اكتشف فريق من الباحثين آلية جديدة تتيح للبكتيريا المعدلة وراثيا تعزيز استجابة جهاز المناعة بشكل دقيق لاستهداف الأورام وتدميرها دون التأثير على الأنسجة السليمة، يعتمد هذا الاكتشاف على فهم تأثير إنترلوكين-10 (IL-10) على خلايا الذاكرة المناعية، مما يفتح الباب أمام تطوير علاجات أكثر أمانا وفعالية ضد السرطان.
تحديات العلاج البكتيري للسرطان
سعى العلماء منذ عقود لاستخدام البكتيريا كوسيلة لمكافحة السرطان، إلا أن المخاوف المتعلقة بالسلامة والفعالية أعاقت تقدم هذه العلاجات، لكن اليوم تمكن فريق بحثي من فك شفرة كيفية استهداف البكتيريا المعدلة وراثيًا، مثل السلالة DB1، للأورام بشكل انتقائي دون الإضرار بالخلايا السليمة.
قاد هذا البحث كلٌّ من البروفيسور تشينلي ليو من معهد شنتشن للتكنولوجيا المتقدمة بالأكاديمية الصينية للعلوم (CAS) والبروفيسور يي تشوان شياو من معهد شنغهاي للتغذية والصحة، وتم نشر نتائجه اليوم (3 مارس 2025) في مجلة Cell العلمية.
التطورات في علم الأحياء التخليقي ودورها في علاج السرطان
شهد علم الأحياء التخليقي تطورات ملحوظة أدت إلى تطوير سلالات بكتيرية مضادة للسرطان، مما ساهم في إحداث ثورة في مجال علم الأورام المناعي، ومع ذلك بقي التحدي الأكبر يتمثل في فهم كيفية تجاوز هذه البكتيريا لجهاز المناعة البشري، مع تحفيز استجابة مناعية فعالة ضد الأورام.
في هذه الدراسة، قام الباحثون بتطوير سلالة بكتيرية معدلة تُعرف باسم Designer Bacteria 1 (DB1)، وهي مصممة للبقاء داخل أنسجة الأورام فقط، بينما يتم التخلص منها من الأنسجة السليمة. وهذا يضمن استهدافا دقيقا للخلايا السرطانية دون التسبب في آثار جانبية ضارة.
دور خلايا الذاكرة المناعية CD8+ TRM في مكافحة السرطان
لاستكشاف كيفية عمل DB1، درس الباحثون تفاعل هذه البكتيريا مع الأورام، ووجدوا أن فعاليتها تعتمد بشكل أساسي على خلايا الذاكرة المناعية CD8+ TRM، والتي يتم تنشيطها وتكاثرها بشكل كبير بعد العلاج بـ DB1.
يلعب إنترلوكين-10 (IL-10) دورا محوريا في هذا التأثير، حيث يعتمد نجاح العلاج على ارتفاع مستوى مستقبلات IL-10R على سطح خلايا CD8+ TRM، مما يساعد في تحفيز الاستجابة المناعية للقضاء على الأورام.
حلقة التغذية الراجعة لإنترلوكين-10 وتأثيرها على الأورام
أجرى الباحثون تجارب حسابية ومخبرية لمعرفة سبب ارتفاع التعبير الجيني لمستقبل IL-10R في خلايا CD8+ TRM، ووجدوا أن IL-10 يرتبط بمستقبله (IL-10R) في هذه الخلايا، مما يؤدي إلى تنشيط بروتين STAT3 الذي يعزز بدوره التعبير الجيني لـ IL-10R.
هذا التفاعل يخلق حلقة تغذية راجعة إيجابية، حيث تكتسب خلايا CD8+ TRM القدرة على "تذكر" التعرض السابق لـ IL-10، مما يجعلها أكثر استجابة للعلاج البكتيري. وعند تحفيزها بواسطة DB1، تتكاثر هذه الخلايا بشكل كبير لتدمير الخلايا السرطانية بكفاءة عالية.
تأثير البيئة الدقيقة للأورام على الاستجابة المناعية
درس الباحثون مصدر IL-10 داخل البيئة الدقيقة للورم بعد العلاج بالبكتيريا، ووجدوا أن الخلايا البلعمية المرتبطة بالورم (TAMs) تزيد من إنتاج IL-10 بعد تحفيزها بواسطة DB1 عبر مسار إشارات مستقبل Toll-like 4 (TLR4).
المثير للاهتمام أن IL-10 يقلل من سرعة حركة الخلايا المتعادلة المرتبطة بالورم (TANs)، مما يساعد DB1 على البقاء في بيئة الورم لفترة أطول دون التعرض للإزالة السريعة من قبل الجهاز المناعي، وتعتمد هذه العملية بشكل كبير على مستوى التعبير الجيني المرتفع لـ IL-10R في الخلايا المناعية المرتبطة بالأورام، مما يعزز التأثير العلاجي للبكتيريا.
آفاق جديدة لعلاج السرطان باستخدام البكتيريا المعدلة
يقول البروفيسور تشينلي ليو:
"اكتشافنا لهذا الآلية الحيوية يسلط الضوء على أحد أهم الألغاز في العلاج البكتيري للسرطان، فهمنا لظاهرة التعبير الجيني المرتفع لـ IL-10R لا يقدم فقط رؤى علمية قيمة، بل يوفر أيضًا خارطة طريق لتصميم سلالات بكتيرية معدلة أكثر أمانا وفعالية في مكافحة السرطان."
نحو مستقبل أكثر إشراقا في علاج السرطان
يعتبر هذا البحث خطوة ثورية نحو تسخير الهندسة الوراثية في تطوير علاجات مناعية دقيقة تستهدف الأورام السرطانية دون التسبب في آثار جانبية ضارة، ومع استمرار الأبحاث في هذا المجال، قد نشهد قريبا جيلا جديدا من العلاجات البكتيرية التي توفر حلاً أكثر فاعلية وأمانا للمرضى حول العالم.



