لا يوم كيومك يا قمر بني هاشم ..هو يوم الحب الكبير والحزن العظيم ..يوم اليقين الموجع بأنك رحلت ..ما أقسى هذا اليقين ..ليتنا ما زلنا نحيا وهم وجودك في دنيانا..بئس دنيا لستَ فيها..لا حزن كحزننا عليك يا سيد.. هذا الحزن الجارف الذي فاض وأستحال طوفاناً مذهلاً من القلوب النازفة والعيون الدامعة .. جاءت لتعانق النعش المبارك الذي إحتضن الجسد ألمسجّى ألطاهر..لا يوم كيومك أيها الكائن النوراني الذي لا يجود بمثله الدهر ..هو اليوم الذي قالت فيه جماهير كلمتها.. لبيك يا نصرالله.. يوم الإستفتاء العظيم على الوفاء للعهد وصدق الوعد ..والثبات على النهج وحفظ المقاومة، أمانتك ..ميراثك يا سيدنا..يا حبيب الفقراء وملاذ الضعفاء.. نصير المظلومين ومجير فلسطين .. يا من أكتفيت من دُنياكَ بطمريك ومن طعمك بقرصيك وأدرت ظهرك للمباهج قائلاً يا دُنيا غُرِّي غيري..فركع المجد أمام قدميك ..ها قد أقبلت الوفود وجموع الأحرار من كل أقطار الأرض ..لتقدِّم التحية لأسطورة لن يكررها الزمان ..لتقف بإحترام وخشوع ورهبة أمام الجرح .. جرحنا الدامي الذي لن نُشفى منه أبداً ..شرفاء العالم توافدوا لحضور تشييع القائد الإستثنائي ، والثائر الأممي.. سيف الإباءالكربلائي..نصرالله..من كان له من إسمه نصيب ، حسن وهو يوسفي الحُسن ، ونصرالله وهو المؤيد بنصرٍ من ألله..يا سيد هذا الزمن الصعب والأزمنةالقادمة ..فلسطين حزينة تنتحب ..غاب النصير والمجير ..والقدس التي انتظرتك لتعيدها إلى العرب قد لبست السواد وأعلنت الحداد حزناً على فارسها الذي أستشهد على دربها ..وسورية العروبة التي تكالب عليها الشرق والغرب تستغيث وتبحث عن منقذها.. يا سيد ألمقاومة ..لما أستسلمت للموت..؟؟يا من قاومت أعتى قوى الطغيان وأنتصرت عليها .. كنّا نظن أن الموت لن يطاوعه قلبه على أذيّة كل هذا البهاء والجلال..!! يا سيدي لما لم تقاوم الموت..؟؟ أهو إيمانك العميق بقضاء الله..؟؟ أم هي رغبتك بالشهادة..وذاك الصوت الآتي من عمق التاريخ هتف بداخلك.. فُزت ورب الكعبة ..ألموت لن يؤلمك يا سيد ..الموت سيؤلمنا نحن الذين كنت أجمل أحلامنا التي تحققت .. نحن الذين رمينا على كتفيك كل همومنا واحزاننا وبؤسنا ويأسنا..آمالنا وحبّنا المُرْهِق ..وخيباتنا العربية ألمزمنة .. وتعلّق مصيرنا بقسمٍ من أصبعك المقدس.. الأصبع الذي كان يثير الذعر عند العدو ويخشاه طغاة العالم..
ألموت لن يوجعك يا عشقنا الأزلي ..قد يكون راحة لك من أُمّةٍ أتعبتك بخنوعها وصمتها وتخاذلها وغدرها ..أُمّة نذَرْتَ عمرك الشريف لإيقاظها من سباتها..وإزالة الصدأ عن وعيها..والدفاع عن كرامتها..ألموت لا يؤلم الموتى .. هو يؤلم الأحياء الذين سيعانون مشاعر الفقد واليُتم والشوق والحنين ..ذاك الحنين حين لا يستطيع الجسد أن يذهب حيث تذهب الروح ..وأنت روحنا يا سيد وكيف سنحيا بلا روح ..أيها الجميل كأُمنية تحققت ..ما أقسى فراقك.. هو أقسى من الموت كما وصفه جدك إمام المتقين بقوله الفراق أشد من الموت ..أوتسمع الآهات والأنين ..؟؟ يا ساكن القلوب.. يا من أنتظرناه لعقود طويلةوإحساس عميق في وجداننا يقول أنك ستأتي.عقود من الهزائم والإنكسارات ونحن ننتظر .. نتدحرج من نكبةٍ إلى نكسةٍ..من عدوان إلى أجتياح وننتظر ..وأتيت يا أملنا محمّلاً بالعزة والكرامة والشهامة والكبرياء..وأنتشلتنا من قاع الهزيمة إلى قمة النصر..وفرضت معادلاتك على العدو ومن هم خلفه..معادلات وضعت حداً للغطرسة الصهيونية والجبروت التلمودي .. فكان النصر قدرك والعزّة نصيبنا ..يا مالئ الدنيا وشاغل الناس ما كنتُ أحسبُ قبل دفنك في الثرى ..أن الكواكبَ في ألترابِ تغورُ ..!! فكيف للظلام أن يهزم الضياء ..!!! أيُعْقَل أن توارى ألثريا بالثرى..؟؟ وأن يُهال التراب على النور .. هذا التراب المبارك الذي حررته من رجس الص هاينة..يوم وداعك يا سيدي أدهش العالم كله كما أدهشتهم بحياتك ..!! مشهدية لم يرَ العالم مثلها .. ملحمة عشق ووفاء ..إيمان وصدق.. شموخ وتحدّي وكبرياء..حشود غفيرة زحفت من كل الدنيا ..من آخر أقطار الأرض ..ليشهدوا وداع الإنسان الكوني العابر للطوائف والمذاهب والأعراق.. من آمَن أن ألناس إثنان إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ..من عشق فلسطين حتى الموت من أجلها ..وتدفّق أحبابك.. أشرف الناس ..من كل حدب وصوب، تخطوا كل الصعاب الطقس العاصف والجليد المتراكم والطرقات غير السالكة بسبب الثلوج ..والبعض منهم جاء سيراً على الأقدام .. أقبلوا ليغمروك بالحب الذي أغدقته عليهم طوال عمرك الشريف وليجددوا العهد ويهتفوا بملء حناجرهم .. لبيك يا نصرالله .. هيهات منا الذلّة..يوم وداعك أيها المجلل بالبهاء الإلهي كان يوماً من أيام الله ..عانقت فيه السماء الأرض وتجلّت فيه كراماتك يا حبيب ألله ..أشرقت شمسهُ متمردّة على كل الأرصاد الجوية، متحديُة العاصفة القطبية وتبددت الغيوم وكنت أنت في كل مكان.. والأكثر حضوراً رغم الغياب ..صوتك الصادح بالحق ..عباراتك المحفورة في ذاكرتنا الجمعية .. وكأنك كنت تطوف على الجموع تواسيهم .. تربت على أكتافهم لتخفف عنهم حزنهم لفقدك..وتتقبل عشقهم وولائهم لك.. أه يا سيد ..يوم تشييعك إنسابت روحك الحسينية وسكنت في شرايين محبيك، شعبك الوفي، فأستمدوا منها القوة فلم يأبهوا لرؤية طائرات الصهاينة وإستعراضها الوقح فوق رؤوسهم، وبكل شجاعة رفعوا قبضاتهم وهدرت أصواتهم .. الموت لأمريكا ..الموت لإسرائيل..كراماتك يا سيد كانت تتوالى ، فأسقطت مفعول كل التعاويذ والطلاسم والجهود المبذولة من الإعلام المرتزق لعرقلة مشهدية وداعك..وسيحُكى في كتب التاريخ عن ظاهرة لم تحدث من قبل ..عن بحارٍ من دموع كادت تفيض معها الأرواح حزناً .. عن طقسٍ جنائزي يشبه حزن الشعوب القديمة على آلهتها في الملاحم والأساطير .. عن آلاف الآلاف من القلوب التي تهافتت على النعش الطاهر لتتبارك بلمسه..عن السماء التي خُيِّل للناس إنهم لمحوا فيها وجهك الجميل ومعك كل الشهداء ألأبرار . وسمعوا صوتك يعلن النصر ويعد به مجدداً..
يا أبن رسول ألله.. وروح عيسى عليهالسلام..وسليل أهل ألبيت..حياتك الشاقّة في دنيانا قد أنتهت .. هذه الحياة التي وهبتنا إيّاها فلم تعش يوماً لنفسك.. ها أنت تعود إلى ألسماء التي تليق بك ،فأنت من نور ونحن من طين..
أيها المتوج بالمجد وعرشك قلوب الناس.. وقدرك الخلود ..ستبقى العصي على الموت .. ودمك الذي سقط بيد ألله سينمو ويزهر .. ويثمر النصر دوماً..فنحن لا نُهزَم ..عندما ننتصر ننتصر ، وعندما نُستشهد ننتصر .. والسلام عليك يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تُبعث حياً ..
هيام وهبي



