التاريخ بين الوهم والحقيقة.. رحلة البحث عن الهوية
ثقافة
التاريخ بين الوهم والحقيقة.. رحلة البحث عن الهوية
محمد سعد عبد اللطيف
8 آذار 2025 , 10:48 ص

بقلم: محمد سعد عبد اللطيف – مصر

في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتصاعد الأصوات التنويرية التي تدعو إلى إعادة قراءة التاريخ بعيدًا عن الأساطير، يجد الكثيرون أنفسهم في حالة تيه معرفي، وكأنهم يكتشفون عالمًا جديدًا لم يكن في حسبانهم من قبل. التصريح الذي أدلى به الممثل السوري عدنان أبو الشامات يعكس إشكالية عميقة في علاقتنا بتاريخنا؛ فنحن نميل إلى تصوّر ماضٍ ملائكي نقيّ، بينما نلقي باللوم على الحاضر في كل مظاهر الفشل والانحدار. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك.
التاريخ بين الرواية الرسمية وكتابة القاع

لطالما كُتب التاريخ من منظور المنتصرين، سواء كانوا حكّامًا أو قوى سياسية أو حتى مؤسسات دينية. هؤلاء صاغوا الرواية التاريخية الرسمية التي يتم تدريسها للأجيال، فأصبحت الحقيقة مشوّهة أو مبتورة، تُظهر ما يخدم السلطة وتخفي ما يُحرجها. ولكن مع تطور مناهج البحث التاريخي وظهور مدارس جديدة تدرس التاريخ من منظور القاع الاجتماعي، أصبح هناك وعي متزايد بأنّ الحقيقة ليست حكرًا على الكتب الرسمية، بل يمكن استنباطها من يوميات البسطاء، والأرشيفات المنسية، والشهادات الشخصية، والآثار الاجتماعية المتراكمة.إعادة كتابة التاريخ ليست مجرّد ترفٍ فكري، بل هي ضرورة لفهم الهوية الحقيقية للمجتمعات بعيدًا عن التلاعب الأيديولوجي. كيف يمكن لشعب أن يصنع مستقبله إن كان لا يعرف ماضيه إلا من خلال روايات مبتورة؟ كيف يمكننا بناء هوية أصيلة إذا كنا نعتمد على سرديات كتبها المنتصرون فقط؟
بين الأسطورة والحقيقة: لماذا نخشى المواجهة؟
يعود التمسّك بالأساطير التاريخية إلى حاجتنا النفسية للأمان والاستقرار. الاعتقاد بأن الماضي كان مجيدًا ونقيًا يُشعر الأفراد بالانتماء والفخر، حتى لو كان هذا التصور غير واقعي. لكنّ المشكلة تبدأ عندما يصبح هذا الوهم عقبة أمام التغيير؛ إذ لا يمكن إصلاح الواقع إذا كنا نصرّ على أنه كان أفضل في الماضي.إن مواجهة التاريخ الحقيقي تتطلب شجاعة فكرية، لأنها تعني الاعتراف بأخطاء الماضي بدلاً من تمجيده الأعمى. هذا لا يعني إنكار الإنجازات، ولكن وضعها في سياقها الواقعي، بعيدًا عن التقديس أو التهويل. فالمجتمعات التي تنجح في صنع مستقبلها هي تلك التي تمتلك الجرأة على مراجعة ذاتها، وتقبل تعددية الروايات، وتبحث عن الحقيقة وسط ركام الأساطير.
نحو مستقبل بلا أوهام
إعادة قراءة التاريخ ليست مجرد عمل أكاديمي، بل هي جزء من معركة أكبر لتحديد هوية المجتمعات واتجاهها. نحن في حاجة ماسّة إلى مناهج تعليمية جديدة تُعلّم الأجيال كيفية التفكير النقدي في التاريخ، وليس مجرد استظهاره كما لو كان نصًا مقدسًا.إذا أردنا بناء مستقبل يشبه البشر، كما قال أبو الشامات، علينا أولًا أن نتصالح مع تاريخنا كبشر أيضًا، بكل أخطائه وانتصاراته، بكل قسوته ورحمته. عندها فقط، يمكننا أن نصنع هوية غير قابلة للتلاعب، ومستقبلًا لا يستند إلى الأساطير، بل إلى الحقيقة...!!

محمد سعد عبد اللطيف ،كاتب وباحث مصري ،في الجغرافيا السياسية

،[email protected]


المصدر: موقع إضاءات الإخباري
الأكثر قراءة أنشودة يا إمامَ الرسلِ يا سندي, إنشاد صباح فخري
أنشودة يا إمامَ الرسلِ يا سندي, إنشاد صباح فخري
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً