لا تحتاج الولايات المتحدة الامريكية الى الانتصار في الحروب.ما تحتاجه ببساطة هو اغراق الاخرين في الفوضى بحيث لا يمكن لهم اعادة انتاج ما يكفي من القوة بحيث تشكل تحديا لها.سوف يشهد القرن الحادي والعشرون في احد مستوياته سلسلة من المواجهات تخوضها قوى اقل شانا وذلك في معرض محاولتها تشكيل ائتلاف يهدف الى احتواء السلوك الامريكي وعمليات الولايات المتحدة الامريكية العسكرية الهادفة الى التشويش عليها.
د.جورج فريدمان مؤسس ورئيس مجلس ادارة جيوبوليتكال فيوتشرز
×- ان الزلزال الذي ضرب تونس ومصر وليبيا وسورية، خرج عن كل الحسابات المنطقية والاستراتيجيات المعهودة والتوقعات المحسوبة.لعله كان جزءاً من المخطط التقسيمي الجديد ما بعد سايكس بيكو الذي وصفه الكاتب والمؤرخ العربي الكبير محمد حسنين هيكل بدقة بارعة حين قال: (( نحن امام تقسيم جديد لعالم عربي ضاع منه مشروع نظامه،او اضاع هو مشروع نظامه،ولذلك جاء الى فضاء المنطقة من يرسم خرائطها الجديدة،في ظروف جديدة، لها مواصفاتها الجديدة.
×- معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية وقعت في واشنطن في ٢٦ اذار/ مارس ١٩٧٩ في اعقاب اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري انور السادات ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن في ١٧ ايلول/سبتمبر ١٩٧٨.
قال المؤرخ الامريكي يورغن ينسنهاوغن: (( انه بحلول الوقت الذي ترك فيه جيمي كارتر منصبه في ١٩٨١: كان في موقف غريب- فقد حاول ان ينفصل عن السياسة الامريكية التقليدية لكنه انتهى به المطاف الى تحقيق اهداف ذلك التقليد، الذي كان يتمثل في تفكيك التحالف العربي،تهميش الفلسطينيين، وبناء تحالف مع مصر، واضعاف الاتحاد السوفياتي وتامين اسرائيل.
×- تولّى احمد حسن البكر رئاسة الجمهورية في العراق في ١٧ تموز/ يوليو ١٩٦٨ الى ١٦ تموز/ يوليو ١٩٧٩ ثم تولّى صدام حسين رئاسة الجمهورية في العراق في ١٧ تموز/ يوليو ١٩٧٩
×- تولّى حافظ الاسد الذي كان وزير الدفاع وقاد انقلابا عسكريا شارك فيه رئيس الاركان السوري مصطفى طلاسفي ١٦ تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٧٠ وعُيِّن على اثره احمد الحسن الخطيب رئيسا للجمهورية مؤقتا، وصل بعدها الفريق حافظ الاسد الى سدة الحكم في سورية.ثلاثة اقطار عربية، مصر وقاهرة المعز والعراق وبغداد قلعة الرشيد وسورية ودمشق عرين الامويين وقلب العروبة النابض.هذه الاقطار تحمل في احشائها كل التاريخ( العربي الاسلامي )في فترات صعوده وانحطاطه، ونشرت الاسلام والثقافة العربية الاسلامية في مشارق الارض ومغاربها.وفي النصف الثاني من القرن العشرين كان لديها اقوى الجيوش العربية، وكانت دولا يحكمها فرد مستبد وهذا ليس خروجا على القاعدة السائدة في الوطن العربي الممتد من المحيط الى الخليج حيث السلطات الشمولية.لكن الاستثناء المشهود له ولا يستطيع احد انكاره هو ان السلطة المركزية في العراق تحكمت بالثروة الوطنية وسخرتها في البنية التحتية وبناء قاعدة صناعية وجيش قوي واستثمرت في الانسان وبنت الجامعات الراقية والمدارس والمستشفيات وطرق المواصلات وابتعثت المتفوقين في الجامعات وعادوا الى العراق علماءا وخبراء وصار لدى العراق اكثر من خمسة الاف عالم في شتى التخصصات.دخلت العراق مرحلة التصنيع وحققت الاكتفاء الذاتي في كثير من المجالات.
كذلك الامر بالنسبة لسورية رغم قلة الموارد المالية نجح نظام حافظ الاسد بوضع سورية على خريطة الدول ذات الدور المحوري في المنطقة والعالم.وسمح لسورية بان تستقر امنيا وتحمي نفسها اقتصاديا ووفر التعليم المجاني في كل مراحله لابناء سورية وابتعث المتفوقين الى الخارج وعادوا علماء وخبراء وصار لسورية جيش قوي وقاعدة صناعية دون ان ترتب على نفسها اعباء ديون خارجية.هذا في حد ذاته كان انجازا في منطقة تعاني اضطرابات امنية وسياسية واقتصادية.كتبت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها غداة وفاة الاسد عام ٢٠٠٠ : (( انه ضابط الطيران الذي حول سورية من مياه راكدة الى قوة اقليمية محورية مناهة لاسرائيل)).وكما الحال في العراق صار لدى سورية خمسة الاف عالم .
×- وضعت امريكا هذه العواصم الثلاثة في قلب الفوضى الخلاقة التي تهدف الى اول ما تهدف تحطيم جيوشها التي تشكل الحصن المنيع وتقويض اقتصاداتها ومنجزاتها .اتبعت في ذلك الاساليب المناسبة لكل واحدة منها.بالنسبة لمصر التي خرجت من الصراع العربي الاسرائيلي بعد اتفاقيات كامب ديفيد شنت امريكا حربا اقتصادية تمثلت في الخصخصة وباعت القطاع العام بابخس الاسعار وفتحت الاسواق المصرية للمنتجات المستوردة التي اتت على الصناعات الوطنية واغرقت مصر في الديون الخارجية.فمص الضعيفة اقتصاديا لا يمكن ان تشكل تهديدا عسكريا للكيان في حال تغيرت الظروف او ان تلعب دورا اقليميا كما كان.مع ان عقيدة الجيش المصري لم تتغير القائمة على (( ان العدو القومي لمصر هو الكيان الصهيوني)) قامت بالاطاحة بنظام مبارك وجاءت بنظام اداتها الاخوان المسلمين.
اما العراق فقد عملت امريكا وحلفائها في الاقليم بتوريطه في حرب مع ايران دامت ثمانيةاعوام، وبعد ذلك ورطته في غزو الكويت ومن ثم تحريرها على يد التحالف الدولي الذي قادته امريكا، ومن ثم الحصار الطويل الذي تخلله اضطرابات داخلية اهمها انتفاضة البصرة التي اندلعت بعد ١٩ شباط/فبرير ١٩٩٩ اثر اغتيال المرجع الشيعي محمد صادق الصدر وولديه برصاص مجهولين.
خاضت الولايات المتحدة الامريكية في ٢٠ اذار/ مارس ٢٠٠٣ اخر معاركها الكبرى في العقود الاخيرة، حيث شارك مئات الالاف من جنود وضباط الجيش الامريكي مدعومين بقوات دولية بغزو العراق.كانت مهمتهم جميعا اسقاط النظام والدولة في العراق والحصول على اسلحة الدمار الشامل.وبينما تحققت الاولى دون عناء كبير.مر عام تلو عام ولم يعثر احد على تلك الاسلحة بمضي اعوام، اعلن قادة الحرب الامريكية وبشكل واضح(( كنا مخطئين )) ولم تكن هناك اسلحة نووية في العراق.
في المحصلة تم تدمير الجيش العراقي وتهجير علمائهوقتل من رفض الخروج منهم. وتمت لبننة النظام السياسي على اسس طائفية وعرقية حسب دستور بريمر الحاكم العسكري للعراق.
×- بعد الحرب الكبرى على العراق اعتمدت الادارات الامريكية عقيدة المفكر الاستراتيجي زبغنو بريجينسكي القائمة على التخلي عن حروب الجيوش واشعال حروب المجتمعات البشرية عبر الفوضى الخلاقةلتحارب بعضها بعض، ففي هذه الحروب تتم عملية الاستنزاف الذاتي للطاقات وتقطف امريكا والكيان الثمار وتستمر حروب الداخل حتى تصل الى (( النار تاكل بعضها ان لم تجد ما تاكله )).
وظفت امريكااردوغان مخلب الناتو وتنظيم الاخوان المسلمين ربيب بريطانيا العظمى وتفرعاته للقيام بالحرب الداخلية في سورية وهي حرب على الدور والموقع والموقف الداعم للمقاومة.قال السفير الفرنسي السابق ريمبو: (( ان الاخوان المسلمين كانوا منذ البداية خلف التطرف العنيف للشعارات والمطالب من جهة ولرفع مستوى العنف من جهة ثانية )) .وقامت دول البترودولار بتمويل هذه الحرب التي كلفت مئات المليارات من الدولارات.
اما وقد سقطت الدولة، وسقط النظام الى غير رجعة ، قام الكيان بتدمير كل ما لدى سورية من قدرات عسكرية واستحوذت امريكا والكيان على جني الثمار وسيطر الكيان على جبل الشيخ ومحافظات القنيطرة ودرعا والسويداء وسيطر سلاح الجو الصهيوني على الاجواء السورية، ومنعت امريكا تركيا من بناء وتسليح جيش سوري ، واقامة قواعد عسكرية في سورية وحذرتها من المساس بقوات قسد الكردية شرق الفرات ومنعتها من الاقتراب من الساحل السوري، وفوق هذا كله عدم رفع العقوبات حتى تعترف سلطة هيئة تحرير الشام في دمشق بالكيان الصهيوني والتنازل عن الجولان وشرعية وجود الكيان في المحافظات الثلاثة.انجز اردوغان والاخوان المهمة للامريكان والكيان وخرج اردوغان (( من المولد بلا حمُّصْ ))ستبقى دولة قطر تدفع رواتب الموظفين في سورية حتى تقرر امريكا رفع العقوبات.
×- انخرط تنظيم الاخوان الدولي في المشروع الصهيوامريكي من تونس الى مصر وليبيا واليمن والسودان واخيرا سورية.وفتحت شهيته للذهاب الى اخر الشوط ليلتهم الاردن ومصر والسعودية وجعل من الاردن اولويته نظرا لموقعها الملاصق لسورية.واخذ يوظف اذرعه التنظيمية والاعلامية ومنظمات المجتمع المدني وفي مقدمها ال N.G.O ووظف اجهزة الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لشن حملة تبييض لصفحته السوداء الملطخة بدماء الابرياء وراحت تلملم شتات مواقف مثل قتال الاخوان في فلسطين والتصدي للعدوان الثلاثي على مصر والاستشهاد بشهادات ادرعي وبعض الشخصيات الامريكية.هذا لا ينطلي الا على البسطاء من الناس .وتبقى الحقائق الصارخة ان تنظيم الاخوان الشقيق التوام لتنظيم الماسون الدولي الذي اسسته بريطانيا.وهو تنظيم يعمل في الظلام وليس له مواقف واضحة فيما يتعلق بالاحداث التي تعصف في الاقليم ولكنه المحرك ( الدينامو) لالة خراب وتخريب الاوطان.
يبدو ان الفرع الجمهوري في الدولة العميقة في امريكا قرر ان يضع الاخوان في التبريد العميق لحين الحاجة في قادم الايام.
مهندس/ زياد ابو الرجا.

