في عام 1999 صدر قرار شيخ الأزهر بإلغاء دعم الأزهر الشريف للكتاتيب، وبناء عليه تم إغلاقها لفقدان الدعم والمورد الرئيسي من الدولة..
خليني أحكي لكم حكاية
الكتاتيب هي فكرة عربية لتحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية صدرت منذ عصر الفتوحات والغزوات العربية شرقا وغربا، منذ القرن 7 م، وانتهجت سبل التعليم البدائي القائم على (الحفظ والتلقين والتجويد) لكن مع الوقت تطور دورها لتصبح منصة تكوين معرفي شاملة يقوم بها الشيخ
يعني إيه؟
يعني شيخ الكُتّاب لم يكن مجرد شيخ، بل مشروع فكري متكامل يتحدث في الطب والأحياء والفلك والعلوم التجريبية، ويفتي ضد هذه العلوم جميعا لكونها معرفة زائدة عن الحاجة، أو كما توصف في أدبياتهم (علم لا ينتفع به) وفي سياق آخر (مؤامرات للكفار وأعداء الدين) مثلما كان يصف ابن تيمية علم الكيمياء بالسحر والزندقة..!!
أيضا شيخ الكُتّاب لم يتوقف دوره على التحفيظ والتعليم، بل كان يلقن الأطفال مبادئ وأفكار سياسية مباشرة وغير مباشرة، ولهذا السبب تم إغلاقها من طرف شيخ الأزهر بعد ثبوت دعمها لأفكار الإخوان والجماعات، ولأنها أصبحت وسيلة انتشار جذابة للفكر المتطرف، ولهذا السبب وضع الإخوان الكتاتيب كأولى مطالبهم في برامجهم السياسية الانتخابية عامي 2000 و 2005 حيث وضع المستشار مأمون الهضيبي عودة الكتاتيب على رأس برنامج الإخوان سنة 2000 وخلال عام 2004 حدث نفس الشئ أن طالب المرشد الإخواني محمد مهدي عاكف بعودة الكتاتيب..
طب ليه الإخوان مُصرين على عودة الكتاتيب بهذا الشكل؟
الجواب لأنها نقطة قوة دينية واجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة، توفر فرص عمل لعناصرهم من جهة، وتعطي لأفكارهم أفضلية في الانتشار من جهة ثانية، وتكسبهم حظوة اجتماعية كبيرة من جهة ثالثة يقدرون من خلالها التحكم في المجتمع بالريموت كنترول..
كانوا يُلقنون الأطفال في كتاتيبهم كلام ومبادئ حسن البنا وسيد قطب وابن تيمية، ويعظمون جدا من كلام شيوخ الوهابية أبرزهم سلمان العودة، فضلا عن نشر أفكار الغزالي والقرضاوي وغيرهم..
يعني الكتاتيب بالنسبة للإخوان كانت (كنز) أو (بيضة دهب) ستنتج لهم ثروة اجتماعية واقتصادية ودينية كبيرة، في استغلال مباشر لطبيعة عمل الكتاب في التعصب وتلقين الأفكار القديمة، والوسائل البدائية في التعليم..
لكن كل هذا شئ وما سيلقاه مشروع عودة الكتاتيب شئ آخر:
أولا: الكتاتيب لم تعد تحقق عامل الجذب أو الكفاءة أمام نظم التعليم المتطورة كالمدارس والمعاهد والكليات، بل لم تعد تنافس أٌقرانها من الحضانات ومدارس الأطفال.
ثانيا: قيامها على تدريس اللغة العربية التي لم تعد مطلوبة في التوظيف والترقي، وصار الإلمام باللغات الأجنبية شرطا للتوظيف والترقي، يعني هتصرف فلوسك على لغة مش هتقبض منها جنيه واحد..وهذا يكفي لانصراف الناس عنها، ولا تجذب سوى بعض الدراويش والعاطلين عن العمل.
ثالثا: انصرف الناس عن الكتاتيب أواخر التسعينيات مع غزو (الدش والإنترنت) واكتساح المعلومات والبرامج المجانية سبل التعليم والترفيه، بالتالي الناس لم تعد بحاجة لكُتاب.
رابعا: بعد ظهور تطبيقات المحمول والذكاء الاصطناعي صار الكُتاب خارج سياق الزمن، وكل من يدعو إلى عودته منفصم عن الواقع، الذي يشهد غزوا معرفيا وتعليميا ليس له مثيل، وهو الأكثر جذبا بين كل وسائل التعليم، وبالطبع فالكتاتيب بصفتها أدنى تلك الوسائل فهي مشروع فاشل قبل أن يبدأ.
خامسا: الحضانات ومدارس الأطفال عمليا تقوم بعمل الكتاتيب، وكل ما تريد زرعه في عقول وقلوب الأطفال هذه الحضانات والمدارس تقوم به، فلا داعي لإنفاق مليارات (تذهب هباءا منثورا) على مشروع فاشل من بدايته.
سادسا: الكتاتيب لا تهتم باختيار وتدريب شيخ الكتاب، حيث يجب توفر فيه مهارات التعامل مع الأطفال كالمرح وسعة الصدر والذكاء والصبر والانفتاح وخلافه، وأغلبية مشايخنا - كتر خيرهم - ضيقي الصدر أمام الرأي المختلف، وهم أشخاص جادون للغاية ويعتقدون أن المرح والضحك يذهب الوقار، بالتالي إنت أمام شيخ هيضرب الأطفال، وأولياء الأمور لن يغامروا بمستقبل أطفالهم بالطبع.
سابعا: مصر ليست بحاجة لكتاتيب لمواجهة الفكر المتطرف، بل تحتاج إلى قصور الثقافة والفنانين والمفكرين والشباب الباحثين ومؤثرين السوشيال ميديا، تحتاج لمهارات إبداعية لكشف وتعرية الفكر المتطرف كما فعل باسم يوسف مثلا، والذي يعتبر أوضح مثال لضعف المتطرفين فكريا، وأن مبدع حقيقي واحد يمكنه إسقاط دولة متطرفين كاملة..
ودمتم

