لطالما اعتقد العلماء أن التيارات المحيطية الكبيرة هي المحرك الرئيسي لتنظيم مناخ الأرض، إلا أن دراسة جديدة نُشرت في مجلة Nature كشفت أن هناك عوامل أكثر خفاءً، لكنها شديدة التأثير، تتمثل في دوامات محيطية صغيرة الحجم تتراوح أقطارها بين بضع كيلومترات إلى مئات الكيلومترات، وعلى الرغم من صغر حجمها النسبي، فإنها تؤدي دورا حيويا في الديناميات المناخية.
- SWOT: قمر صناعي يكشف ما كان غير مرئي
أتاحت هذه الاكتشافات بفضل القمر الصناعي الجديد SWOT (دراسة تضاريس المياه السطحية والمحيطية)، الذي أُطلق ضمن مهمة دولية مشتركة بين وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) والمركز الوطني الفرنسي للبحوث الفضائية (CNES). وللمرة الأولى، تمكن العلماء من رصد هذه التيارات المحيطية الصغيرة بدقة فائقة من الفضاء، مما مكّنهم من دراسة تأثيراتها على المناخ العالمي بصورة غير مسبوقة.
- دوامات تشبه الأنهار ولكنها أقوى آلاف المرات
تشبه هذه الدوامات المحيطية الصغيرة، المعروفة علميًا باسم الدوامات دون الميزوسكوبية (Submesoscale Eddies)، تلك التي تتشكل خلف الصخور في الأنهار، لكنها أضخم وأقوى بكثير. وهي تنقل الحرارة والمغذيات والطاقة بين طبقات الماء المختلفة، مما يسهم في تشكيل صورة معقدة لتفاعلات المحيط مع الغلاف الجوي.
- ثورة علمية في مراقبة المحيطات
حتى وقت قريب، لم يكن بمقدور العلماء تتبع هذه الدوامات من الفضاء. غير أن القمر الصناعي SWOT، المزوّد بمقياس تداخل راديوي يعمل ضمن نطاق Ka، يمكنه قياس تغيرات مستوى سطح البحر بدقة تصل إلى المليمتر، وتتيح هذه البيانات للعلماء تتبع أصغر التيارات المحيطية وأكثرها خفاء، ودراسة هيكلها الديناميكي بدقة غير مسبوقة.
- الطاقة الخفية: مساهمات غير متوقعة في الظواهر المناخية
يقول البروفيسور جينيو وانغ، الأستاذ المشارك في علم المحيطات بجامعة تكساس A&M:
"كنا نعلم بوجود هذه التيارات، لكن كمية الطاقة التي تحملها فاقت كل التوقعات. فهي تنقل حرارة وطاقة تفوق ما كنا نعتقد، وتلعب دورا أساسيا في تشكيل ظواهر مناخية مثل النينيو والنينيا."
- مشروع SWOT: 20 عاما من التعاون العلمي والهندسي
يُعد مشروع SWOT نتيجة شراكة استمرت 20 عاما بين وكالات الفضاء الأمريكية والفرنسية والبريطانية والكندية. وقد مثّل إطلاق القمر الصناعي إنجازا هندسيا بارزا، حيث يعمل بدقة تفوق التوقعات الأولية بأربع مرات، واليوم يعتمد العلماء على البيانات التي يوفرها هذا القمر الصناعي لتحسين النماذج المناخية العددية، ورفع دقة التنبؤات الجوية، وخاصة ما يتعلق بالأعاصير والتغيرات البيئية المتسارعة.
- الاستنتاج: عالم محيطي جديد ينكشف أمام العلم.
يفتح هذا الاكتشاف آفاقا جديدة لفهم العلاقة بين المحيطات والغلاف الجوي. وبفضل البيانات التي يقدمها القمر الصناعي SWOT، لم تعد التيارات الصغيرة مجرد تفاصيل هامشية، بل تحوّلت إلى مكونات رئيسية في معادلة المناخ العالمي، وربما تحمل هذه "العوامل الخفية" مفاتيح مهمة لفهم مستقبل الأرض في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.



