تظل العديد من الأدوية التي يستخدمها البشر موجودة في البيئة لفترات طويلة، وذلك بسبب مقاومتها للتحلل الطبيعي، هذا التلوث الدوائي أصبح مشكلة بيئية مستمرة، حيث أن تقنيات المعالجة التقليدية غير قادرة على إزالة هذه المواد، مما يسبب تأثيرات سلبية على الكائنات البحرية.

- دراسة تأثير الأدوية على سلوك السمك

في دراسة كبيرة نُشرت في مجلة "ساينس"، قام فريق دولي من العلماء من جامعة "غريفيث" الأسترالية بدراسة تأثير الأدوية على سلوك سمك السلمون الأطلسي (Salmo salar)، وهو نوع من الأسماك المشهورة بهجرته عبر الأنهار. هذه الدراسة تطرقت بشكل خاص إلى تأثير المنومات على سلوك السمك، حيث وجد العلماء أن هذه الأدوية تؤثر بشكل كبير على الهجرة.

- التحديات المرتبطة بالهجرة

أظهرت نتائج الدراسة أن المنومات تؤثر على وقت عبور السلمون للأعاق الاصطناعية مثل السدود الكهرومائية. هذه العوائق تؤثر عادة على الهجرة، التي تُعد عملية حيوية لبقاء الأسماك، وقد تم استخدام تقنيات مبتكرة لتتبع سلوك الأسماك خلال هذه الدراسة، حيث تم غرس أجهزة دوائية مبتكرة داخل الأسماك، وأظهرت التجارب أن المنومات تؤثر على سلوك الحيوانات التي تعيش ضمن مجموعات، مما يؤدي إلى تغييرات في الديناميكيات الاجتماعية للسلمون.

- التأثير على الديناميكيات الاجتماعية والتكاثر

تتجاوز تأثيرات الأدوية تأثير سرعة الهجرة؛ فهي تشمل تعطيل التفاعل الاجتماعي بين الأسماك، وتأثيرها على سلوكياتها الغذائية والتكاثرية، وقد تؤدي هذه التغييرات إلى عدم تزامن الدورات الحياتية للأسماك، مما يزيد من ضعف التجمعات السمكية في مراحل مهمة من الهجرة.

- ملوثات دوائية: تحدي بيئي عالمي

في حديثه، أشار الدكتور ماركوس ميكيلانجيلي، الباحث الرئيسي في الدراسة، إلى أن الملوثات الدوائية أصبحت مشكلة بيئية عالمية متزايدة، حيث تم اكتشاف أكثر من 900 مادة دوائية في المجاري المائية حول العالم، وأضاف أن هذه المواد تشمل مضادات الاكتئاب والمسكنات، التي تؤثر بشكل مباشر على وظائف الدماغ وسلوك الحيوانات البرية.

- التأثير على بيئات طبيعية معقدة

أشار الدكتور ميكيلانجيلي إلى أن معظم الدراسات السابقة قد أُجريت في بيئات مختبرية لا تعكس تعقيد البيئة الطبيعية، وأضاف أن تعرض النظم البيئية المتنوعة لمجموعة من الملوثات قد تكون له عواقب بيئية كارثية.

- الصيد الجائر وتلوث المياه: مزيج مدمر

على الرغم من أن تراجع أعداد سمك السلمون الأطلسي يرتبط بشكل أساسي بالصيد الجائر، فإن هذه الدراسة تبرز تأثير تلوث المياه بالأدوية على مراحل هجرة الأسماك. وأوضح الباحثون أن الأدوية التي لا تتحلل بسهولة تبقى في البيئة لفترات طويلة، مما يزيد من صعوبة المعالجة بواسطة التقنيات التقليدية.

تُظهر هذه الدراسة مدى خطورة التلوث الدوائي على البيئة البحرية، وتستدعي الحاجة الماسة إلى تطوير تقنيات أكثر فعالية لمعالجة مياه الصرف الصحي وتخفيف آثار الأدوية على الأنظمة البيئية المائية.