بين القداسة والسياسة: غزة تحت القصف... وصوت الدعاء ممنوع!
مقالات
بين القداسة والسياسة: غزة تحت القصف... وصوت الدعاء ممنوع!
د. بدور الديلمي
26 أيار 2025 , 22:23 م


بقلم الإعلامية: بدور الديلمي – اليمن

في بقعة من الأرض يُقال إن الدعاء فيها لا يُرد، حيث تطوف الأرواح قبل الأجساد، وحيث ترتفع الأكف إلى السماء طلبًا للرحمة والفرج، كان الفلسطينيون يأملون أن يكون للحرم المكي صوته في وجه المجازر. لكن الصدمة كانت أكبر من أن تُحتمل: منعٌ للدعاء لغزة، اعتقالٌ لحجاجٍ لم يفعلوا سوى رفع كوفيات أو دموع، وصمتٌ رسميٌّ يكاد يكون تواطؤًا مع الظلم.

الحج، أحد أركان الإسلام، يفترض أن يكون موسمًا للوحدة الإسلامية، وتذكيرًا بكسر الطغيان، لكنّه اليوم يبدو كما لو أُعيدت صياغته ليصبح خاليًا من السياسة، من الضمير، ومن الموقف. وكأن الكعبة تحوّلت إلى مزار بلا رسالة.

ما الذي حدث في مكة؟

طوال شهور العدوان الإسرائيلي على غزة، كانت المشاهد من القطاع تُبث لحظة بلحظة: جثث الأطفال، القصف المتواصل، المستشفيات المدمّرة، ومجازر ترتكب أمام كاميرات العالم. في المقابل، كان صوت مكة خافتًا، خاليًا من التنديد أو التضامن. لم يُسمح برفع الدعاء لفلسطين في الحرم، ومنعت السلطات السعودية حتى الأدعية الجماعية التي تشير لغزة، تحت ذريعة "منع تسييس الشعائر". بل إن عدداً من الحجاج تم اعتقالهم أو ترحيلهم لمجرد ارتدائهم الكوفية الفلسطينية، أو رفعهم يافطات صغيرة كتبوا عليها "اللهم انصر غزة".

تحييد الدين... أم تحييد الضمير؟

اللافت في هذه المرحلة أن الحج – كرمز ديني جامع – أُفرغ من مضامينه الثورية والتحررية، تلك التي كانت حاضرة في خطب الوداع النبوية، وفي مفهوم "الأمة الواحدة". تحوّل الحج إلى طقس بلا روح، والبيت الحرام إلى ساحة مراقبة مشددة تُرصد فيها النوايا قبل الكلمات، ويُحاصر فيها الوجدان قبل الأجساد.

منع الدعاء ليس مجرّد قرار إداري؛ إنه مؤشر خطير على محاولة نزع أي بعد مقاوم من الإسلام، ومحاولة صناعة "دين معقّم"، لا يعارض، لا يغضب، لا يناصر، ولا يهمّه من يُقتل ما دام القاتل حليفًا.

من مكة إلى غزة... أين الصوت الإسلامي؟

يتساءل الملايين: كيف يمكن أن تُرتكب كل هذه الفظاعات في غزة، بينما تصمت منابر الحرم؟ هل أصبحت دماء الفلسطينيين أقل شأنًا من اتفاقيات التطبيع؟ وهل صار الوقوف مع الحق جريمة تُحاسب عليها سلطات مكة؟

لماذا لم تُفرد خطبة واحدة، دعاء واحد، وقفة واحدة تليق بجراح غزة؟ أين المؤسسات الدينية؟ أين العلماء؟ أين من يزعمون أن الدين لا يُجزأ؟

الصمت ليس حيادًا... إنه انحياز

ما جرى ويجري في مكة هو انعكاس لتحولات عميقة داخل المنظومة السياسية والدينية الرسمية في المنطقة. صمت الحرم ليس عجزًا عن النطق، بل قرارٌ مقصودٌ بالبقاء على هامش القضايا الكبرى. هذا الصمت لا يُفسَّر إلا كجزء من سياق إقليمي يُعاد فيه تشكيل الإسلام وفق مقاسات لا تُزعج الحلفاء الغربيين، ولا تفضح المطبعين.

لكن غزة لا تنسى...

رغم الحصار والقصف والخذلان، لم تغب غزة عن دعاء الشعوب. الحجاج البسطاء – الذين تم توقيف بعضهم – هم أنفسهم من أبقوا غزة حية في قلوب الملايين. فالكوفية التي اعتُبرت "استفزازًا"، والدعاء الذي عُدّ "خطرًا على الأمن"، كانا صدى لضمير لا يزال يقاوم.

غزة لا تحتاج إلى بيانات إدانة بقدر ما تحتاج إلى مواقف. والمواقف لا تُشترى.

وغزة، وإن منعوا الدعاء لها في الحرم، فستبقى على ألسنة الأحرار في كل العالم.

القداسة لا تعني الصمت...

وإذا مُنع الدعاء في مكة، فإن السماء لا تُغلق أبوابها.

---

وفي الختام،

يبقى السؤال مفتوحًا: هل يجوز أن تُصادر حتى الأكف المرفوعة إلى السماء؟

حين يُمنع الدعاء، وتُعتقل الكوفية، ويُسكَت الضمير... فإن ما يُستهدف ليس فلسطين وحدها، بل معنى الإسلام نفسه.

من مكة إلى غزة، ومن الدعاء إلى الدم، تظل الحقيقة أقوى من الرقابة، ويظل صوت الشعوب أعلى من كل المنع.

كنتم مع التحقيق السياسي الصحفي: "بين القداسة والسياسة: غزة تحت القصف... وصوت الدعاء ممنوع!"

إعداد : الإعلامية بدور الديلمي – اليمن

المصدر: موقع إضاءات الإخباري