تجاعيد الدماغ ليست مجرد طيات
منوعات
تجاعيد الدماغ ليست مجرد طيات
7 حزيران 2025 , 19:18 م

تُعد الطيات والانثناءات في الدماغ البشري – المعروفة علميا باسم "الأخاديد الدماغية" (sulci) – أكثر تعقيدا من أي دماغ في المملكة الحيوانية، وقد كشفت دراسة علمية جديدة أن هذا التعقيد مرتبط مباشرة بمستوى الاتصال العصبي وقدراتنا على التفكير المنطقي.
- ما علاقة تجاعيد الدماغ بالذكاء؟
قاد فريق من جامعة كاليفورنيا في بيركلي (UC Berkeley) دراسة شملت 43 شابا، ركّزت على فحص شكل الدماغ ونشاطه العصبي، وخصوصا منطقتي القشرة الجبهية الجانبية (LPFC) والقشرة الجدارية الجانبية (LPC)، وهما منطقتان مسؤولتان عن الاستدلال العقلي والوظائف المعرفية العليا.
وتركّز البحث على الأخاديد الصغيرة في الدماغ والمعروفة بالأخاديد الثلاثية (tertiary sulci)، وهي آخر ما يتكوّن خلال نمو الدماغ، وقد أراد العلماء فهم كيفية ارتباط هذه الأخاديد الدقيقة بقدراتنا الإدراكية.
- البنية تعني الكفاءة
أظهرت نتائج الدراسة أن لكل أخدود نمطًا مميزًا من الاتصال العصبي، وأن الشكل الفيزيائي لبعض هذه الأخاديد يرتبط بمستوى تواصل المناطق الدماغية – حتى تلك البعيدة عن بعضها.
يشرح عالم الأعصاب كيفن وينر من جامعة بيركلي:
"نظريتنا تقول إن تكوّن الأخاديد يؤدي إلى تقصير المسافات بين المناطق المتصلة في الدماغ، مما يعزز الكفاءة العصبية، وبالتالي يفسر اختلافات الأفراد في القدرات الإدراكية."
وتأتي هذه الدراسة امتدادا لأبحاث سابقة نُشرت عام 2021 أظهرت أن عمق بعض الأخاديد يرتبط مباشرة بقدرة الفرد على التفكير المنطقي.
من المدهش أن ما بين 60% إلى 70% من القشرة الدماغية (الطبقة الخارجية من الدماغ) مخفية داخل هذه الأخاديد. والأسلوب الذي تتشكل به هذه التجاعيد يختلف من شخص إلى آخر، كما أنه يتغير مع التقدم في العمر.
تقول العالمة سيلفيا بونغي من جامعة بيركلي: "على الرغم من أن الأخاديد يمكن أن تتغير خلال النمو – تصبح أعمق أو أضيق، وتتكثف فيها المادة الرمادية أو تقل – فإن التكوين الأساسي لهذه الأخاديد يعتبر فرقا فرديا ثابتا، من حيث الحجم والشكل والموقع، وحتى الوجود أو الغياب لبعضها."
- هل سنمتلك "خريطة دماغية" شخصية مستقبلا؟
قام الباحثون بتطوير نماذج متقدمة يمكنها تحديد موقع وشكل الأخاديد بدقة عالية، مما يمهد الطريق نحو استخدام هذه الخرائط الدماغية في المستقبل، لمراقبة تطوّر الدماغ عند الأطفال أو حتى رصد العلامات المبكرة للاضطرابات العصبية.
لكن كما يُشير الباحثون، فإن طول وعمق الأخاديد ليسا العاملين الوحيدين في تحديد القدرات المعرفية، فهناك العديد من العوامل الأخرى البيولوجية والبيئية.
وتؤكد بونغي: "الوظيفة الإدراكية تعتمد على تباين واسع في الخصائص التشريحية والوظيفية. وما نعرفه أيضًا هو أن التجارب الحياتية – مثل جودة التعليم – تلعب دورا قويا في تشكيل المسار المعرفي للفرد، وهي قابلة للتغيير حتى في مرحلة البلوغ."
لم تعد تجاعيد الدماغ مجرد طيات لا وظيفة لها، بل أصبحت مفتاحا لفهم الفروق الفردية في الذكاء والإدراك. مع تطور الأبحاث، قد نصل يوما إلى مرحلة يمكننا فيها قراءة الدماغ كما نقرأ البصمات، وتوقّع مستقبله المعرفي بدقة.

المصدر: sciencealert