والمعدات ذات الصلة، ومنع إقامة مثل هذه المنشآت في المستقبل.

ت. بدءاً من منطقة جنوب الليطاني، تفكيك جميع البنى التحتية، والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها، التي تتعارض مع هذه الالتزامات."

يظهر من البند 7 أن مسألة الحصول على الأسلحة سواء بالسماح بدخولها، أو بإنتاجها في الداخل، لا تقتصر على منطقة جنوب الليطاني، بل تمتد إلى سائر مناطق لبنان، حيث ورد في النقطة (ب) والنقطة (ت) أنه يتم التفتيش عن السلاح ومنع التزود به "ابتداء من منطقة جنوب الليطاني". هذا يتعارض مع نص القرار 1701، كما يتعارض مع إعلان وقف إطلاق النار 2024، الذي يتعلق بتفاهمات أو إجراءات تقضي بتطبيق القرار1701، وتحصر المهمة بانسحاب مقاتلي حزب الله، والتفتيش عن السلاح ومصادرته في منطقة جنوب الليطاني، ولا تمتد إلى خارج تلك المنطقة. فلا يفهم لماذا استعملت كلمة "بدءا"

7- تذكر التفاهمات بأن القرار 1701 قد نص على تطبيق القرارت السابقة، والتي وردت في متنه أي القرار 1959 و1860. بناء على ذلك، تمّ الاستطراد في نص إعلان وقف إطلاق النار لعام 2024، فتكلم على نزع سلاح كافة الجماعات المسلحة، في جميع الأراضي اللبنانية، وهذا ما ينص عليه القرار 1559، والذي شكل جدلا كبيرا في لبنان في وقت صدوره، لما يشكله في بعض نقاطه من تدخل في الشؤون الداخلية للبنان، ما يعتبر انتهاكا لسيادة ذلك البلد وفق القانون الدولي.

8- القرار 1701 الذي هو موضوع إعلان وقف إطلاق النار للعام 2024، ينص على انسحاب المقاتلين إلى شمال الليطاني، وجعل منطقة جنوب الليطاني خالية من السلاح. بالمقابل يطلب القرار من إسرائيل الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها، وفقا لخط ترسيم الحدود لعام 1923، والذي كرسته اتفاقية الهدنة المذكورة في متن القرار1701. لم تنفذ إسرائيل تلك النقطة من القرار حتى قبل عملية 7 أكتوبر.

9- إن التفاهمات المدرجة في إعلان وقف إطلاق النار تنص على أن الفريقين اللبناني والإسرائيلي يرغبان في حل شامل. الحلّ الشامل يقتضي احترام الحدود الرسمية بين لبنان وفلسطين المحتلة، كما يفرض احترام السيادة اللبنانية، والكفّ عن العدوان، أو عن خرق وقف إطلاق النار كما كان يحصل حتى العام 1923، أي قبل حرب غزة.

10- أظهرت فترة الستين يوما، الممنوحة كي يتم انسحاب قوات العدو من جنوب لبنان، عدم احترام إسرائيل للالتزاماتها، حيث صعدت الحرب بدل وقف الأعمال العدائية، كما أظهرت فترة الستين يوما، عدم فعالية لجنة المراقبة حتى لا نقول تواطأها، لأنها لم تقدم على أي فعل من شأنه أن يضع حدا للعدوان.

11- لقد أصر المسؤولون الإسرائيليون، على أن "الجيش الإسرائيلي سيواصل ضرب حزب الله إذا رصد أي تهديدات لأمنه، بما في ذلك نقل أسلحة وعتاد عسكري إلى الجماعة"، وفقاً لـ"رويترز". كما أشار مسؤول إسرائيلي إلى أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي توسط في الاتفاق، "أعطى تأكيدات مباشرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل قادرة على تنفيذ مثل هذه الضربات على لبنان". وذكر أن "إسرائيل ستستخدم طائرات مسيرة لمراقبة التحركات على الأرض في لبنان". أكد المسؤولون اللبنانيون أن "هذا البند غير موجود في الاتفاق الذي وافقت عليه بيروت، وأن لبنان سيعارض أي انتهاك لسيادته".

يظهر هذا التباين واحد من أمرين: أو أن الوسطاء أي الولايات المتحدة وفرنسا قد خدعوا لبنا، وتواطؤوا مع العدو، أو أن العدو قد ادعى ذلك، وأقدم على خرق الاتفاق. في الحالتين يتحمل مسؤولية ذلك كل من الولايات المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى إسرائيل.

12- عند بدء وقف الأعمال العدائية وفقاً للفقرة 1، ستنشر لبنان قواتها العسكرية والأمنية الرسمية على جميع الحدود، بما في ذلك المعابر الحدودية البرية والجوية والبحرية، سواء الخاضعة للوائح منها أو غير الخاضعة. بالإضافة إلى ذلك، ستقوم القوات المسلحة اللبنانية بنشر وحدات، وإنشاء نقاط تفتيش وحواجز على جميع الطرق والجسور الواقعة على طول الخط الذي يحدد منطقة جنوب الليطاني.

عند بدء وقف الأعمال العدائية وفقاً للفقرة 1، ستسحب إسرائيل قواتها بشكل تدريجي إلى جنوب الخط الأزرق، وفي الوقت ذاته، ستقوم القوات المسلحة اللبنانية بنشر قواتها في المواقع المحددة في منطقة جنوب الليطاني، كما هو موضح في خطة نشر القوات المسلحة اللبنانية المرفقة.

النص واضح هنا، فرغم أن النص يوصي بقيام الجيش اللبناني بالانتشار على مختلف الحدود، ومنع إدخال الأسلحة بشكل غير مصرح به، إلا أن النص يوصي بعدم تواجد المقاومة فقط في منطقة جنوب الليطاني.

13- ستبلغ إسرائيل ولبنان عن أي انتهاكات مزعومة إلى الآلية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، دون المساس بحقوقهما في التواصل المباشر مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وستعمل الآلية على وضع إجراءات مناسبة للتشاور والتفتيش وجمع المعلومات، والمساهمة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات. استعمل لبنان هذا الحق، فماذا نتج؟ لا شيء، كون منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن معطلان، بفعل الغطرسة الأميركية، وبفعل حمايته لكيان العدو ومسؤوليه من أي ملاحقة بفعل الجرائم المرتكبة، حتى أنه وصلت الوقاحة بالإدارة الأميركية أن تستصدر قانون داخلي يدين محكمة الجنايات الدولية ويفرض عليها عقوبات، لأنها أمرت بتوقيف رئيس وزراء إسرائيل، ووزير دفاعه السابق، بسبب اقتراف جرائم حرب، وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني.

14- وأشارت التفاهمات إلى أن الالتزامات المحددة والمفروض أن يلتزم بها طرفا النزاع، تهدف إلى تمكين المدنيين على جانبي الخط الأزرق من العودة بأمان إلى أراضيهم وبيوتهم.

لم تمكن قوات العدو سكان جنوب لبنان من العودة إلى منازلهم، ولم تنسحب من جنوب لبنان رغم انتهاء مهلة الستين يوما، بل لقد استعملت العنف ضد المدنيين العائدين، ما أدى إلى ارتكاب جرائم إضافية.

15- يبقى أخيرا نقطة ذكرتها التفاهمات، وهي تكرار القول أنه لن يسمح إلا القوات اللبنانية الرسمية في التواجد على الأراضي اللبنانية. السؤال الذي يطرح هنا من يحدد من هي القوات الرسمية، وهل أن المقاومة في لبنان هي رسمية أو غير رسمية. بالنسبة للبنان، المقاومة معترف بها ضمن ما يسميه اللبنانيون: "المعادلة الذهبية، أي الشعب والجيش والمقاومة".

.................

يمكن الرجوع إلى:

- النص الكامل للاتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، تاريخ 27 نوفمبر 2024، نشر من قبل الحكومة اللبنانية، في وسائل الإعلام المختلفة، ويوجد على منصات غوغل.

- أحلام بيضون، " قراءة خاصة للقرار 1701"، بيروت/2008، على موقع الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق، الفرع الثاني جلّ الديب. http//droit2.ul.edu.lb

- أحلام بيضون، " القرار 1559، قراءة قانونية في طبيعته ومدى قوته القانونية"، بيروت/2008، نفس الموقع: http//droit2.ul.edu.lb

أحلام بيضون

بيروت، 30/1/2025

المصدر: موقع إضاءات الإخباري