بدأ الجدل الجديد بعد أن نشر باحثون من "كلية شميدت للطب" بجامعة فلوريدا أتلانتيك، إلى جانب خبراء قادوا تجارب كبرى للأسبرين، مقالاً علمياً جديداً يعيد النظر في الإرشادات الطبية التي قيدت استخدام الأسبرين للوقاية من النوبات القلبية والسكتات الدماغية لدى الأشخاص الأصحاء. يشير الباحثون إلى أن هذه الإرشادات قد تكون استندت إلى تفسير غير دقيق لتجربة سريرية محورية.
الإرشادات المتغيرة ومصدر الحيرة الطبية
خلال السنوات الأخيرة، تراجعت التوصيات الطبية بشأن استخدام الأسبرين في الوقاية الأولية، فقد نصحت الجمعية الأمريكية للقلب (AHA) والكلية الأمريكية لأمراض القلب (ACC) بقصر استخدام الأسبرين على من هم دون سن السبعين، بينما خفضت "فرقة الخدمات الوقائية الأمريكية" (USPSTF) هذا الحد العمري إلى 60 سنة. لكن مع تزايد خطر أمراض القلب مع التقدم في العمر، أصبح العديد من مقدمي الرعاية الصحية يتساءلون: متى يجب إيقاف الأسبرين؟ ومن يجب أن يستمر بتناوله؟ وهل العمر وحده كافٍ لاتخاذ القرار؟
دراسة ASPREE ... هل تم تفسيرها بشكل خاطئ؟
يرى الباحثون أن الكثير من الإرشادات المعتمدة اعتمدت بشكل مفرط على نتائج دراسة واحدة تُعرف بـ ASPREE، وهي تجربة أجريت على كبار السن بهدف تقييم فعالية الأسبرين في الوقاية الأولية. المشكلة، حسب الباحثين، أن هذه التجربة لم تكن حاسمة أو "عديمة الفائدة" من الناحية العلمية، وليس أنها أثبتت عدم فائدة الأسبرين كما تم تفسيرها. ويرى الخبراء أن تجاهل المبادئ الإحصائية الصارمة في تصميم وتحليل وتفسير نتائج التجارب العشوائية قد يؤدي إلى توصيات غير دقيقة ومضللة.
التقييم الفردي للمخاطر هو الأساس
يشدد الأطباء على أن استخدام الأسبرين يجب أن يتم بناءً على تحليل دقيق لموازنة الفوائد مقابل المخاطر لكل مريض على حدة، وليس بناءً على عامل العمر فقط، يقول الدكتور تشارلز هينكينز، المشارك في الدراسة:
"الأدلة الموثوقة تُظهر أن اتخاذ قرارات طبية فردية بخصوص استخدام الأسبرين يمكن أن يحقق أكبر منفعة للمرضى في الوقاية الأولية، كما أنه من غير المنطقي إيقاف الأسبرين لمجرد بلوغ المريض عمرا معينا."
وينبغي للمرضى مناقشة حالتهم مع الطبيب الذي يعرف سجلهم الصحي الكامل وقادر على تقييم المخاطر الشخصية، خصوصا خطر النزيف مقابل فائدة منع تجلط الدم.
دور الأسبرين في حالات الطوارئ القلبية
أكد الباحثون على أن كل مريض يتعرض لأزمة قلبية حادة يجب أن يتناول 325 ملغ من الأسبرين فورًا، ثم الاستمرار عليه يوميا لتقليل خطر الوفاة أو حدوث نوبة قلبية أو سكتة دماغية لاحقة، كما يجب وصف الأسبرين على المدى الطويل للناجين من أزمات قلبية أو سكتات دماغية سابقة، ما لم يكن هناك مانع طبي واضح.
الأسبرين خيار فعّال ومنخفض التكلفة
يشير الباحثون إلى أن التحديات العالمية المتعلقة بأمراض القلب تتطلب حلولًا شاملة تشمل تغييرات في نمط الحياة (مثل الإقلاع عن التدخين، فقدان الوزن، وزيادة النشاط البدني) واستخدام أدوية فعالة ومنخفضة التكلفة، في هذا السياق، يبرز الأسبرين كخيار علاجي مغرٍ من حيث الفعالية والتكلفة.
أهمية تفضيلات المرضى وتحملهم للمخاطر
عند تساوي الفوائد والمخاطر، يصبح رأي المريض وتفضيلاته أكثر أهمية، يقول الباحثون إن بعض المرضى قد يفضلون تقليل خطر أول نوبة قلبية أو سكتة دماغية حتى لو كان ذلك يقابله احتمال حدوث نزيف بسيط في الجهاز الهضمي.
كما أن خطر النزيف الدماغي المرتبط بالأسبرين، سواء باستخدامه أو بدونه، يعتبر منخفضًا للغاية لدى معظم المرضى، وبالتالي لا يشكل سببا كافيا للتخلي عن العلاج.
متلازمة التمثيل الغذائي: الفئة المنسية في الإرشادات
تشير الدراسة إلى أن متلازمة التمثيل الغذائي — وهي مزيج من السمنة، ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع الكوليسترول، ومقاومة الأنسولين — تصيب حوالي 40% من الأمريكيين فوق سن الأربعين، وترتفع عالميا، ويُعتقد أن خطر هذه الفئة للإصابة بأمراض القلب يعادل خطر من سبق له الإصابة بنوبة قلبية، مما يعني أنهم ربما يستفيدون من تناول الأسبرين رغم عدم إصابتهم السابقة.
قرار الطبيب يتفوق على الإرشادات العامة
اختتم الباحثون بتأكيدهم أن الإرشادات العامة بشأن الأسبرين في الوقاية الأولية ليست مبررة بشكل كافٍ، ويجب أن تظل الكلمة الأخيرة للطبيب المختص الذي يعرف تفاصيل الحالة الصحية لمريضه بشكل شامل.
أرقام مفزعة: عبء أمراض القلب في أمريكا
وفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن أكثر من 859,000 أمريكي يموتون سنويا بسبب النوبات القلبية أو السكتات الدماغية، أي ما يزيد عن ثلث إجمالي الوفيات في الولايات المتحدة، ويكلف هذا العبء النظام الصحي الأميركي أكثر من 213.8 مليار دولار سنويا، إضافة إلى 137.4 مليار دولار في خسائر الإنتاج بسبب الوفيات المبكرة فقط.



