كشفت دراسة حديثة أن الدماغ قد يساعد في تنظيم حساسية الأذن للأصوات من خلال إرسال إشارات إلى القوقعة، وهو ما قد يؤدي إلى تطوير علاجات جديدة لحالات مثل طنين الأذن وفرط السمع، باستخدام تقنيات التصوير المتقدمة تمكن الباحثون من مراقبة نشاط القوقعة في الفئران المستيقظة في الوقت الفعلي، مما كشف عن كيفية تعويض الدماغ عن فقدان السمع .
أجرى باحثون من كلية كيك للطب بجامعة جنوب كاليفورنيا، بالتعاون مع كلية بايلور للطب في هيوستن، تكساس، دراسة باستخدام أداة تصوير متطورة لفحص الأذن الداخلية للفئران، مما أدى إلى اكتشاف قد يساهم في علاج اضطرابات السمع.
دور الدماغ في تنظيم حساسية الأذن
نُشرت الدراسة في مجلة "علم الأعصاب"، وتشير إلى أن الدماغ قد يلعب دورا في تنظيم حساسية الأذن للأصوات من خلال إرسال إشارات إلى القوقعة، وهي بنية في الأذن الداخلية، هذا الاكتشاف قد يمهد الطريق لعلاجات جديدة لحالات صعبة مثل فرط السمع، حيث تصبح الأصوات اليومية مرتفعة بشكل غير مريح، وطنين الأذن، وهي حالة تتميز بسماع رنين أو طنين أو أصوات وهمية دون وجود مصدر خارجي.
أصبحت هذه الدراسة ممكنة بفضل أداة تصوير مبتكرة مكّنت الباحثين من التقاط صور للقوقعة في الحيوانات المستيقظة لأول مرة.
تستخدم القوقعة خلايا شعرية حسية لاكتشاف الموجات الصوتية في الهواء، ثم تحولها إلى إشارات كهربائية يمكن للدماغ معالجتها، تحمل معظم أعصاب القوقعة المعلومات من القوقعة إلى الدماغ، ولكن حوالي 5% منها ترسل إشارات في الاتجاه المعاكس: من الدماغ إلى القوقعة، كان الدور الدقيق لهذه الألياف غامضا، لأن الباحثين واجهوا صعوبة في قياس نشاط القوقعة في البشر أو الحيوانات أثناء اليقظة.
طريقة جديدة لمراقبة نشاط الأذن الداخلية
لتغيير ذلك، طور الباحثون من كلية كيك للطب بجامعة جنوب كاليفورنيا، بالتعاون مع كلية بايلور للطب، طريقة جديدة لمراقبة نشاط الأذن الداخلية باستخدام تقنية تصوير تسمى "التصوير المقطعي البصري المتماسك" (OCT)، وهي تقنية تُستخدم على نطاق واسع في عيادات طب العيون لفحص شبكية العين في حالات مثل الجلوكوما والتنكس البقعي، تستخدم تقنية OCT موجات الضوء لمسح الأنسجة وإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد، بشكل مشابه لكيفية إنشاء الموجات فوق الصوتية للصور، باستخدام هذه الطريقة، تمكن الباحثون من التقاط صور للقوقعة أثناء عملها في الوقت الفعلي.
قال الدكتور جون أوغالاي، أستاذ ورئيس قسم طب الأنف والأذن والحنجرة في كلية كيك للطب: "تسمح لنا تقنية OCT بالنظر عبر قناة الأذن، عبر طبلة الأذن والعظام إلى القوقعة، وقياس كيفية عملها بشكل غير جراحي وبدون ألم. ما يثير الحماس هو أنها تتيح لنا دراسة كيفية تحكم الدماغ في القوقعة في الوقت الفعلي."
باستخدام هذه الأداة، اكتشف فريق أوغالاي، بما في ذلك الباحثة المشاركة باتريشيا كوينونيس والأستاذ بريان إي أبليغيت والأستاذ المساعد ماثيو جي ماكغينلي، أن نشاط القوقعة في الفئران السليمة لا يتغير على المدى القصير. ولكن في الفئران التي تعاني من فقدان السمع الوراثي، زادت وظيفة القوقعة، مما يشير إلى أن الدماغ كان يعزز حساسية القوقعة كاستجابة لفقدان السمع على المدى الطويل.
قياس وظيفة القوقعة
تشير نظرية رائدة حول الأعصاب التي ترسل إشارات من الدماغ إلى القوقعة (المعروفة باسم الألياف "الصادرة") إلى أنها تتحكم في استجابة القوقعة للأصوات على المدى القصير، بشكل مشابه لكيفية عمل بؤبؤ العين، فمثلاً يتسبب الضوء الساطع في تضييق البؤبؤ، بينما يتسبب التوتر في توسيعه، هل يمكن أن تعمل القوقعة بنفس الطريقة؟
لاستكشاف ما إذا كانت القوقعة تستجيب للمنبهات قصيرة المدى، قاس الباحثون نشاط القوقعة في الفئران باستخدام تقنية OCT،في الوقت نفسه تتبعوا تغيرات حالة الدماغ لدى الفئران من خلال قياس التغيرات في حجم البؤبؤ. مع تغير حالات الدماغ، ظل نشاط القوقعة كما هو، مما يشير إلى أن الأذن الداخلية لا تعدل السمع على المدى القصير.
بعد ذلك، قام الباحثون بتعديل الفئران وراثيا لتعطيل الأعصاب التي تحمل المعلومات من الأذن الداخلية إلى الدماغ (الألياف "الواردة")، مما تسبب في فقدان السمع، باستخدام تقنية OCT، وجدوا أن القوقعة كانت تعمل بشكل مكثف للتعويض.
قال أوغالاي، الذي يشغل أيضا منصب أستاذ في الهندسة الطبية الحيوية في كلية فيتربي للهندسة بجامعة جنوب كاليفورنيا: "مع تقدم البشر في العمر وموت الخلايا الشعرية، نبدأ في فقدان السمع، تشير هذه النتائج إلى أن الدماغ يمكنه إرسال إشارات إلى الخلايا الشعرية المتبقية، مما يخبرها برفع مستوى الصوت بشكل أساسي."
الخطوة التالية هي إجراء تجربة سريرية لاختبار الأدوية التي تمنع الألياف الصادرة، والتي قد تخفض مستوى الصوت لدى المرضى الذين يعانون من فرط السمع وقد تساعد أيضًا في علاج طنين الأذن.
تحسين التشخيص
تحمل تقنية OCT أيضا وعدا بتحسين تشخيص وعلاج اضطرابات السمع. الآن بعد أن قام فريق أوغالاي بتعديل تقنية OCT لتصوير القوقعة في الفئران المستيقظة، يقومون باختبار نسخة من الأداة للمرضى في دراسة جديدة ممولة من المعاهد الوطنية للصحة.
يمكن أن تسمح هذه التقنية في النهاية لمقدمي الرعاية الصحية بتشخيص مشاكل السمع بناءً على الفسيولوجيا، وليس فقط الأداء في اختبار السمع، وتخصيص العلاجات وفقًا للاحتياجات الفردية.
قال أوغالاي: "هذه هي الخطوة الأولى نحو أداة تسمح لنا بالنظر إلى أذن المريض، ومعرفة المشكلة وعلاجها."



