كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة مارتن لوثر في هاله-فيتنبرغ (MLU) ونشرت في مجلة علم الأعصاب الإدراكي، أن طريقة بسيطة وغير جراحية لتحفيز الدماغ يمكنها التأثير بشكل ملموس على سرعة اتخاذ القرار ومرونة التفكير. استخدم الباحثون تقنية التحفيز الكهربائي المباشر عبر الجمجمة (tDCS)، وهي أداة معروفة في مجالي البحث العلمي والعلاج السريري.
- كيف يعمل التحفيز الكهربائي المباشر عبر الجمجمة (tDCS)؟
تعتمد تقنية tDCS على تمرير تيار كهربائي ضعيف عبر أقطاب كهربائية توضع على فروة الرأس لاستهداف مناطق معينة من الدماغ، ويختلف تأثير هذا التيار حسب نوع القطب المستخدم، إذ تعمل الأقطاب الموجبة (الأنودية) على تنشيط النشاط العصبي، في حين تثبّط الأقطاب السالبة (الكاثودية) هذا النشاط.
صرّح الدكتور سيباستيان كوبلر، أخصائي علم النفس في جامعة MLU، قائلاً: "تتميّز هذه الطريقة بكونها غير جراحية وسهلة الاستخدام، ولهذا تُستخدم على نطاق واسع في علم النفس، كما يُجرى حالياً بحث مكثف حول إمكانية استخدامها لعلاج الاضطرابات العصبية والنفسية."
- تصميم الدراسة وتجربتها
سعى العلماء في جامعة MLU إلى التحقق مما إذا كان تحفيز الدماغ بتيار كهربائي مباشر يمكن أن يؤثر في طريقة اتخاذ القرارات، شملت الدراسة أربعين مشاركاً، وتم خلالها استهداف منطقة "القشرة الجبهية الظهرية الوحشية"، وهي منطقة دماغية تُعد أساسية في التخطيط والمفاضلة بين الأفعال، بحسب ما أوضحه البروفيسور تورستن شوبيرت من معهد علم النفس في الجامعة.
طُلب من المشاركين أداء مهمتين في آنٍ واحد – واحدة سمعية وأخرى بصرية – واتخاذ قرار بشأن المهمة التي سيبدؤون بها أولاً. وقد ارتدى المشاركون الأقطاب الكهربائية طوال مدة التجربة، دون أن يعرفوا نوع التحفيز المستخدم أو ما إذا كان هناك تيار كهربائي فعلاً، أُعيدت التجربة بعد فاصل زمني لا يقل عن أسبوع.
- نتائج التحفيز: تسريع القرار أو التمسك بالخيار السابق
أظهرت نتائج التجربة أن التحفيز الأنودي، الذي يزيد من نشاط المنطقة المستهدفة في الدماغ، أدى إلى تقليل الوقت اللازم لاتخاذ القرار، مما يعني أن المشاركين اتخذوا قراراتهم بسرعة أكبر. في المقابل، أدى التحفيز الكاثودي، الذي يثبّط النشاط العصبي، إلى تمسك المشاركين بالترتيب الذي اختاروه سابقاً لأداء المهمات.
- المرونة المعرفية وتأثيرات دقيقة لكنها فعّالة
يقول الدكتور كوبلر: "تشير النتائج إلى أن تنشيط أو تثبيط القشرة الجبهية الظهرية الوحشية يمكن أن يزيد أو يقلل من المرونة المعرفية، خاصة عندما يُطلب من الأشخاص تنفيذ مهام متعددة في وقت واحد." ورغم أن الفرق الزمني في اتخاذ القرار بلغ نحو 100 ميلي ثانية فقط، إلا أن هذا التغيير يُعتبر ذا دلالة مهمة في علم النفس التجريبي، بحسب ما أكده البروفيسور شوبيرت.
- هل يمكن استخدام tDCS في الحياة اليومية؟
تُباع حالياً أجهزة تجارية تعتمد على تقنية tDCS وتُروّج لقدرتها على تعزيز الإبداع والتركيز. ومع ذلك، يحذر الباحثون من المبالغة في هذه الادعاءات، ويؤكد الدكتور كوبلر أن الدراسة تُظهر أن هذه التقنية يمكنها التأثير على العمليات المعرفية – مثل اتخاذ القرار – لكن تحت شروط تجريبية دقيقة، مع التأكيد على أن التأثيرات تبقى طفيفة وتعتمد على عوامل متعددة.



