أطلقت شركة أمريكية تدعى "نيوكليوس جينومكس" نظاما جديدا يتيح للآباء المستقبليين اختيار الأجنة بناءً على تحليل شامل للصفات الوراثية، في ما يشبه "التصميم الجيني المسبق". ويعتمد هذا النظام على تحليل الحمض النووي لتحديد المخاطر الصحية المحتملة والصفات الشخصية المستقبلية، بما يشمل الذكاء، والطول، ولون العينين.
ويصف مطورو التقنية ابتكارهم بأنه ثورة في مجال الطب الوقائي، حيث يمكن للآباء اختيار الأجنة الأكثر صحة وملاءمة، مما يقلل من فرص الإصابة بأمراض خطيرة مثل السكري، السرطان، والزهايمر.
- خرائط طريق جينية: من الوقاية إلى التنبؤ بالسمات
تعتمد التقنية على تحليل الحمض النووي لما يصل إلى 20 جنينا في المرة الواحدة، مع تقييم مخاطر الإصابة بأكثر من 900 حالة مرضية وراثية. ولا تقتصر النتائج على التشخيصات الصحية فحسب، بل تمتد لتشمل توقعات حول القدرات الذهنية والخصائص الجسدية، في ما يبدو أقرب إلى "خريطة جينية" تفصيلية لكل جنين.
ويقول علي ساديجي، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، إن الدافع وراء هذا المشروع جاء من تجربة شخصية مؤلمة تمثلت في وفاة ابن عمه نتيجة مرض وراثي كان من الممكن تفاديه لو تم اكتشافه مبكرًا. ويضيف:"هدفنا هو تمكين الآباء من اتخاذ قرارات واعية تتحكم في المصير الصحي لأطفالهم."
- تحذيرات أخلاقية: بين الحق في الاختيار وخطر التمييز
ورغم الآمال الطبية الكبيرة التي تحملها هذه التقنية، فإنها تثير مخاوف أخلاقية عميقة في الأوساط الأكاديمية والطبية. فالخطر، بحسب الخبراء، يكمن في تحويل الإنجاب من عملية طبيعية إلى مشروع صناعي يعتمد على المعايير الوراثية، مما يفتح الباب لما يسميه البعض "التمييز الجيني".
وتعبّر الدكتورة باولا أمايتو، أخصائية الخصوبة في جامعة أوريغون للصحة والعلوم، عن قلقها قائلة: "عندما نبدأ بتصنيف الأجنة بناءً على مؤشرات الذكاء أو الجمال، فإننا نُخاطر بتقليص قيمة أنواع معينة من الأطفال."
ومع ذلك، تؤكد أن القرار النهائي يظل بيد الأبوين: "هذا من اختصاصهم.. لن أمنعهم، ولكننا بحاجة إلى حوار مجتمعي شامل."
- تكلفة باهظة وتحليل دقيق ... ولكن ليس تشخيصا قاطعا
تُقدَّم هذه الخدمة بتكلفة تصل إلى 5999 دولارا، وتشمل استشارات مع مختصين في الوراثة لمساعدة الأبوين على فهم النتائج المعقدة، كما أبرمت الشركة شراكة مع مؤسسة "جينوميك بريديكشن"، التي أجرت اختبارات على أكثر من 120 ألف جنين، مع تركيز متزايد على تقييم الأمراض متعددة الجينات باستخدام ما يُعرف بـ"درجات المخاطر الجينية".
لكن النقاد يشيرون إلى أن هذه التقييمات إحصائية وغير قطعية، إذ لا يمكنها تقديم تشخيص أكيد بل فقط تقديرات احتمالية.
- مستقبل امتلاك الصفات الوراثية: خطوة نحو مجتمع "مُحسّن جينيا"؟
هذه المبادرة ليست الوحيدة في هذا الاتجاه، فقد بدأت شركات أخرى مثل "أوركيد هيلث" بالتركيز على اختبارات جينية ترتبط بإطالة العمر، مما يعكس اتجاها متزايدا في قطاع التكنولوجيا الحيوية نحو الوقاية الوراثية المبكرة.
ومن اللافت أن مؤسس "نيوكليوس جينومكس" بدأ العمل على مشروعه من قبو منزل والديه خلال جائحة كوفيد-19، ليتحول لاحقًا إلى أحد أبرز الوجوه في مستقبل الطب الشخصي.
- هل يمكن للعلم أن يختار مصير الإنسان؟
مع تسارع الابتكارات الجينية، يبقى السؤال الأهم والأكثر حساسية: إلى أي حد ينبغي أن نسمح للعلم بالتدخل في تشكيل الأجيال القادمة؟
بينما يرى البعض أن هذه التقنية تمثل أملا طبيا واعدا، يحذر آخرون من مخاطرها الأخلاقية والاجتماعية التي قد تُفضي إلى واقع لا يُقدَّر فيه الأطفال إلا بقدر جيناتهم.


