في اكتشاف علمي مذهل، أعلن فريق من علماء الجيولوجيا وعلوم الأرض في الولايات المتحدة عن تحديدهم لما يُعرف بـ"غطاء الماجما" العميق الذي يكبح الضغوط الشديدة ودرجات الحرارة العالية في نظام بركان يلوستون العملاق، ويمنع حدوث انفجار كارثي محتمل.
- الغطاء العميق: درع طبيعي يكبح الكارثة
وفقاً لنماذج جديدة، يقع هذا الغطاء الطبيعي بين عمق 3.5 إلى 4 كيلومترات تحت الجزء الشمالي الشرقي من كالديرا يلوستون، ويبدو أن هذا "الغطاء" يعمل كصمام تنفيس، حيث يُطلق كميات صغيرة من الغازات البركانية بين الحين والآخر، مما يحافظ على توازن الضغط الداخلي ويمنع الانفجار.
يشبه العلماء تأثير هذا الغطاء بعملية التنفس المنتظم، كما لو أن البركان في حالة "نوم عميق". ومع أن هذا السكون يبدو مطمئنا، إلا أن انسداد القنوات الغازية قد يؤدي يوما ما إلى ثوران مفاجئ.
- تقنية جديدة تكشف أعماق الأرض بدقة غير مسبوقة
لتصوير القشرة الأرضية في منطقة يلوستون، استخدم الباحث تشينغلونغ دوان من جامعة رايس تقنية مبتكرة تعتمد على إرسال موجات زلزالية (أشبه بهزات صغيرة) من خلال شاحنة اهتزازية، وعند ارتداد هذه الموجات، تم التقاطها بواسطة مئات أجهزة الرصد الزلزالي.
وبالتعاون مع الجيوفيزيائي جيمي فاريل من جامعة يوتا، طوّر الفريق خوارزمية حاسوبية حللت البيانات الضخمة الناتجة، مما مكّن العلماء من بناء نموذج تفصيلي للقشرة الأرضية، وتحديد الحافة العلوية الحادة لخزان الماجما.
- ما تحت الغطاء: سوائل حرجة وماجما متفجرة
على عمق يقارب 3.8 كيلومتر، رصدت الموجات الزلزالية حداً فاصلاً مفاجئًا، حيث تباطأت بشكل كبير، مما يشير إلى مرورها عبر خليط طيني من الماجما والسوائل فوق الحرجة، وهو مزيج شديد الحرارة والضغط، يطمس الخط الفاصل بين السائل والغاز.
وقد تبين أن هذا الغطاء يتكون بنسبة 50% تقريبا من فقاعات مواد طيارة، وهو شبه محكم الإغلاق، يسمح فقط بتسرب ضئيل للغازات، مما يحافظ على استقرار الضغط الداخلي.
- البركان في حالة خمود ... ولكن
تشير النماذج العلمية إلى أن الجزء العلوي من خزان الماجما مكوَّن في الغالب من ماء فوق حرج وماجما الريولايت، التي تميل إلى الانفجار إذا أُتيحت لها الفرصة. ويبدو أن عملية التبريد التدريجي وتبلور المواد في القشرة العليا تشكّل غطاءً مانعا يسمح بتنفيس محدود للغازات.
ويؤكد الباحثون أن نسبة المسامية في هذا الغطاء، والتي تبلغ نحو 14%، لا تكفي لإحداث ثوران، مما يدعم فرضية أن النظام البركاني في حالة "سكون".
- النشاط السطحي: علامة على الاستقرار وليس الخطر
يشير براندون شماندت، أحد العلماء المشاركين، إلى أن النظام البركاني يبدو وكأنه يتنفّس بفعالية من خلال الشقوق والقنوات بين بلورات المعادن، وهذا ما يتوافق مع النشاط الحراري المائي المشاهد على السطح، مثل انفجارات السخانات وتسرّب الغازات، والتي تُعد علامات على استقرار الضغط الداخلي.
- هل سنشهد انفجارا جديدا في يلوستون؟
شهد بركان يلوستون خلال المليوني سنة الماضية ثلاث ثورات بركانية ضخمة ومدمرة. ومع أن العلماء لا يستطيعون تحديد موعد الثوران القادم بدقة، إلا أن أحدث الأدلة تشير إلى أن خطر حدوث انفجار كارثي يتناقص مع مرور الوقت.
ويُقدّر خبراء هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن احتمال حدوث ثوران فائق في يلوستون يبلغ نحو 0.00014% سنويا، استنادا إلى تواريخ الانفجارات السابقة.
رغم العنف الكامن في أعماق بركان يلوستون، فإن وجود هذا الغطاء الطبيعي المستقر، الذي يعمل كصمام أمان، يمنحنا بعض الطمأنينة. قد تستمر السخانات في الانفجار والزلازل الصغيرة في الهز، لكن البركان العملاق يبدو في حالة "هدوء نشط"، لا تشير إلى قرب حدوث كارثة.


