كشف باحثون من جامعة غرونينخن الهولندية عن تأثير خطير لعادات النوم المتأخرة على الصحة العقلية، خاصة لدى الأشخاص الذين يُعرفون باسم "بومة الليل"، أي أولئك الذين يفضلون السهر حتى ساعات متأخرة من الليل.
وأظهرت الدراسة، التي قادتها الباحثة آنا وينزلر، أن الأفراد الذين يتبعون نمط الحياة الليلي يعانون من تدهور إدراكي أسرع بكثير مقارنة بمن يستيقظون باكرًا، والذين يُعرفون بـ "الطيور المبكرة"، وقد شمل التحليل بيانات ما يقارب 23800 مشارك، منهم 5% فقط صنفوا على أنهم "بومات ليلية".
لكن المفاجأة الأكبر لم تكن في توقيت النوم فحسب، بل في السلوكيات غير الصحية المصاحبة لهذا النمط من الحياة، والتي اعتُبرت العامل الرئيسي في تسريع شيخوخة الدماغ.
فبحسب الدراسة، فإن محبي السهر غالبا ما يميلون إلى التدخين المفرط، وتناول الكحول، والإهمال في ممارسة التمارين الرياضية، وهي جميعها عوامل معروفة بتأثيرها السلبي على صحة الدماغ، وتساهم في تدهور القدرات الإدراكية بشكل ملحوظ، بل إن الفرق في التدهور المعرفي قد يصل إلى ما يعادل عشر سنوات كاملة مقارنة بالأشخاص الذين يتبعون نمط حياة صباحي.
وتشير النتائج إلى أن هذا التأثير يكون أكثر وضوحا بين الأفراد من ذوي التعليم العالي، ويرجع ذلك إلى التناقض المزمن بين الساعة البيولوجية لهؤلاء الأشخاص ومتطلبات العمل الصباحي، مما يؤدي إلى حرمان مستمر من النوم، ويُعد هذا الحرمان عاملاً حاسمًا، حيث أن الدماغ يعتمد على النوم العميق للقيام بعمليات حيوية مثل إزالة السموم وتثبيت الذكريات.
ومع ذلك، يؤكد الباحثون أن هذه الآثار السلبية قابلة للتخفيف. إذ يمكن لمن يتبعون نمط "بومة الليل" أن يحدّوا من مخاطر التدهور العقلي من خلال تحسين جودة النوم، والإقلاع عن التدخين، وممارسة النشاط البدني بانتظام، وتجنب تناول الكحول. فتغيير العادات الصحية، حتى دون تغيير النمط الزمني للنوم، يمكن أن يشكل حماية فعالة ضد الشيخوخة الدماغية المبكرة.
وتأتي هذه الدراسة لتسلط الضوء مجددا على أهمية التوازن بين السلوك اليومي والصحة العقلية، وتدعو إلى إعادة النظر في أنماط النوم التي اعتاد عليها الكثيرون دون إدراك لعواقبها طويلة الأمد.



