أظهرت دراسة علمية حديثة أن استراتيجيتين دوائيتين تبدوان متناقضتين — الأولى تعتمد على تحفيز مستقبل GIP، والثانية على حجب هذا المستقبل — يمكن لكل منهما أن تؤدي إلى تقليل الوزن، ولكن من خلال آليات دماغية مختلفة تمامًا. وتكشف الدراسة كيف يتفاعل كل من النوعين مع مسارات إشارات GLP-1 في الدماغ بطرق فريدة، ما يفتح الباب أمام تطوير أدوية أكثر استهدافا لعلاج السمنة.
- آفاق جديدة لعلاج السمنة عبر مستقبلات GIP وGLP-1
تستهدف الأدوية الحديثة مستقبلات الهرمونات GLP-1 (الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1) وGIP (الببتيد المعتمد على الجلوكوز المحفز للأنسولين)، وقد أثبتت فعاليتها في علاج السمنة والسكري من النوع الثاني. ومن المعروف أن منشطات هذه المستقبلات تحفزها لتحقيق تأثيرات علاجية. غير أن المفاجئ هو أن مضادات مستقبل GIP — أي التي تحجبه — قد تساهم أيضا في فقدان الوزن.
فريق بحثي من مركز هلمهولتز في ميونيخ، بالتعاون مع مركز الأبحاث الألماني للسكري (DZD) وجامعة لودفيغ ماكسيميليان (LMU)، كشف أن منشطات ومضادات مستقبل GIP تؤثر على وزن الجسم وتناول الطعام عبر آليات دماغية مختلفة تمامًا، مما قد يدعم تطوير أدوية أكثر دقة واستهدافا للسمنة.
- آليات مختلفة ولكن النتيجة واحدة: تقليل الوزن
قاد الدراسة البروفيسور الدكتور تيمو مولر من مركز DZD، وأظهرت أن كلا النوعين من الأدوية — المنشطات والمضادات — تعمل من خلال مسارات عصبية متميزة للتأثير على الشهية وتوازن الطاقة. وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature Metabolism، وجاءت بجهود مشتركة من عدة مؤسسات بحثية وشركة الأدوية "إيلاي ليلي".
- الإنكريتينات ودورها في الجهاز العصبي المركزي
تلعب الهرمونات المعوية مثل GLP-1 وGIP دورًا مهمًا في تنظيم مستويات السكر في الدم وعمليات التمثيل الغذائي للطاقة. ويتم إفراز هذه الهرمونات بعد تناول الطعام وتؤدي إلى تحفيز إفراز الإنسولين من البنكرياس (تأثير الإنكريتين). كما أن GLP-1 يثبط إفراز الغلوكاغون، مما يقلل من ارتفاع السكر في الدم، ويبطئ إفراغ المعدة، مما يساهم في الشعور بالشبع.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن لهذين الهرمونين تأثيرات مباشرة على الدماغ، حيث يحد GLP-1 من الشعور بالجوع عبر مراكز الشبع، بينما يؤثر GIP على الشهية من خلال مسارات عصبية أخرى.
- منشطات ومزدوجو التحفيز يساهمون في فقدان الوزن
من المعروف أن منشطات GLP-1 مثل سيماجلوتيد تساعد في تقليل الوزن. ويمكن تحقيق تأثيرات أقوى عند تحفيز مستقبل GIP أيضا، كما هو الحال مع دواء تيرزيباتيد الذي ينشط كلا المستقبلين في آن واحد (مادة متعددة التحفيز). والمفاجئ أن مضادات GIP — التي تحجب المستقبل — قد تؤدي أيضًا إلى تقليل الوزن عند استخدامها مع منشطات GLP-1.
وقد بينت الدراسات السابقة أن منشطات مستقبل GIP تعمل عبر مسارات عصبية مستقلة عن GLP-1، وتحديدًا من خلال الخلايا العصبية التي تفرز الناقل العصبي المثبط GABA. لكن لم يكن واضحًا من قبل كيف تؤثر مضادات GIP.
- كيف تؤثر منشطات ومضادات مستقبل GIP على الدماغ؟
استخدم الباحثون فئرانا معدلة وراثيا تم فيها تعطيل مستقبل GIP في الخلايا العصبية GABA، بالإضافة إلى إجراء تحليل تسلسل RNA أحادي الخلية لفئران طبيعية. وهدفت الدراسة إلى معرفة كيف وأين تؤثر هذه المواد على التمثيل الغذائي للطاقة في الدماغ.
ويوضح البروفيسور مولر: "دراستنا تظهر أن منشطات ومضادات مستقبل GIP تؤديان إلى تقليل الوزن وتناول الطعام، ولكن عبر آليات مختلفة ومستقلة تماما". كما أشار إلى أن تأثير المنشطات يعتمد على وجود إشارة فعالة لمستقبل GIP في الخلايا العصبية GABA، بينما لا تلعب هذه الإشارة دورا في فعالية المضادات.
وأضاف البروفيسور ماتياس تشوب، المدير التنفيذي والعلمي لمركز هلمهولتز ميونيخ: "بالمقابل، فإن تأثير مضادات GIP يعتمد أساسًا على وجود إشارة فعالة لمستقبل GLP-1، في حين أن تأثير المنشطات لا يعتمد على ذلك".
- تحليلات أحادية الخلية تكشف المزيد
أظهرت تحليلات الخلية المفردة أن مضادات مستقبل GIP — وليس المنشطات — تنشط مسارات إشارات مشابهة لتلك الخاصة بمستقبل GLP-1 في الجزء الخلفي من الدماغ، والذي يُعتبر مركزا مهما لتنظيم الشهية وتوازن الطاقة.
ويخلص البروفيسور مولر إلى القول: "بياناتنا تحل أخيرا لغزا في الأبحاث الطبية الحيوية. فرغم أن كلا النوعين من المواد الفعالة يحققان تأثيرات متشابهة، إلا أنهما يعملان في مواقع مختلفة تمامًا داخل الدماغ، مع دور محوري لمستقبل GLP-1 في تأثير مضادات GIP". وتشير النتائج إلى إمكانية تطوير أدوية أكثر دقة تستهدف نظام GIP الدماغي لعلاج السمنة.

