كتب د. علي حجازي:
ثقافة
كتب د. علي حجازي: "استئسادُ الثّعالبِ وتنمُّرُها".
د. علي حجازي
4 نيسان 2025 , 20:54 م

قصة قصيرة:

إنّه الَّتنَمُّرُ و الِاستِئسادُ الّذي يَشِينُهُ أنّ فاعِلَهُ ثعلبٌٍ مَطلِيٌّ بالَّتذَلُّلِ والرضوخِ والتبعيّةِ الَعمياء، وأنَّهُ يهدِفُ التَّميِيزَ وضربَ العيشِ المشتركِ.

"قصّةٌ قصيرة، موجّهةٌ إلى معالي وزيرِ الإعلام، ولمن يعنيهم الأمرُ في تلفزيون لبنان".

عيونُ أفرادِ الأسرةِ معلّقةٌ على شاشةِ "تلفزيونِ لبنان"،لأوّل مرّةٍ تقريبًا.

أقول تقريبًا، لأنّني، شخصيًّا، عندما أمرُّ بما يعرِضُهُ التّلفزيون الذي كانَ وطنياً، من برامجَ مُسجّلةٍ من ستينياتِ وسبعينيات القرنِ الماضي، أحسَبُهُ من الديناصوراتِ المُنْقَرِضَة، فَأُشِيحُ بِبَصري عن شاشتِه.

نعم، إنّ ما حفَّزَنا على متابعتهِ هذه المرّةَ، هو ظهورُ تلك الإعلاميّةِ الَّتي كانت تنقلُ أخبارَ الحربِ الواقعةِ على مناطقَ معيّنةٍ في هذهِ البلاد.

لحظاتٌ، غابتْ فيها صورةُ الإعلاميّةِ، وبقِيَ صوْتُها يَنْقُلُ أخبارَ الدَّمارِ والقتلِ والحرائقِ التي تلتهمُ الشجرَ والحجرَ، وأجسادَ الأبطالِ المُلْتَحِمينَ بِالأرضِ، يَفْدُونَها بِأرواحِهم وأجسادهم.

لحظةٌ أُخرى وغابَ صَوْتُها.

-- لماذا قُطِعَ الْبَثُّ يا أبي؟(سألتْ حفيدتِي)

-- إنَّني أرجو الله أن لا يكونَ قد أصابَها ومُرافِقهاَ المُصوِّرَ أيُّ مكروهٍ، في هذه الحربِ الملعونةِ التي غدا فيها الإعلاميّون هدفًا للقتل، بِقَصْدِ الإعماءِ، ومَنْعِ نَقْلِ ما يَرْتَكِبُهُ العدوُّ من مجازر.

بل لعلّ عطلًا طارئًا تَسَبَّبَ بِانْقِطاعِ البثّ ...على كلٍّ، لِنَنْتَظِرْ.

لم يَمْضِ وَقْتٌ طويلٌ، حتّى ضجَّتْ صَفْحاتُ وسائلِ التَّواصُلِ الاجتماعِيّ ، وراحَتِ الأسئلةُ تَنْهالُ على "مسؤولي تلفزيون لبنان":

-- لماذا طَرَدْتُمُ الإعلاميّةَ المميّزةَ زينب ياسين ؟

الإجابةُ على هذا السؤال سوَّغَها ذلك المسؤول:

لأنّها ترتدي حِجابًا، والحِجَابُ علامةٌ فارقةٌ ممنوعة.

-- غريب يا أبي!

-- ما هو الغريبُ الذي تقصده؟

-- أُنظُرْ إلى هذه الموظفةِ التي تظهرُ على شاشةِ التلفزيونِ الآن، أفلا يُعَدُّ هذا الذي يتدلّى، من رقبتِها حتى صدرِها، علامةً فارقةً أيضًا؟

-- مع احترامِنا للدياناتِ جميعِها، المسألةُ المُهِمَّةُ هي أنّ هؤلاءِ الجهابذةَ يَنْصاعُونَ لِأَوَامِرِ أسيادِهم،الغربيّين، بِذُلٍّ وخنوع، وهُمْ مَنْ قرعوا أسماعنا بشعاراتِ المساواةِ بينَ المرأةِ والرَّجُل، واحترامِ حقوقِ المرأةِ، وحقوقِ الإنسان، ومِنهُمُ الوزير.

-- أقْفِلوا شاشةَ هذا التلفازِ الذي يستثيرُ المسؤولَ عنهُ حجابٌ سبقَ ورأينا السيّدة مريمَ العذراءَ، عليها السلام، ترتديهِ بكلِّ وَقار ...

لا لن تستقيمَ الأمورُ، في هذه البلادِ التي تَفقُدُ فيها إعلاميِّة تُعرِّضُ روحَها لمخاطرِ الحربِ وظيفتها، بسبب التزامها الديني ، وارتداءِ الحجاب!

قلت ذلك وتابعت:

--ما لهم وللحجاب؟

أليسَ الإنسانُ حرّاً، وحرّيته يَضْمَنُها القانون؟

قلت هذا، ومضيتُ أَلْعَنُ هذا البلدَ الذي اسْتَأْسَدَ فيهِ الثَّعالِبُ وتَنَمَّرتْ.

وأخذتُ أردِّدُ بيتاً مِنَ الشِّعْرِ الشَّعْبِيِّ يُعَبِّرُ عن هذا الوضعِ

الرّديء .

"يِلْعَنْ هَالزَّمَنْ ما أَشْنُعُو...غابْ نَجْمْ سْهَيْلْ وْأَشْرَقْ بُو ذَنَبْ".

--- هل تحفظُ أبياتاً أُخرى يا جدّي؟ قال حفيدي علي.

- --نَعمْ، في مَرَّةٍ ثانية، أعِدُكُمْ بِتَوْجِيهِهِ لكمةً قاسيةً لِأبناءِ الأبالسةِ الْكُثُرِ المُتَنَمِّرينَ في هذا البلد.

تصبحون على بلد...

بيروت في 4/4/2025

المصدر: موقع إضاءات الإخباري