كتبت الأستاذة إنتصار الماهود:
ممر داوود خطة جيوسياسية إسرائيلية، يسعى الكيان عبرها لإنشاء ممر بري ممتد من الاراضي المحتلة مرورا بالجنوب السوري، وصولا لشمال العراق والهدف التالي هو إيران.
أثيرت في الآونة الأخيرة تساؤلات حول هذا المشروع، هل هو حقيقي أم مجرد إعلام سياسي يروج له الكيان من أجل زعزعة الوضع في المنطقة؟؟
بالطبع كل إشاعة تصدر لابد لها جانب من الصحة، خاصة لو كان الموضوع يتعلق بأمن الكيان الغاصب، فممر داوود ليس إشاعة، بل هو فكرة إستراتيجية قديمة بدأ الكيان يطبقها حرفيا بعد حرب أكتوبر عام 2023، والكيان بالطبع له عدة أهداف إستراتيجية أهمها:::
أولا::
إعادة تشكيل سوريا بعد سقوط بشار الأسد، حيث أن أهم نقطة الآن هي تشتيت وتفكيك سوريا، لتسهيل المهمة على الكيان بتحقيق مصالحه الأمنية، ولو دققنا جيدا في الوضع الحالي في سوريا، لرأينا أن الخريطة المرسومة تقوم على عزل المحافظات السورية كل واحدة على حدة، لسهولة التحكم فيها فالجولان يقع تحت سيطرة الكيان منذ زمن، واستولى أيضاً في الفترة الاخيرة على القنيطرة بعد سقوط نظام الأسد، أما درعا التي تحكمها العشائر المرتزقة، فهي متأرجحة الولاء بين مصالحها الخاصة، وبين مصالحها مع الكيان، أكثر من حكومة الجولاني، أما السويداء وسكانها الدروز فمنذ سقوط بشار الأسد أصبحت تتمتع تقريبا بالحكم الذاتي، وهي لا تعترف بنظام الجولاني كحكومة شرعية، ولجات كالمعتاد الى الكيان لعقد التحالفات لتأمين مناطقها، ونحن نعرف جيدا كيف هو تأريخ الدروز مع الكيان.
ثم نصل الى البادية السورية في شرقها، حيث الرقة وزير الزور والحسكة والنتف والبوكمال المتاخمة للحدود العراقية، والتي كانت خاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية، التي تحولت بقدرة قادر الى دولة تحكم فيما بعد، ومن السهولة السيطرة عليها بسبب السيطرة على الحكومة السورية الحالية، التي لم تمانع علنا من التحدث عن إمكانية عقد معاهدات سلام وتحالفات مع الكيان الغاصب، وبالفعل نستطيع القول أن خطة الكيان في سوريا قد تحققت بنسبة مخيفة ومقلقة لدول الجوار.
ثانيا ::
الربط الجغرافي، حيث يهدف مشروع ممر داوود لإنشاء ممر بري، يبدأ من من الأراضي المحتلة في فلسطين، ثم مرتفعات الجولان والأراضي السورية الى حدود إقليم كردستان ليصل لإيران.
لنقف عند هذه النقطة المهمة، لانها تمثل أمننا القومي العراقي، إن الكيان يسعى لدعم إنفصال الإقليم منذ ستينيات القرن الماضي، وإعادة رسم الحدود العراقية من جديد، عن طريق خلق كيان جديد في داخل أراضينا، بأجزاء من سوريا والعراق وتركيا وإيران، يحقق لها مد ذراعها من حدود نهر النيل وحتى نهر الفرات، وصولا لإيران وهذا تحقيق لنبوءة توراتية قديمة سنذكرها لاحقا.
لذلك نراها تعزف على نغم حلم الدولة الكوردية، وتداعب مشاعر الأكراد في العراق، والذين يعتبرون الأقوى في أكراد المنطقة، بسبب مقومات الحكم الذاتي المستقل، والحرية الممنوحة لهم والتي يتمتعون بها في ظل الحكومات العراقية المتعاقبة، مقابل ما يحصل عليه نظرائهم في الدول المجاورة.
لقد كان تعامل الكيان علني مع الكورد كحلفاء محتملين، وليس إنفصاليين وقد ظهر هذا الموضوع تاريخياً، بدعمهم لملا مصطفى البارزاني ضد نظام صدام، حيث مدوه بالسلاح والخبراء الميدانيين من أجل التمرد على الحكومات العراقية المتعاقبة، آنذاك وجميع زيارات خبراء الموساد والمسؤولين الإسرائيليين موثقة بالصور، ولا أحد ينكر ذلك فالتحالف مع الشيطان هو غاية تبرر وسيلة الكورد للدولة القومية.
فمشروع داوود سيمنحهم مساحة كبرى لإقامة دولتهم، وهذا سيكون بالتعاون بين أكراد سوريا وتركيا وإيران، ولا ننسى أيضاً حملة التجنيس، التي قام بها الإقليم ومنح البطاقات الوطنية، لأكراد سوريا إبان هروبهم من الأحداث العنيفة التي مرت بها دولتهم في عام 2013.
أما المكاسب الاقتصادية من هذا التحالف، فهو سلاح وأموال وصفقات اقتصادية وتبادل للخبرات مع الكيان، أهمها فتح المجال أمامهم مرة أخرى لتصدير النفط العراقي بحريتهم، خاصة بعد خسارة الإقليم لتصدير 450,000 برميل يومياً عبر تركيا، بعد القرار الذي كسبته حكومة بغداد، بإيقاف التصدير للنفط العراقي عن طريق تركيا، دون موافقة الحكومة الإتحادية، والذي أثر سلبا على الوضع الإقتصادي الداخلي للإقليم، خاصة بتوفير رواتب المواطنين وكما شهدنا في الفترة الأخيرة، تظاهرات واحتجاجات لموظفين وكسبة داخل الإقليم، بسبب معاناتهم بالحصول على كفاف يومهم.
إذاً ممر داوود سيعتبر بديلا جديدا للحياة في كوردستان العراق، والذي سيؤدي الى تشجيعها للمطالبة بالإستقلال والإنفصال مجدداً.
إن الأكراد في العراق على الرغم من أنهم الكتلة الأكبر والأقوى من ناحية استقلالهم، إلا أنهم الحلقة الأضعف جيوسياسياً بسبب المطامع الانفصالية لقادتهم، فهم سلاح ذو حدين يستخدمهم الكيان، مع أكراد سوريا أولا، والذين أصلا لديهم ميل تجاه المحور الصهيوامريكي، ضد المحور التركي أو المحور الوطني، وثانيا مع الأكراد في جنوب غرب إيران، والذين يعانون من عزلة تقريبا، خاصة بعد المحاولات التي قام بها حزب الحياة الحرة الكوردستاني PJAK ، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحزب العمال الكوردستاني PKK، الذي له تواجد وقواعد في جبال قنديل العراقية وانا أقصد الحزبين بعلم حكومة الإقليم.
اما أكراد تركيا، فرغم سيطرة الحكومة التركية على تحركاتهم نوعاً ما،إلا أنها تحاول أن تمد سيطرتها على فلولهم خارج دولتها في العراق وسوريا، من خلال عمليات عسكرية منظمة بين فترة وأخرى، لمنعهم من المطالبة بدولة قومية، بل وصل الأمر بتركيا أن تدعم نظام الجولاني، من أجل عدم تشرذم سوريا أمام مخططات الكيان، فنظام إرهابي موالٍ خير من مجاميع لا تستطيع السيطرة عليها، وحاولت فرض سيطرتها على مطارات ونقاط حيوية في سوريا، من أجل تثبيت أركانها، إلا أن الكيان كان أسبق منها حيث ضرب الكيان الترسانة العسكرية والمطارات السورية، لتقف الحكومة التركية عاجزة أمام التقدم الاسرائيلي على اراضي سوريا، وهذا ما إنعكس سلباً على سيطرة تركيا في سوريا.
ثالثا::
تحقيق النبوءات الدينية عبر ممر داوود، والذي يعرف باسم (إسرائيل الكبرى)، وهي فكرة تستند على نبوءات تلمودية، تسعى لتوسيع حدود الكيان، لتشمل لجميع الأراضي الواقعة بين نهري النيل والفرات.
وهنالك نقطة أحب أن أعقب عليها، بأن قيام دولة إسرائيل تلك الدولة اللقيطة قائم على أساس عقائدي ديني، وليس على أساس المواطنة والأرض المشتركة والتأريخ المشترك، بل هي مجموعة من شراذم اجتمعوا من أصقاع الأرض ليؤسسوا لهم دولة مغتصبة في قلب الوطن العربي.
رابعا ::
السيطرة على الموارد في هذه المنطقة خاصة الموارد الطبيعية، ونحن نعرف أن هذه المنطقة تمتاز بوجود موارد مثل النفط والغاز والطاقة المتجددة، والمياه والأراضي المناسبة للزراعة، وبالطبع هذا سيعزز من الحركة التجارية ويفك العزلة الجغرافية عن إسرائيل.
اذا إسرائيل ستفجر عاجلاً ام آجلا هذه القنبلة الموقوتة في المنطقة، كما ذكر الشيخ قيس الخزعلي في أحد حواراته، وستسعى للضغط على دول المنطقة لتحقيق مكاسبها الخاصة والتي ستكون ::
أولا الوصول الى الاراضي الكوردية في العراق وسوريا وإحكام سيطرتها عليها.



