بعد مرور أكثر من 160 عاماً على التجارب الرائدة التي أجراها غريغور مندل على نبات البازلاء، يكشف فريق علمي دولي عن خريطة جينية عالمية شاملة لمجموعة ضخمة من أنواع البازلاء، ما يفتح الباب أمام طفرة علمية جديدة في مجال علم الوراثة والزراعة المستدامة.
من خلال الجمع بين علم الجينوم، والمعلوماتية الحيوية، والوراثة الكلاسيكية، استطاع العلماء تحليل التنوع الجيني لأنواع البازلاء في مختلف أنحاء العالم، مع تحديد السمات الوراثية الأساسية التي استند عليها مندل في تجاربه، وصولاً إلى اكتشاف غير مسبوق في التنوع الجيني الزراعي.
- إنجاز علمي عالمي غير مسبوق
نُشر هذا الاكتشاف في مجلة Nature المرموقة، وجاء نتيجة تعاون وثيق بين مركز جون إينيس البريطاني (John Innes Centre)، والأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية، إلى جانب فرق بحثية من الصين، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا.
يشير الباحثون إلى أن هذا المورد الجيني الجديد سيسهم في تسريع برامج التهجين النباتي، وتطوير محاصيل أكثر إنتاجية ومقاومة للأمراض، وتقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية، مما يعزز من استدامة الزراعة على المستوى العالمي.
- كيف كشف الباحثون أسرار جينوم البازلاء؟
اعتمد الفريق على تحليل جيني معمّق لحوالي 700 نوعاً من البازلاء، تمثل تنوعاً واسعاً من أصل 3,500 نوعاً محفوظاً في وحدة الموارد الوراثية النباتية بمركز جون إينيس. وقد أنتج هذا العمل أكثر من 62 تيرابايت من البيانات الخام، ما يعادل 25.6 تريليون معلومة، تعادل طباعة 3.6 مليار صفحة A4!
استُخدم تحليل "الارتباط الجيني على نطاق الجينوم" (GWAS) لتحديد مواقع الجينات المرتبطة بخصائص زراعية هامة، وتحديد أكثر من 70 سمة وراثية مربوطة بمواقع دقيقة في الجينوم. هذه المؤشرات الجينية تمثل أدوات قوية لتسريع تحسين المحاصيل باستخدام تقنيات حديثة مثل التعديل الجيني والنماذج المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
- العودة إلى سمات مندل الكلاسيكية
تضمنت الدراسة إعادة تحليل للسمات السبع التي وصفها مندل، مثل لون الأزهار وشكل الحبة ولون القرون. وباستخدام أدوات الجينوم الحديثة، استطاع العلماء التعرف على الطفرات الدقيقة التي تسببت في هذه الصفات.
فعلى سبيل المثال، اكتشف الفريق طفرة وراثية نادرة تعيد اللون البنفسجي لأزهار كانت بيضاء، بالإضافة إلى طفرة أخرى تفسر سبب ظهور لون أصفر للقرون، ما يمثل اكتشافاً طال انتظاره في علم الوراثة.
- مورد علمي مفتوح للعالم
أكد البروفيسور شيفنغ تشينغ من معهد الجينوم الزراعي في شينزن، أن هذه النتائج تعزز من قدرة العلماء على فهم كيفية توارث الصفات، عبر تحديد الجينات الدقيقة والطفرات المؤثرة، وأشار البروفيسور نويل إيليس، أحد المشاركين في الدراسة، إلى أن البيانات متاحة الآن للباحثين والمعلمين، ويمكن طلب خطوط البازلاء الوراثية بسهولة.
كما عبّر الباحثون المشاركون عن حماسهم تجاه المشروع، حيث قالت إحدى الباحثات: "لقد أصبح هذا المشروع رحلة علمية وشخصية في آنٍ واحد، وربط بين الماضي العلمي لمندل ومستقبل علم الوراثة الحديث."
- نحو مستقبل زراعي مستدام
لا تقتصر أهمية هذا البحث على الجانب الأكاديمي فقط، بل يمتد ليشمل تطبيقات زراعية واسعة النطاق، خاصة في ظل تزايد الحاجة لمصادر بروتين نباتي مستدام. إن قدرة البازلاء على تثبيت النيتروجين تجعلها عنصراً أساسياً في الزراعة المستدامة، مما يقلل من التلوث ويزيد من كفاءة الإنتاج.
اختتم الدكتور نعوم شايوت، مدير وحدة الموارد الوراثية، قائلاً: "هذا الإنجاز العلمي يبرهن مرة أخرى على أن التعاون الدولي قادر على تغيير قواعد اللعبة في العلم والزراعة."

