شهدت معدلات الخصوبة لدى الرجال انخفاضا حادا خلال العقود الخمسة الماضية، حيث أظهرت تحاليل منذ عام 1992 انخفاضا مستمرا في عدد وجودة الحيوانات المنوية منذ أربعينيات القرن الماضي، وتشير دراسة حديثة إلى ارتفاع معدلات العقم الذكوري بنسبة تقترب من 80% بين عامي 1990 و2019.
ورغم أن الأسباب الدقيقة لهذا التراجع لا تزال غير معروفة، فإن السمنة، وسوء التغذية، والسموم البيئية، تُعد من العوامل المشتبه بها على نطاق واسع، ومع ذلك تُغفل العدوى الطفيلية أحيانا كعامل محتمل في التأثير على الخصوبة، ومن بينها عدوى التوكسوبلازما غوندي التي تشير الأدلة المتزايدة إلى دورها المباشر في التأثير على الحيوانات المنوية.
- كيف تُصاب بعدوى التوكسوبلازما؟
ينتقل هذا الطفيلي أحادي الخلية بطرق متعددة، ما يفسر إصابة ما بين 30% إلى 50% من سكان العالم به. تشمل أبرز طرق العدوى:
ملامسة براز القطط المصابة، خاصة في صناديق الفضلات أو الحدائق.
تناول مياه ملوثة، أو محار بحري نيء، أو فواكه وخضروات غير مغسولة.
استهلاك لحوم غير مطبوخة جيدًا تحتوي على أكياس نسيجية للطفيلي.
في أغلب الأحيان، لا يُظهر المصابون أعراضا واضحة، ولكن تبقى الطفيليات في الجسم مدى الحياة في شكل أكياس نسيجية خامدة في الدماغ والقلب والعضلات، وقد تُعاد تنشيطها مسببةً أمراضا خطيرة في المستقبل.
- التوكسوبلازما واستهداف الجهاز التناسلي الذكري
يُظهر الطفيلي قدرة على الانتشار إلى جميع أعضاء الجسم، بما في ذلك الأعضاء التناسلية. وقد ظهرت أولى الأدلة على إصابة الخصيتين بهذا الطفيلي خلال ذروة وباء الإيدز في ثمانينيات القرن الماضي.
ورغم أن المرضى ضعيفي المناعة هم الأكثر عرضة لهذه الإصابة، فإن الدراسات على الفئران أظهرت أن الطفيلي يمكن أن يصل إلى الخصيتين خلال يومين فقط من الإصابة، إلى جانب الدماغ والعينين، كما تم رصد أكياس الطفيلي في غدة البروستات لدى الفئران، ورُصد وجوده في السائل المنوي للحيوانات، بل والبشر، مما يثير احتمال انتقاله جنسيا.
- تأثير مباشر على الحيوانات المنوية البشرية
في دراسة نُشرت في أبريل 2025، أجرى باحثون من ألمانيا وأوروغواي وتشيلي تجارب أظهرت أن الحيوانات المنوية البشرية التي تتعرض مباشرة لطفيلي التوكسوبلازما تفقد رؤوسها خلال دقائق، وبعد خمس دقائق فقط من التعرض، قُطع رأس 22.4% من الخلايا المنوية، وازداد هذا الرقم مع طول مدة التعرّض.
كما أظهرت التجربة أن الحيوانات المنوية السليمة تعرضت لتشوهات واضحة، وثُقب في رؤوس بعض الخلايا، ما يشير إلى محاولة الطفيلي غزوها كما يفعل مع الخلايا الأخرى في الأعضاء المصابة.
علاوة على ذلك، فإن العدوى المزمنة بالتوكسوبلازما تُسبب التهابات مستمرة في الجهاز التناسلي، مما يضر بإنتاج الحيوانات المنوية ووظيفتها.
- ارتباط محتمل بالعقم الذكوري
أشارت دراسة صغيرة أُجريت في براغ عام 2021 شملت 163 رجلا مصابا بالتوكسوبلازما، إلى أن 86% منهم يعانون من اضطرابات في السائل المنوي. كما أظهرت دراستان أُجريتا في الصين عامي 2002 و2005 أن الرجال المصابين بالتوكسوبلازما أكثر عرضة للعقم مقارنة بغير المصابين.
ورغم أن بعض الدراسات لم تجد علاقة قوية بين الإصابة بالتوكسوبلازما وجودة الحيوانات المنوية، فإن تراكم الأدلة يشير إلى ضرورة عدم إغفال هذا الطفيلي كعامل مؤثر في خصوبة الرجال.
- الوقاية من التوكسوبلازما: إجراءات بسيطة لكنها فعالة
رغم أن الإصابة بأعراض واضحة نتيجة وجود الطفيلي في الخصيتين تبقى نادرة، فإن الوقاية تبقى الخيار الأمثل، خاصةً للنساء الحوامل والمصابين بضعف في المناعة.
للتقليل من خطر الإصابة:
العناية الجيدة بالقطط وتنظيف صندوق الفضلات يوميا.
غسل اليدين جيدا بعد التعامل مع الحيوانات أو التربة.
غسل الفواكه والخضروات قبل تناولها.
طهي اللحوم لدرجات حرارة مناسبة.
تجنب تناول المحار النيء، والماء غير المعالج، والحليب غير المبستر.
في ظل التراجع المستمر في خصوبة الذكور عالميا، من الضروري الانتباه إلى العوامل غير التقليدية مثل الطفيليات، خاصة التوكسوبلازما. ورغم الحاجة إلى مزيد من الدراسات واسعة النطاق لتأكيد العلاقة المباشرة بين هذا الطفيلي والعقم، فإن المعطيات الحالية تفرض توخي الحذر، والالتزام بإجراءات الوقاية، خاصة مع انتشاره الواسع وإمكانية تأثيره المباشر على صحة الجهاز التناسلي الذكري.



