كتب الأستاذ حليم خاتون:
لم تتوقف جريدة النهار في لبنان عن إتحاف اللبنانيين بنظريات تخرج يوميا من أفران الإدارات الأميركية المتعاقبة على اختلاف هذه الإدارات، وعلى اختلاف التيارات داخل الإدارة الواحدة...
رغم وجود منطق عند بعض كتاب النهار من أمثال الاستاذ سركيس نعوم مثلا الذي لا يخفي هو نفسه إعجابه وانتماءه إلى فكر الحضارة الأميركية المعاصرة، إلا أن هناك في النهار مجموعة من "الفطاحل" الذين خرج قبل مدة أحدهم ممن أراد "التزريك" على شعار حزب الله في ثلاثية (جيش، شعب، مقاومة)... فذهب إلى ثلاثية مضحكة مبكية هزلية تقوم على:
(جيش، شعب، دولة)...
لو كان القائل مجرد مواطن عادي يتحدث في جلسة نسوان الفرن، كان مر هذا الشعار دون إدراك مدى الغباء الذي يحتويه من منطلق العلوم السياسية التي من المفروض ان يكون أي كاتب في أية صحيفة ملم بها، وهي أن هناك فرق كبير بين مفهوم الدولة، ومفهوم السلطة...
العبقري صاحب ثلاثية النهار لم يفهم، ولا يفهم أن الدولة هي كل شيء وإنه قزّم هذه الدولة بمجرد إدخالها إلى ثلاثيته الهزلية...
أراد الإعلامي الاستاذ جورج صليبا إيجاد ند للأستاذ حسين أيوب في برنامج يوم الأحد بعد ذهاب الأستاذ جان عزيز إلى صفوف السلطة الجديدة مع الرئيس جوزيف عون؛ نكش قليلا، ثم خرج لنا بالاستاذ غسان حجار من جريدة النهار رغم عدم انتماء هذا الأخير إلى نفس مدرسة الاستاذ جان عزيز الفكرية والسياسية...
كان المهم إيجاد مناكف للأستاذ أيوب ولفكر الثنائي الشيعي، فذهب إلى جريدة النهار التي تقود منذ أكثر من ثلاثة عقود منبر أميركا في لبنان بعد تحطم مشروع ١٧ أيار وهروب المارينز من بيروت مع من جاء معهم ومن هلل لهم...
صحيح أن الاستاذ غسان حجار لا يمت بصلة قرابة لازمة إلى حزب القوات اللبنانية، لكنه كان بوقا من أبواق سمير جعجع على الجديد مساء الأحد في العشرين من نيسان حين قرر أن سلاح حزب الله لم يعد يشكل ردعا لإسرائيل ولم يعد يتمتع بغطاء لبناني له...
بغض النظر عن الأخطاء الفظيعة التي ارتكبها حزب الله في هذه الحرب، ورغم كل شيء حصل، لا يزال هذا السلاح يحمل من قوة الردع ما يكفي لانه يثير الرعب في قلوب إسرائيل وأمريكا والنظام الرسمي العربي وكلابه من اللبنانيين وإلا، لماذا كل هذه الصجة؟
واذا كانت الصواريخ الباليستية صارت بلا معنى كما يدّعي اعداء حزب الله في لبنان، لماذا يهرع مليون صهيوني إلى الملاجئ مع كل صاروخ يمني، ولماذا تموت إسرائيل رعبا من برنامج إيران الصاروخي؟
في كل الأحوال، هي الاسطوانة نفسها التي تكررها دائما جماعات اليمين...
زيادة طبعا على اسطوانة فقدان المقاومة للإجماع الوطني...
هي الاسطوانة التي تستدعي دائما وابدا نفس الرد:
لم يوجد، ولا يوجد، ولن يوجد ابدا في التاريخ مقاومة تتمتع بغطاء وطني كامل لسبب بسيط جدا هو أن أغلبية الناس معتادة أن تمشي جنب " الحيط" وتقول "يا ربي السترة"...
هذه طبيعة البشر...
عادة أي مقاومة في أحسن احوالها، لا تستطيع الاستناد على أكثر من ثلث السكان في أحسن الأحوال؛ هكذا كانت المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي؛ هكذا كانت حتى المقاومة الصينية ضد الاحتلال الياباني، وهكذا كانت مقاومة حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي قبل طرده دون قيد أو شرط سنة ٢٠٠٠...
استندت مقاومة حزب ألله على أهل الجنوب، وأهل البقاع وأهل الضاحية بشكل أساسي، تماما كما هو حالها اليوم...
القوات والكتائب وشركاؤهم كانوا ولا يزالون معادين لأي فكر مقاوم ضد إسرائيل ومن يرعى إسرائيل...
الحزب التقدمي كان كما هو اليوم، ضربة على الحافر وضربة على المسمار....
حكومة رفيق الحريري مع كل مكوناتها بما في ذلك شيعة السلطة ويسار السلطة أرادوا جميعا إرسال الجيش للاشتباك مع المقاومة ونزع سلاحها بالقوة لولا وقوف قائد الجيش يومها الجنرال إميل لحود ضد هذه الخطوة البلهاء التي كانت سوف تؤدي إلى نهاية لبنان...
يزيد الاستاذ حجار على كل ما سبق تهديدات مالية واقتصادية بحصارنا وتجويعنا ومنع اي دولار من الدخول إلى لبنان...
ينسى الاستاذ الأفندي أن هذا ما تقوم به أميركا والغرب والنظام الرسمي العربي منذ حوالي عشر سنوات، وها نحن لا نزال هنا؛ لم نمت؛ ولن نموت قبل القضاء على اعدائنا...
لم يتمكنوا من إخضاعنا؛ لا هم، ولا جماعات التكفير التي سلّطوها على لبنان...
حزب الله ارتكب أخطاء مميتة حين شارك في سلطة الفساد (الأميركية بامتياز)... هذا صحيح...
لكن الذي دمر اقتصاد البلد لم يكن حزب الله، ولا اية مقاومة رديفة لحزب الله...
الذي دمر البلد هم نفس الأشخاص الذين أوكلت إليهم أميركا تدمير البلد ثم استبدلتهم بطاقم جديد يدّعي العفة وعلى رأسهم حلفاء فؤاد السنيورة من جماعة كلنا إرادة الذين يريدون إيهام الناس أن أميركا تحمل لهم اللبن والعسل؛ تماما كما فعل الساداتيون في مصر الذين حولوا ذلك البلد العظيم من احد مراكز القرار في العالم إلى جمهورية موز تنتظر إعانات من أشباه دول واشباه قيادات في جامعة عربية صارت هي نفسها أضحوكة الشعوب العربية...
هي نفس أميركا التي جعلت ياسر عرفات يوقع في أوسلو على تنازلات تاريخية عن وطن تاريخي مقابل وعود تبين في النهاية انها اغتالت عرفات نفسه قبل أن تنصّب على الفلسطينيين سلطة تقتل الفلسطينيين نيابة عن الاحتلال...
هي نفس اميركا التي جرّت الأردن إلى وادي عربة فجعلت منه بلدا متسولا ينتظر أمراء النفط الذين لا يدفعون الا وفق أوامر صريحة من إسرائيل وأمريكا...
يهددنا غسان حجار كما يهددنا جماعة أورثاغوس بمنع إعادة الإعمار...
لن يكون هناك إعادة اعمار إذا نحن مشينا بالمخطط الأميركي...
لأن المنطقة المعنية تدخل ضمن خط زنار الأمان لدولة الكيان...
الأمر الوحيد الذي يمكن ان يعيد الإعمار هو القوة... فقط القوة؛ قوة القرار التي لمح إليها الشيخ نعيم قاسم...
إذا كنا ضعافا لن تعيرنا أميركا أي اهتمام...
أما حين نكون اقوياء ونهدد مصالح أميركا وحلفاءها في المنطقة فسوف يقومون بإعادة الاعمار وأرجلهم فوق رؤوسهم...
أما كيف نكون اقوياء؟
فهذا لن يكون إطلاقا إذا نحن سلمنا السلاح...
تذكروا وعودهم قبل انتخابات الرئاسة...
تذكروا وعودهم قبل تأليف الحكومة...
كلها مجرد وعود...
حين نقبل تسليم السلاح ولن نقبل، سوف نحصل على نفس ضمانات صبرا وشاتيلا من الأميركيين، وعلى نفس الضمانات للبوسنيين من قوات الأمم المتحدة والقوة الهولندية في سريبرينيتشا...
عند تسليم السلاح، سوف تقدم لنا إسرائيل نفس وجبات الغذاء التي كانت ولا تزال ترسلها إلى غزة...
حتى الحمار يتعلم من التكرار...
إلا حمير لبنان؛ لا يتعلمون...
تاريخ أميركا وتاريخ أتباع أميركا مليء بالورود التي حصل عليها الهنود الحمر...
أما الحرب الأهلية؛ فهذا الخيار هو الذي انقذ الصينيين بعد تجارب مريرة من تحالف الحزب الشيوعي الصيني مع أتباع أميركا...
أحيانا يجب قتال كلاب الداخل قبل الانتصار على كلاب الخارج...
غسان حجار...
بضاعتك فاسدة...
"كلنا إرادة"...
انتم "قرطة كذابين"...
أما القوات والكتائب وغيرهم...
"روحوا خيطوا بغير هيدي المسلة"...
لبنان إما أن يكون موطن عز وكرامة، "واللا ستين عمرو ما يكون"...


