قانون الطبيعة: إنه صراع البقاء
مقالات
قانون الطبيعة: إنه صراع البقاء
حليم خاتون
24 آذار 2025 , 21:05 م


كتب الأستاذ حليم خاتون:

العالم بكامله يغلي...

أمس تجاوزت ميزانية الدولة الألمانية للسنة تريليون يورو...

انها المرة الأولى في تاريخ هذا البلد...

كما إنها المرة الأولى التي تخصص ألمانيا مبالغ ضخمة لبناء قدرات عسكرية هائلة...

بدأ الأوروبيون يفهمون أن اتفاقا يجري تحت الطاولة بين أميركا وروسيا سوف تدفع ثمنه أوروبا...

 

للمرة الأولى تشمل حملة ترامب لطرد المهاجرين من أميركا على  أوروبيين...

قامت الإدارة الأميركية بطرد حتى من عنده إقامة شرعية مما دفع وزارة الخارجية الألمانية على توجيه تحذير من السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومن نشر تصريحات قد لا تعجب الإدارة الأميركية الجديدة...

بدأت المحادثات غير المباشرة في السعودية بين روسيا وأكرانيا للوصول إلى وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثين يوما وسط اصرار موسكو على وجوب التوصل إلى اتفاق لا يؤدي إلى عودة القتال...

بعد رجحان كفة الروس في المعارك الأخيرة، يريد بوتين قبول أوكرانيا بضم الأقاليم الشرقية الأربعة ذات الغالبية الروسية مع شبه جزيرة القرم بشكل نهائي إلى روسيا...

زيلينسكي في وضع حرج... القوات الأوكرانية تتراجع والأرجح أن لا تخرج من منطقة كورسك الروسية فحسب، بل هناك ضغط عسكري روسي تجاه مدينة خاركوف التي تعتبر الثانية بعد كييف العاصمة...

هناك يالطا جديدة تُرسم بين الروس والأميركيين...

في الظاهر يبدو أن ترامب يريد العودة إلى خطة نيكسون/ كيسينجر التي استطاعت فيها أميركا جذب الصين بعيدا عن الاتحاد السوفياتي؛ لكن المطلوب هذه المرة هو إبعاد روسيا عن الصين وإيران...

أوروبا تعرف ان الخطر الحقيقي عليها لا يأتي لا من الصين، ولا من إيران...

خوف الأوروبيين ينظر بعين القلق إلى روسيا التي استطاعت مقارعة كامل حلف الناتو وحدها في أوكرانيا، والتي سرعان ما استعادت زمام المبادرة وصار لها اليد الطولى في هذا البلد..

أميركا تخشى الصين بشكل أساسي...

صحيح ان الفرق في القوة العسكرية بينها وبين الصين هائل جدا...

لكن قدرات الصين الاقتصادية وتطورها التقني يجعل منها خطرا داهما...

ترامب لا يريد الوصول إلى الحرب مع الصين...

الأميركيون قد يتخلون عن تايوان بعد انتقال كل الصناعات الحساسة من الجزيرة إلى أميركا...

تقوم نظرية ترامب على السيطرة على البحار والمضائق من اجل التحكم بطرق التجارة العالمية والسيطرة بالتالي على ما يخرج من الصين وما يدخل إليها...

باختصار هم ترامب هو احتواء الصين وليس محاربتها...

ترامب يعرف ان له في أوروبا أكثر من نصف البلدان مثل بريطانيا وهولندا ودول أوروبا الشرقية ما يعطيه قوة نقض/ فيتو في داخل أوروبا...

أما إيران، فالعداء لها نابع من عدائها هي لإسرائيل...

في منطقتنا الأمور أكثر تعقيدا بكثير من أوروبا...

من هنا يسعى ترامب، كما تسعى أميركا إلى تقليم أظافر طهران...

أميركا تقوم بحرب شاملة ضد الحوثيين في اليمن وتفشل كل يوم في كسر إرادة اليمنيين...

كل يوم تفهم أميركا انها أضعف من محاربة إيران لذلك تلجأ إلى نفس الخداع الذي استخدمته مع صدام حسين في العراق، ونفس الخداع الذي استخدمته مع حزب الله في لبنان...

هي تحاول إقناع إيران بالتخلي عن العامود الفقري في قوتها العسكرية كما فعلت قبلا مع صدام حسين قبل أن تقوم بالتهامه بعد نزع الصواريخ منه...

أما نجاحها مع حزب الله الذي كان ينتشر عل  مساحة لا تزيد على ٣٥٠٠ كلم٢ فلا يمكن مقارنته مع إيران التي تزيد مساحتها على مليون وستمائة الف كلم٢ وتصل أعماق القواعد العسكرية في الجبال إلى ما يفوق ٧٠٠متر وفق مكاتب الدراسات الاستراتيجية...

لكن كبر المساحة وحده ليس ضمانة...

لدى الأميركيين طابور خامس داخل إيران لا يعتمد على الأقليات العرقية والمذهبية فحسب، بل يشمل هذا أيضا فلول الشاه وجماعات الإرهاب المختلفة من مجاهدي خلق وصولا إلى التكفيريين، كما يشمل قسما لا بأس به من الاصلاحيين الذين يرون أن الوقت حان لتتخلى إيران عن القضية الفلسطينية إذ لماذا تكون إيران عربية أكثر من العرب أنفسهم.الذين لم يتخلوا عن فلسطين فحسب بل يشاركون في التآمر على هذا البلد وعلى شعبه...

صحيح ان مشروع ترامب في الشرق الأوسط هو نفس المشروع الصهيوني...

للوهلة الأولى يبدو أن إسرائيل واميركا تمكنا من محاصرة حزب الله من الجنوب والشرق والشمال عبر التكفيريين في سوريا...

لكن إلى أي مدى يمكن لأميركا التعويل على الجولاني وعصاباته...

الأميركيون لا يأمنون جانب أردوغان؛ هم الاميركيون من قام بمحاولة الانقلاب التي انقذه منها بوتين وايران قبل حوالي عشر سنوات...

لذلك يحاول أردوغان أن يتعشى بالأميركيين قبل ان يتغدوا هم به فقام بتحريك القضاء والمؤسسات التعليمية لاستباق أي تحرك يمكن أن ينشأ ضده...

ما حدث في سوريا قد يؤدي إلى إنهاء خرائط سايكس بيكو كما يعتقد البعض؛ لكن هذا لن يكون بالسهولة التي يعتقدها هذا البعض...

صحيح ان الشيعة في لبنان لا يزيدون عن ١،٥ إلى مليونين؛ لكن نسبة التسليح عندهم تزيد عن مئة الف مقاتل في حزب الله وحوالي ٢٥ الف مقاتل في حركة أمل إضافة إلى آلاف المقاتلين من العشائر...

وقد أدّى استشهاد السيد نصرالله في ما بدأ واضحا انها حرب أميركية ضد الشيعة إلى زيادة التعبئة عند هذه الطائفة؛ ثم تبع ذلك تهديد جماعات السلفية والاخوانية من التكفيريين في سوريا ما دفع كل من لا يحمل سلاحا إلى شراء أي نوع من الأسلحة حتى زاد عدد المسلحين المعادين لإسرائيل وجماعات التكفير في سوريا إلى عدة مئات من الآلاف...

من يتابع الاخبار والصحف والميدان بشكل عام يخرج كل يوم بانطباع يختلف مع الساعة...

كل يوم انطباع...

فيما يتحدث البعض عن زوال لبنان بفعل تقسيم سوريا...

لا تقسيم سوريا بهذه السهولة ولا بقاء جماعات التكفير على حالها هناك مضمون...

لقد جعلت التطورات السورية الكثير من المسيحيين والدروز وحتى سُنّة الوسطية في لبنان يتمسكون بالسلاح حتى تدنت مؤخرا نسبة من يطالب بنزع سلاح حزب الله إلى حوالي ١٢% فقط وفق إحدى مكاتب الاستطلاع...

العالم يغلي...

الشرق الأوسط يغلي أيضا...

إسرائيل وأمريكا يتصرفان وكأن لبنان صار في جيب الأميركيين...

هكذا كان الحال بعد غزو إسرائيل للبنان  سنة ٨٢...

لكن لم يمض سنة حتى انقلب الوضع بالكامل حين قام استشهاديان باقتحام مقر المارينز الاميركي وقاعدة المظليين الفرنسيين...

هرب الأسطول الأميركي حاملا معه حوالي ٢٧٦ صندوق خشبي يحمل قتلى أميركا وكذلك فعل الفرسيون بعد أن فقدوا أكثر من سبعين قتيلا...

الوهم الذي يقول أن حزب الله استسلم لما حصل من خداع وإنه يلملم جراحه فيه الكثير من المبالغة...

تم إسقاط ١٧ أيار في الثمانينيات ببضعة أسلحة فردية وطردت إسرائيل عندما كان كل سلاح الحزب لا يتعدى السلاح الخفيف مع بضعة صواريخ بدائية...

الصلف الاسرائيلي الأميركي من جهة، ومجازر العلويين والشيعة والمسيحيين في سوريا من جهة اخرى شدت العصب داخل كل أطراف المقاومة بما في ذلك خارج الطائفة الشيعية...

إبن القاع او دير الأحمر المسيحي بات على استعداد كامل للقتال إلى جانب الشيعي لمنع جزاري الجولاني من عبور الحدود...

بل ما لفت الإنتباه كثيرا هو دعوة وليد جنبلاط لحزب الله وحركة أمل إلى مهرجان ذكرى المعلم كمال جنبلاط ومشاركة الفريقين على مستوى فوق العادي ما يظهر مدى قوة ردة الفعل على مجازر الساحل في سوريا...

كل يوم يخرج تحليل يختلف عن تحليل ثان يختلف بدوره عن تحليل ثالث وهلم جرا...

لكن حقيقة واحدة باتت أكيدة...

النتائج البسيطة التي ظهرت في أوكرانيا لن تجد لها مكانا في الشرق الأوسط...

انتشار إسرائيل في لبنان وسوريا سوف يتحول في لحظة انفجار إلى ما لا يمكن أن تتصوره إسرائيل واميركا والنظام الرسمي العربي...

الاحتقان بسبب الازمة الاقتصادية ومنع وصول الدعم المالي من إيران ومنع العرب من المساهمة في هذا الدعم وفي إعادة الاعمار لن ينتهي كما تشتهي اميركا...

النتيجة معاكسة تماما...

النقمة تزيد كثيرا لكن على الاميركيين بشكل خاص...

يوسف رجي لن يكون أكثر صلابة من امين الجميل...

ونواف سلام لن يستطيع أن يكون أكثر من شفيق وزان ثان...

نحن لن نكون أمام ٦ شباط كما في الثمانينيات...

الانفجار لن يقتصر على لبنان، بل سوف يطال كل المنطقة إلى درجة أن الاميركيين لن يستطيعوا ترقيع مشروعهم لكثرة اماكن الانفجار...

والسفارة الأميركية في بيروت لن تكون أكثر من حصن محاط ببضعة مئات أو آلاف من العملاء لكن داخل منطقة تغلي فيها قلوب ملايين من الناقمين الحاقدين على أميركا والنظام العربي إلى درجة أن نواف سلام لن يستطيع الحكم في دائرة أكبر من الدائرة التي حكم فيها فؤاد السنيورة يوما...

وحده الله يعلم أين سوف تنفجر...

لكن الانفجار آت حتما...

اذا كان بايدن قد زرع حقدا على أميركا في المنطقة، فإن ترامب يزرع كل يوم أحقادا مضاعفة لا بد ان تنفجر وتتطيح بكل ما يتم رسمه في الغرف المغلقة...

هذا الشرق لن يكتب تاريخه ويرسم

دوله وحدوده إلا أهل الأرض الأصليين مهما بلغ الصلف الأميركي والوحشية الصهيونية

المصدر: موقع إضاءات الإخباري