عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
أولًا – الصفة القانونية ل "إسرائيل" كقوة احتلال
بموجب قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، تُصنَّف إسرائيل كقوة احتلال في الأراضي الفلسطينية منذ العام 1967. فقد أكّد القرار 242 (1967) و 338 (1973) على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة. كما شدد القرار 2334 (2016) على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية واعتبارها "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي".
وبذلك، فإن كل تصرفات إسرائيل في الضفة وغزة تقع ضمن مسؤولية قوة إحتلال ملزمة بإحترام اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وخاصة المادة 49 من الإتفاقية الرابعة التي تحظر النقل القسري أو التهجير الجماعي للسكان تحت أي ذريعة.
ثانيًا – جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
إن القصف العشوائي، سياسة الحصار والتجويع، إستهداف المدنيين، تدمير البنية التحتية والمستشفيات؛ كلها جرائم موصوفة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، تحت بندي جرائم الحرب (المادة 8)، والجرائم ضد الإنسانية (المادة 7).
كما أن سياسة "المجاعة كسلاح حرب" التي بدأت في غزة منذ شباط/فبراير 2025، تُعتبر انتهاكًا للمادة 54، من البروتوكول الإضافي الأول، لاتفاقيات جنيف (1977)، التي تحظر استخدام التجويع ضد المدنيين.
ثالثًا – الحرب التوراتية كالتفاف على القانون الوضعي
وفي محاولة للهروب من التوصيف القانوني كقوة احتلال، أطلق بنيامين نتنياهو خطاب "الحرب التوراتية" ضد الفلسطينيين وجيران إسرائيل. هذا الخطاب يوظّف نصوصًا دينية لإضفاء شرعية على مشروع سياسي توسعي يقوم على مقولة "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل".
غير أن هذا الادعاء لا سند قانوني أو تاريخي له في النظام الدولي، إذ لا يُبنى القانون الدولي على المرويات الدينية أو المعتقدات الخاصة بأي شعب. فالمادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة تحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة أراضي أي دولة.
وبالتالي، فإن الحرب التوراتية ليست إلا محاولة لتبرير الاستعمار الاستيطاني والإبادة الجماعية بغطاء ديني غير مُلزِم إلا لليهود أنفسهم.
رابعًا – الدعم الأمريكي وتبرير التوسع
وجد نتنياهو غطاءً سياسيًا في دعم الرئيس ترامب، الذي شبّه إسرائيل بأنها "أصغر من رأس قلم" قياسًا بدول الجوار، لتبرير التوسع وضم الأراضي. هذا الموقف يتعارض مع مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة الذي يُعتبر قاعدة آمرة (jus cogens) لا يجوز لأي دولة أو تحالف الحياد عنه.
خامسًا – الخلاصة القانونية
إن ما تقوم به إسرائيل في غزة والضفة، ليس صراعًا عاديًا بل خرق فاضح للقانون الدولي، يرتقي إلى مستوى جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، ويشكّل تحديًا مباشرًا للنظام القانوني العالمي.
وأما الحرب التوراتية التي يتذرع بها نتنياهو فهي مجرد أداة خطابية للالتفاف على القوانين الوضعية، وذريعة لإحياء مشروع التوسع تحت مظلة صمت دولي وتواطؤ القوى الكبرى.
فأين هي الأقلام القانونية، والصحفية المتخصصة لتفضح مخططات "إسرائيل"؟
وإنَّ غدًا لناظره قريب
16 آب/ أغسطس 2025