الوطن العربي من التثبيت الى التفتيت.
مقالات
الوطن العربي من التثبيت الى التفتيت.
م. زياد أبو الرجا
16 أيار 2025 , 21:40 م

            

* بعد الحرب العالمية الثانية ونيل الاقطار العربية استقلالها، وقيام النظام الرسمي العربي وانشاء جامعة الدول العربية.سعت بعض اركانه الى الوحدة والاتحاد،وفشلت في تحقيق ذلك الهدف لاسباب اكثرها ذاتية تتعلق بالخشية من الدخول في عصر الحداثة، الذي يتطلب ثقافة عصريةباسرهاتكون رافعة للتقدم الحضاري الانساني ، والتخلص من كل فكر اخر سواء العدمي الرافض او المتعصب الجامد، او السابح في الغيبيات واللامبالاة السلبي الذي تحرسه وتعتاش عليه السنة الله التي تمشي على الارض والمتحالفة مع اعداء الامة.واسباب موضوعية تتعلق بالمشروع الاستعماري الذي انشأ قاعدته المتقدمة على ارض فلسطين للابقاء على الاقليم، مجزأ سياسيا ومتخلف اقتصاديا.

تم اجهاض مشروع الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريةوشنت اسرائيل عدوان حزيران عام١٩٦٧ لاسقاط المشروع القومي الناصري، فشلت دول المغرب العربي في تاسيس الاتحاد المغاربي .قامت دول الخليج العربية بانشاء مجلس التعاون الذي ضم السعودية، الكويت، البحرين، قطر،الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.بقي هذا المجلس متماسكا حتى الان، ويتمتع مواطنو المجلس بحرية التنقل والاقامة والعمل والنشاط الاقتصادي والتجاري .اي انه صار بمرتبة السوق الخليجية المشتركة.ساعد قيام المجلس في تسريع وتيرة الاستيعاب( Assimilation ) اجتماعيا وثقافيا.تبنت الدول الاعضاء اامواقف السياسية من خلال مؤتمرات القمة الخليجية رغم وجود بعض التباينات.لكن الطموح الخليجي لاصدار عملة خليجية موحدة على غرار اليورو في الاتحاد الاوروبي تم اجهاضها من قبل امريكا التي لا تستطيع التعايش لا مع اليورو ولا مع عملة خليجية موحدة ولا مع اي نظام شبيه اخر لانها لا تريد اي تثبيت وترسيخ للنظام العربي.

* كانت حرب تشرين الاول/ اكتوبر ١٩٧٣جرس الانذار للكيان ورعاته الذي نبههم الى خطر التثبيت.قال هنري كيسنجر : (( يجب ان لا يحدث هذا مرة اخرى )).وخير وسيلة هي العمل على تشتيت اقطار الوطن العربي وزجها في صراعات مع بعضها او مع دول الجوار لانهاكها، توطئة لتفتيتها وخاصة دول الطوق وجواره.

* في اذار/ مارس ٢٠٠٥، اوضح المفكر الامريكي صموئيل هنتغتون للاتراك مصالحهم للعقود المقبلة .ففي محاضرة القاها في اسطنبول قال لهم: (( لا تتعبوا انفسكم من اجل الاستمرار في محاولات الدخول الى الاتحاد الاوروبي،ولا تهدروا الوقت والطاقات بالضغط على الولايات المتحدة، لمساعدتكم في ذلك.الاّ ان لكم مهمة اكبر واهم، نتيجة لتجربتكم السياسية، وتجربة حزب العدالة والتنمية كحزب اسلامي، هي التوجه شرقا لنقل هذه التجربة ومساعدتنا على رسم شرق اوسط جديد)).

جاءت نظرية داوود اوغلوفي صفر- او تصفير- المشاكل مع الجيران، من اجل اقامة افضل العلاقات، والتمدد من خلال القوة الناعمة الاقتصادية والثقافية لتحقيق مكاسب استراتيجية مهمة لمصلحة تركيا.لكنه وقع في الفخ الذي نصبته امريكا حين لجا الى القوة القاسية التي ورطته في الصراعات السياسية والامنية والعسكرية في الاحداث الجارية في العراق وسورية، في الوقت الذي كان فيه الاقليم يشهد تزاحم قواه على من يملا الفراغ الذي تركه خروج مصر من الصراع بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد وقيام الثورة الاسلامية في ايران.

استحضرت تركيا الارث العثماني التاريخي ودخلت في حلبة الصراع في المنطقة مدعومة من رعاة مشروع الشرق الاوسط الجديد، الولايات المتحدة، فرنسا وبريطانيا، وتمويل بعض الدول الخليجية والغطاء العربي الذي قدمته جامعة الدول العربية.تحالفت تركيا مع الماسون الاسلامي ( تنظيم الاخوان المسلمين)وتفرعاته في الاقليم.فتحت تركيا مدنها وفنادقها ومطاراتها وموانئها وحدودها البرية لكل القوى الساعية لاسقاط الدولة السورية وليس النظام فقط.استضافت اسطنبول مؤتمر اصدقاء سورية بقيادة هيلاري كلينتون، وشاركت حركة حماس كاحد اذرع تنظيم الاخوان في مؤتمر اسطنبول بوفد كان على راسه ال...خالد مشعل الذي شاركت حركته مع كل القوى التي انخرطت في الاحداث الدامية في سورية.

كانت تركيا تسعى لان يكون لها الدور الرئيسي في الجغرافيا السياسية للاقليم، وخانها ذكاؤها او تناست ان الدور الاساسي هو للمُشَغِّلِ والمُوَظِّفِ الامريكي والاوروبي.وان تركيا ليست الا مخلبا للنّاتو .ان جوهر الصراع الذي دار في سورية وعلى سورية كان على الموقع الذي تمثله سورية والدور والموقف، وليس على شخص الاسد كما صورته الاجهزة الاعلامية ومنظمة ال N.G.O.

اما وقد سقط النظام وحل محله تنظيم هيئة تحرير الشام الارهابي بقيادة ابو محمد الجولاني ومشاركة كل التنظيمات الارهابية الاخرى التي جيء بها من الايغور والشيشان الذين شاركوا الجولاني في مجازره ضد العلويين مما حفز قسد والدروز على عدم القاء السلاح الذي دعا اليه الجولاني وعدم الثقة به.ما يجري الان في سورية هو التنافس على المحاصصة داخليا واقليميا لكن القول الفصل يبقى للمشغل الامريكي المايسترو الذي قاد جوقة التخريب والدمار.واكثر ما يخيفنا كعرب هو ان سورية الان على مشرحة التفتيت.وكما وقفنا مشلولين امام ما جرى في ليبيا والسودان والعراق واليمن ولبنان فسنكون اكثر عجزا وشللا لما يجري في سورية.والمصيبة الكبرى ان اكثر من يدفع الثمن هو فلسطين وقضيتها العادلة.

مهندس/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري