مرثيّةُ سيّدِ الأمّةِ الأغرِّ وإمامِها الأعظم’ لا يومَ مثلَ يومِكَ، ولا زمنَ إلّا زمنُكَ.
مقالات
مرثيّةُ سيّدِ الأمّةِ الأغرِّ وإمامِها الأعظم’ لا يومَ مثلَ يومِكَ، ولا زمنَ إلّا زمنُكَ.
ميخائيل عوض
27 أيلول 2025 , 12:49 م


٢٧ / ٩ / ٢٠٢٥

كتب الدكتور ميخائيل عوض

١

في مثلِ هذا اليومِ حدثَ جللٌ ولحظةٌ فارقةٌ، ليس في تاريخِ الأمّةِ، فالتاريخُ ينسى ويندمل،

بل بدايةُ أزمنةٍ وبصمةُ عزٍّ وكرامةٍ، أملٌ ووعدٌ صادقٌ، فتأسيسٌ لمستقبلٍ باهرٍ وواعدٍ.

أزمنةٌ تمضي ورجالٌ يغيبون، لا تحسبْهُم مرّوا أو كانوا، تستعجلُ الذاكرةُ نسيانَهم، فكم من ملياراتٍ أتَوا ورحلوا بلا أثرٍ أو بصمةٍ.

رجلٌ من بقيّةِ الله، قبسٌ من نورِهِ، عبقٌ من روحِهِ، رميةٌ من رمياتِه المحكمات.

سيّدُ الأمّةِ الأغرُّ وإمامُها الأعظمُ، وحدَكَ من انتزعَ الصفاتَ واستحقَّها، فغيرُكَ ممّن رسموا أنفسَهم أو صنعتْهُم وفرّختْهُم المداجنُ، فلا يستحقّون ذكرًا ولا اهتمامًا.

٢

كمثلكَ في تاريخِ الأمّةِ تزيدُ عن ذكرِهم أصابعُ اليدِ الواحدةِ، وأنتَ في العدِّ أوّلُهم، وربّما لقرونٍ آخرُ الرجالِ العظماء.

فالأمَمُ لا تَلِدُ كشخصِكَ بالدُّزَيْنات.

سيّدٌ بحقّ، إمامٌ وضعَ فيكَ الخالقُ خلاصةَ خلقِهِ؛ كمثلِ جدِّكَ رسولِ الله، وابنِ مريمَ المقدّسةِ، ومن أمثالِ الإمامِ عليٍّ، وعلى طريقِ واستشهادِ جدِّكَ الحسين، عشتَ وقدتَ وختمتَ حياتَكَ.

ليس من الرجالِ أحدٌ سواكَ قرَّر وذهبَ إلى الشهادةِ، يرتقي باسمًا، فرحًا بقُربِ اللقاء، عارفًا أنّ يومَكَ سيصيرُ في الضمائرِ والعقولِ والأرواحِ نِبراسًا ونموذجًا، قوّةَ إرادةٍ وحياةٍ وعزيمةٍ لاشتقاقِ الانتصاراتِ الإعجازيّةِ، ولَيِّ عنقِ الأزمنةِ، وكسرِ القواعدِ والقوالبِ، وفرضِ غَلَبةِ المستضعفينَ على شياطينِ الأرضِ وفراعينِها، ولو اجتمعوا لقتلِكَ.

٣

كنتَ دومًا تُنبِّئُنا بأنّ الشهادةَ عندَكَ عادةٌ؛ يُخيِّرونَنا ـ أبناءَ ٱلطُّلَقَاء ـ بين السلّةِ والذِّلّة، فهَيْهاتَ منّا الذِّلّة.

فالقتل لنا عادةٌ، ومن الله نطلبُ الشهادةَ والارتقاءَ، فالشهادةُ عندَكَ ـ وقد عرَفتَها في آخرِ إطلالاتِكَ ـ نصرٌ، كما النصر، نصرٌ.

لم ولن أبكيكَ يومًا، ولو أنّ الدَّمَ يتسابقُ دمعًا، والقلبَ يعتصرُ ألمًا مُبرِّحًا لفقدانِكَ في ليلةِ الظُّلمة. زادَنا غيابُكَ قهرًا، وخيَّمَ السوادُ.

إلّا أنّ روحَكَ وابتسامتَكَ، بل هيبتَكَ وطَلَّتَكَ، صارت القمرَ بدرًا لا يُفارقُ ليالينا، والشمسُ بكَ صارت أروعَ وأسطعَ وأكثرَ دفئًا. فأنتَ نجمةُ صُبحِنا تدلُّنا على طريقِ القدس، على نهجِكَ وما قرّرتَ وفعلتَ وقدّمتَ وقدتَ. وتبقى بلسَمًا لجراحِ الجرحى، والعزاءَ لبناتِ الشهداءِ ونسائِهِم وأمهاتِهم والآباء.

لحظةُ ارتقائِكَ ليست كلحظاتِ وأوقاتِ الأزمنةِ الغاربة، بل هي النذيرُ والإرهاصُ وضوءُ الأمل، فكلُّ الواقعاتِ والوقائعِ إطلاقًا وتأسيسًا لزمنِكَ أنتَ، وتصيرُ بدايةَ تاريخِ المستقبلِ الواعد، وعصرِ الانتصاراتِ الذي طالما بشّرتَنا به ووعدتَ وصدقَ الوعدُ.

يا سيّدَ الأمّةِ وفرحَها وعزّتَها، هذه غزّةُ أسطورةُ الأساطير، ورجالُها كرجالِكَ رجالُ الله في الميادين. أعدَدْتَهُم، ووعدتَنا أن يُسطِّروا في كلِّ ساعةٍ عجائبيّاتٍ كعجيبةِ الطوفان. وقد أصغَتْ لكَ الجبالُ والوديانُ، وحفظت عهدَكَ وصادقت وعدَكَ، وتحوَّلت دباباتُ وجيوشُ نتنياهو والعالَمِ الأنجلوسكسونيِّ مجتمعًا حُطامًا في الجبهةِ الأماميّةِ، وكذلك بإبداعاتِ رجالِ غزّةَ واليمنِ الذي عشِقتَ وناصرتَ مظلوميّتَه وقاتلتَ في سبيلِ الله ومستضعفيهِ، يُوفونَ بالعهدِ ويُصادِقون على الوعدِ.

قلتها ثلاثًا في إطلالتِكَ الأولى بعد الطوفان: غزّةُ ستنتصر. فها هي، يا سيّدَ الرجالِ وأعزَّهم، يا مولانا وإمامَنا الأعظم، برغمِ تضحياتِها، صبَرت وصمَدت وقاتلت، وتقاتلُ ببسالةٍ، وتقتربُ من تحقيقِ نصرٍ ثمينٍ كما وعدتَ وبما أردتَ، نصرٍ يُغيِّرُ في الأزمنةِ ومساراتِ المستقبل، ويستعجِلُ يومَكَ لنُصلّي ونقرأ الفاتحةَ عن روحِكَ وأرواحِ رفاقِكَ وإخوتِكَ وشهداءِ الأمّةِ، ونتلو الفاتحةَ عن أرواحِكم في كنيسةِ المهدِ والقيامةِ، ونُقيمُ الصلواتِ في أقصانا المبارك.

يا سيّدي وإمامي، يُؤلمُنا أنّكَ لن تؤمَّنا في يومِ العزِّ الذي وعدتَنا واستُشهِدتَ بفرحٍ غامرٍ لتحقيقِهِ، وقرّرتَ أن تكونَ في عُليائِكَ بين الرُّسُلِ والأنبياءِ، ترقُبُنا وتُصحِّحُ خطواتِنا وتدلُّنا على الطريق، كنجمةِ الصبحِ التي دلّت المجوسَ إلى طفلِ المغارةِ في بيتِ لحم.

٤

يحسبونَكَ تركتَنا ورحلتَ، يفرحون لغيابِكَ جسدًا، يفترضون أنّهم بعقولِهم الصغيرةِ والتافهةِ قادرون على انتزاعِكَ من عقولِنا وقلوبِنا. بل غابَ عن بالِهم المريض أنّكَ أصبحتَ شريكًا لأرواحِنا.

خسِئوا، فلا صخرتُهم تنتزعُ ذرّةً منك فينا، ولا تعتيمُهم يحرِمُنا من نورِكَ المشعِّ دومًا، نورًا وبسمةً وفرحًا في قلوبِنا.

يا سيّدَ الأمّةِ الأغرَّ، ليس كمثلِكَ من رجالٍ عاهدوا الله وصدقوا، عاشوا الإيمانَ بكلِّ جوارحِهم وبتفاصيلِ ساعاتِهم.

فكنتَ القائدَ والرُّبّانَ، وقبَسَ النورِ، وصنعتَ العزّةَ والكرامةَ لأمّتِنا التي فرّطَ بها وباعَها الصغارُ في سوقِ العُهرِ والنخاسة.

مع رجالِكَ عرفنا طريقَ العزّةِ والإباءِ وعِشنا أيّامَها. فعلى مدى ٣١ عامًا كنتَ القائدَ المُلهِم، وقدتَ الأمّةَ إلى سبيلِها، وإلى وعدِ الله الحقّ. فتكرَّس معكَ ومع مقاومتِكَ عصرُ الانتصاراتِ، وولّى زمنُ الهزائم، واستعدتَ لأمّتِنا القِيمةَ والكرامةَ، ووضعتَها على الطريقِ المستقيم. فلا سيادةَ ولا مكانةَ ولا احترامَ ولا استعادةَ للحقوقِ بالتسوياتِ والصفقاتِ، ولا مكانَ للمرتعدين والمُشتبهين والمستسلِمين، إنّما بالوعي والمعرفةِ والصبرِ، وبالثقةِ المُطلقةِ بوعدِ الله وبقدراتِ الأمّةِ وكوامنِها.

عندما فَعَلتْ بقيادتِكَ، وكلّما جرى تفعيلُها، تصيرُ الانتصاراتُ العجائبيّةُ والإعجازيّةُ، فيتقرّرُ المصيرُ والطريقُ، وتُحفَرُ عميقًا، وتستعجِلُ دفنَ المفرِّطين والخونةِ والمتآمرين في قعرِ مزابلِ الأزمنةِ والتاريخِ، وفي أرذلِ المراتبِ وأحطِّها.

٥

يا سيّدَ الأمّةِ الأغرَّ، وإمامَها الأعظمَ، يا بقيّةَ الله ووارثَ الأنبياءِ والرُّسُلِ، وخلاصةَ الإيمانِ، ووحيَ جبريلَ بعد أن انقطعَ الوحيُ وخُتِمَ الأنبياءُ.

نَمْ قريرَ العينِ باسمًا فرِحًا، فقد وعدتَ وصدقتَ، قدتَ الانتصاراتِ، واشتققتَ مع رجالِكَ المعجزاتِ، وكرَّستَ دروبًا تُضيئُها روحُكَ وأرواحُ الشهداءِ. فالنصرُ يا سيّدي بات أقربَ، وطريقُ القدسِ أقصرُ وأوضحُ.

غدًا سنُصلّي لكَ وعن روحِكَ وأرواحِ الشهداءِ، فالزمنُ زمنُ الانتصاراتِ بدأ معكَ ويستمرُّ برعايتِكَ وبركتِكَ. وسيكونُ وعدُكَ وعدَ الله، وتعودُ القدسُ، وتنهضُ الأمّةُ، وتستعيدُ مكانتَها بين الأمَم تحت شمسِكَ.

وتبقى ذِكراك مؤبَّدةً، تتلمّذُ على نموذجِكَ وطَلَّاتِكَ وأقوالِكَ الأجيالُ، فتَصنعُ المستقبلَ الواعد، وتَعيشُكَ وذِكرَاك بسعادةٍ وفرحٍ وبالأمل. فقد وضعتَ وصنعتَ الزوايا الصلبةَ والمحكماتِ، وأطلقتَ عصرَ الانتصارات، بناءً لمستقبلٍ يشمخُ على قواعدَ ثابتاتٍ أسّستَها بكفاحِكَ وحضورِكَ، وطهّرتَها بدمائِكَ الزكيّةِ، وترعاها بروحِكَ الوثّابةِ.

٦

القادةُ وأبناءُ الحياةِ كمثلِكَ بعضُ أسرارِ الله التي جُسِّدت، لا يموتون، بل أحياءٌ باقون في الضمائرِ والقلوبِ والأرواحِ، وفي جنّاتِ الخُلدِ أبدًا.

هنيئًا لكَ الشهادةُ، ولنا الوعدُ والعهدُ والنصرُ، فالعزّةُ والكرامةُ تتجسّدُ بكَ، وستكونُ لأمّتِنا جمعاء.

للاشتراك بقناة الأجمل آت على الرابط

https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=M9Zfp9Nj_mqSAhhS