أكد علماء الفلك تساقط كرات جليدية مشبعة بمزيج من الأمونيا والماء – تُعرف باسم "كرات الموش" – داخل عواصف كهربائية عنيفة في الغلاف الجوي لكوكب المشتري، هذه الكرات الغريبة تتشكل في طبقات الجو العليا، حيث تتوهج بفعل ومضات البرق القوي، وتغوص عميقًدا داخل الكوكب حاملة معها مركبات كيميائية مهمة.
- الغلاف الجوي للمشتري ليس كما كنا نظن
اعتمد الباحثون على أول تصوّر ثلاثي الأبعاد للطبقة التروبوسفيرية للمشتري، ليكتشفوا أن معظم الظواهر الجوية تحدث في أعماق ضحلة. إلا أن بعض العواصف القوية تندفع عميقا، مسببة اختلاط طبقات الأمونيا والماء، الأمر الذي يكسر النظرية القديمة بأن الغلاف الجوي للكواكب الغازية متجانس، وتلعب كرات الموش دورا هاما في هذا الخلط الجوي، حيث تعمل كناقلات تحت سطحية تنقل المركبات الكيميائية من الطبقات العليا إلى الأعماق.
- كرات الموش: كرات ثلجية من العدم
تشبه كرات الموش في تكوينها حلوى الـ"سلاشي" المجمدة، حيث تتكون من مزيج سائل من الأمونيا والماء، مغلف بطبقة من الجليد، تتشكل هذه الكرات بفعل عواصف رعدية قوية ترتفع فيها قطرات الماء إلى ارتفاعات شاهقة، حيث تذوب بفعل الأمونيا ثم تُغلف بالجليد، وعندما تصبح ثقيلة جدًا، تهبط بسرعة إلى الأعماق، مما يسهم في إعادة توزيع الأمونيا والماء داخل الكوكب.
- من الشك إلى الدليل الثلاثي الأبعاد
في البداية، شكك الباحثون بجامعة كاليفورنيا في بيركلي في فرضية كرات الموش، نظرًا لأنها تتطلب ظروفًا جوية قاسية للغاية، ولكن بعد ثلاث سنوات من البحث، وتطوير نماذج ثلاثية الأبعاد للغلاف الجوي للمشتري، أكدت البيانات أن هذه الكرات هي التفسير الوحيد المقبول لمناطق فقيرة بالأمونيا تم رصدها بواسطة التلسكوبات الراديوية ومسبار جونو التابع لناسا.
- تصادم العواصف في الأعماق
رغم أن معظم العواصف على المشتري ضحلة، إلا أن هناك أنواعًا قليلة، مثل الزوابع الحلقية والدوامات الإعصارية، تصل إلى أعماق أكبر وتعيد خلط الغلاف الجوي بشكل دراماتيكي. بعض هذه العواصف تنتج كرات الموش، والتي تسقط عميقا داخل الكوكب، موضحة سبب وجود مناطق خالية من الأمونيا.
- تفسير غياب الأمونيا
تُظهر بيانات جونو مناطق داخل الغلاف الجوي للمشتري تفتقر إلى الأمونيا بعمق يصل إلى 150 كم تحت السحب، وهو ما فسره العلماء بأن الأمونيا يتم "سحبها" إلى الأعماق داخل كرات الموش، هذه الكرات تذوب في الأعماق، مطلقة الأمونيا والماء بعيدًا عن متناول الأجهزة البصرية، لكن يمكن رصدها باستخدام الموجات الراديوية.
- غلاف جوي بلا سطح
على عكس الأرض، لا يوجد سطح صلب على المشتري، ما يعني أن المطر والثلج لا "يصطدم" بأي شيء، بل يستمر في السقوط حتى يذوب في الأعماق، هذه الديناميكية الفريدة جعلت العلماء يعيدون النظر في فكرة أن الغلاف الجوي للكواكب الغازية متجانس، مؤكدين أن هذه الكواكب تحتوي على طبقات غنية بالحركة والخلط العمودي العنيف.
- علم الأرصاد الكوكبي يفتح الأبواب أمام فهم جديد
تمثل هذه الاكتشافات ثورة في علم الكواكب، وتساعد في تفسير البيانات المرصودة من كواكب غازية أخرى مثل زحل وأورانوس ونبتون، بل وتساهم في تحسين فهمنا للكواكب الخارجية (Exoplanets) التي لا نرى منها سوى طبقاتها العليا.
- التلسكوبات والبيانات المفتوحة
أُجري هذا البحث اعتمادًا على بيانات جمعت بين تلسكوب هابل (للضوء المرئي) ومرصد الراديو "VLA"، بالإضافة إلى أجهزة مسبار جونو.د، وتمكن العلماء من تطوير تقنية تصوير طبقي ثلاثي الأبعاد للغلاف الجوي، ما أكد أن الطبقات العلوية تخفي تحتها أنظمة طقس نشطة وعنيفة. دعا الباحثون أيضًا إلى نشر بيانات جونو بشكل مفتوح لدعم الدراسات المستقبلية.
- نحو فهم أعمق للكواكب العملاقة
مع استمرار مهمة جونو واستخدام تلسكوب جيمس ويب، تتجه الأبحاث نحو كشف المزيد من أسرار الكواكب العملاقة، وتوسيع فهمنا للفيزياء المعقدة التي تتحكم في أجوائها المتغيرة. كرات الموش ليست مجرد ظاهرة غريبة، بل مفتاح لفهم كيمياء وتاريخ تكوّن كواكب نظامنا الشمسي – وربما ما هو أبعد من ذلك.



