كتب الأستاذ حليم خاتون:
"نلف نلف، وبردو ندور؛ الحرب سجال، داير على طول"...
الشيخ إمام...
نعم نحن هُزمنا؛ رغم البطولات في الميدان، هُزمنا...
لا ضرورة لتخوين هشام حداد؛ هو يقر بأننا هُزمنا وإن كان لا يدري إن هزيمتنا هي قبل كل شيء، هزيمة كل لبنان، بما في ذلك شارل جبور وطوني أبو نجم إلا إذا كان الجماعة يتوقعون قبولهم في التهود والتصهين...
هزمنا على الأقل مرحليا؛ الحرب لم تنته...
هُزمنا من داخل لبنان وسوريا رغم انتصارنا التاريخي على حدود فلسطين...
هُزمنا من قِبل الأتراك والخليج والسلفيين والإخوان المسلمين رغم اننا أظهرنا من الشجاعة في وجه إسرائيل ما لم تعهده إسرائيل منذ انشائها من كل العرب، وبالأخص، من السُنّة العرب (تعبير مقيت، لكن محق)...
هُزمنا من قِبل العالم الإسلامي رغم مناصرتنا لشعب أغلبه من الأغلبية السُنّية المسلمة التي لا تأبه لا لأهل فلسطين، ولا للأمة...
توقفنا عن مواصلة القتال لأن خبرا وصل أن حشود إردوغان وكلاب السلفية والإخوان التي أدارت ظهرها لفلسطين تتجمع لاجتياح لبنان بعد سوريا...
اليوم،
الكل (ناطر)، الكل ينتظر...
حزب الله ناطر؛ إيران ناطرة؛ تركيا ناطرة؛ تركيا تدفع من حساب سوريا وليس من حسابها هي؛ روسيا، بلا "صغرى" ناطرة؛ وإن كانت وتيرة الحرب في أوكرانيا سوف تعلو بعد فضيحة الهجوم على القواعد في سيبيريا الذي وقفت وراءه حسب آخر المعطيات بريطانيا وألمانيا الغاضبتان من قيام ترامب ونتنياهو ببيع أوكرانيا لروسيا مقابل مكتسبات لأميركا واسرائيل حصرا، وعلى حساب الأوروبيين...
حتى الصين ناطرة...
في الشرق الأوسط؛ أميركا هي من يحارب...
عسكريا، تحارب أميركا بالإسرائيلي؛ اقتصاديا، تتخبط أميركا مع ترامب الذي لا يعرف ما العمل لإعادة السيطرة الأميركية على العالم كما كانت قبل نهوض الصين...
بايدن كان قد ذهب إلى الهند وتبنى طريق الهند عبر الخليج واسرائيل في محاولة لضرب طريق الحرير الصيني؛ ترامب يعرف ان هذا هراء لأن على أميركا في هذه الحالة مواجهة الهند بعد بضع سنوات؛ لكن الدولة العميقة في اميركا تريد ذلك من اجل إسرائيل...
اميركا هي من ساعد على نهوض الصين لضرب الاتحاد السوفياتي؛ نجحت الخطة إلى حد ما؛ لكن بدل مواجهة العملاق الروسي الأبيض الأشقر، هم يواجهون الآن المارد الصيني الأصفر الذي لطالما حذرهم نابليون من إيقاظه يوما...
عودة إلى منطقتنا؛
من المؤكد أن هذه الحرب لم تنته؛ هي لن تنتهي...
لقد قضى يحي السنوار على المشروع الأميركي/ العربي لإنهاء القضية الفلسطينية...
جُنّ جنون محمد بن سلمان؛ حاول إقناع الاسرائيليين بتحسين وضع الفلسطينيين المعيشي لقاء التطبيع إلى أن فاجأ يحي السنوار العالم بطوفان الأقصى الذي يستحق هذا الإسم عن جدارة...
لقد جرف هذا الطوفان صفقة القرن التي كانت سوف تمشي بتمويل خليجي و"دعسة" على رقبة مصر والأردن...
جرف كل خطط التطبيع المجاني حتى أُضطرت السعودية إلى العودة للحديث عن حل الدولتين الذي هو في الأساس ذو أب وأم إسرائيلية...
حل الدولتين ظهر في السبعينيات من القرن الماضي حين كان هناك نضال فلسطيني يخطف طائرات الغرب، وكارلوس يهاجم ويأخذ مؤتمر أوبيك في فيينا رهينة لتمويل المقاومة والاعتراف بالحقوق الفلسطينية؛ في ذلك الزمن أيضا، أرسل الجيش الأحمر الياباني كوزو أوكاموتو مع رفيقين فتحوا النار في قلب مطار اللد وأردوا أكثر من ٢٦ إسرائيليا وسائحا؛ يومها كان الدكتور وديع حداد هو قائد الفيلق الأممي (قبل نشوء محور المقاومة)...
فكّر تيار اليسار الصهيوني بإطلاق فكرة حل الدولتين الذي كانت إسرائيل ظنت بعد ال٤٨ انها دفنته إلى الأبد؛
من جهة، هذه الفكرة تفرمل النضال الفلسطيني وتعمل على شق الصفوف في منظمة التحرير، وهذا بالضبط ما حصل؛ ومن جهة ثانية، فكر هذا اليسار بطريقة للتخلص من النمو الديموغرافي للفلسطينيين في داخل الكيان؛ كانت الخطة تشكيل كيانات مسخية في الضفة وغزة تشبه مناطق البانتو التي كان نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا يجمع فيها السود الذين يسببون وجع رأس لأشباه النازيين البيض...
باختصار، إسرائيل وأمريكا تعرفان إن إنهاء الحرب بغير القضاء الكامل على القضية الفلسطينية سوف يضع كل المشروع الصهيوني على طريق الزوال...
الاسرائيلي يهرب إلى الأمام، ومعه الأميركي...
جنوب لبنان، وجنوب سوريا هما تمددان يوسعان نطاق الصراع دون وجود قوة إسرائيلية وعديد بشري كافِِ للسيطرة؛ الجولاني غير قادر على ضبط الأمور كما تشتهي اسرائيل رغم انه يحاول ويريد...
لا يعني ذلك أن عدم نجاح الخطة الإسرائيلية أمر حتمي...
أغبياء السلفية والإخوان المسلمين قادرون على إنقاذ إسرائيل حتما...
التطور التقني الأميركي، والذكاء الصناعي يستطيع تأمين تفوق عسكري، لكنه لا يستطيع تأمين احتلال استعماري استيطاني قادر على منع نشوء مقاومة...
الرسالة التي وصلت إلى أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم من السيدة التي عاشت رعب قصف الضاحية لكنها رغم ذلك، عاهدت الشيخ على الوقوف وراء الحزب ظالما كان أم مظلوما؛ هي نفس الرسالة التي وصلت مساء السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ من الإعلامي الاستاذ عمرو ناصيف إلى السيد الشهيد حسن نصرالله تتعهد الوقوف وراء الحزب سواء قرر الدخول في الحرب أو قرر العكس...
آلاف الرسائل المشابهة وصلت إلى قيادة المقاومة عشية الثامن من أكتوبر؛ وآلاف الرسائل وصلت بعد دخول وقف النار من جانب واحد في واقع الأمر...
الكثيرون فهموا أن قرار قيادة حزب الله فرضه الميدان الذي لا يرحم من يتردد طيلة سنتين بين الحرب الشاملة وحرب الخطوة خطوة...
الحقيقة المرة هي ان القيادة مثلها مثل البيئة لم يصل مستوى النضج فيها إلى إدراك حتمية فتنمة الصراع إذا أُريد لهذه الأمة أن تنتصر...
لا يريد المرء إعطاء أي تبرير لوقف الحرب...
رغم كل الخيانات الوطنية والدينية، يجب عدم استسلام أي فرع من فروع الأمة بهذه الحجة او تلك...
القول أن الأقلية في الأمة لا تستطيع القتال وحدها فيه الكثير من عدم الصحة...
جوزيف بروز تيتو كان من الأقلية الكرواتية في يوغوسلافيا حيث يشكل الصرب أكثرية؛ رغم ذلك، نجح في قيادة المقاومة الشيوعية للنصر على الاحتلال النازي...
القيادة منذ السيد موسى الصدر وصولا إلى السيد نصرالله رفعت شعار "إسرائيل شر مطلق" دون الالتفات إلى مدى عمق مفهوم هذا الشعار...
عندما نقول ان إسرائيل غدة سرطانية يجب اقتلاعها؛ هذا يعني تلقائيا أن الحرب مع إسرائيل هي واجب فرض عين على كل من يريد تحرير هذه الأمة...
في النهاية ما حصل قد حصل...
انتصر الناتو على حزب الله في لبنان وازدادت سيطرة جماعة أميركا على شؤون السلطة...
جيء برئيس للجمهورية التزم على ما يبدو السير بما تريده أميركا...
حرصت السعودية على الإتيان بأحد أكثر الساداتيين المرتدين على القضية القومية رئيسا لحكومة الإصطدام بالمقاومة...
رغم الصفعة القوية جدا التي تلقاها إبن سلمان من يحي السنوار ومحمد الضيف؛ إلا أن دور حزب الله في إسقاط مشاريع بندر بن سلطان ظل طعمه على ألسنة بني سعود مرا جدا...
لا يستطيع محمد بن سلمان نسيان دور حزب الله في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين...
لذلك هو حاقد إلى أبعد الحدود...
محمد بن سلمان، كلب الاستعمار الجديد القديم، وريث عبد العزيز بن سعود والملكيات التي خانت القضية الفلسطينية في سبيل الحفاظ على عروش لا يتوقف دونالد ترامب عن الاستهزاء بها...
كراهية محمد بن سلمان هذا لحزب ألله هي استمرارية سعودية في كراهية كل فكر مقاوم وكل عقيدة ترى تقدم الأمة في كسر الرجعية بينما يراها إبن سلمان في مهرجانات الترفيه وتخدير الشباب وإسكارهم كي لا يطلبوا الحرية الحقيقية التي لا يستطيع إبن سلمان عدم اغتصابها واغتصاب ثروات الوطن لشراء مزيد من دعم الاستعمار له ولعرشه...
جيء بنواف سلام ليكون ممثل الاحتلال الأميركي في لبنان والقائم الأمين للتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي في سحق المقاومة...
دور نواف سلام هو نفس الدور الذي لعبه الجنرال فيليب بيتان في حكومة فيشي الموالية للاحتلال الألماني النازي لفرنسا...
دور نواف سلام هو تمرير ما يريده الاحتلال الأميركي الإسرائيلي...
في الظاهر، الرئيس جوزيف عون يريد الحفاظ على أسس الدولة في لبنان...
رئيس الجمهورية يحاول حيث يفشل نواف سلام في إقامة جمهورية فيشي في لبنان...
الفرق الوحيد بين الرجلين هو في قصة الشرطي اللئيم (السيء) نواف، والشرطي الطيب جوزيف...
الاثنان يريدان نفس الأمر، انتهاء المقاومة في لبنان، والخضوع التام للاحتلال الأميركي الذي يتبنى الاحتلال الإسرائيلي؛ لكن لكل واحد طريقته...
هل يكون الشيخ نعيم هو ديغول الذي سوف يعيد تكوين المقاومة لينطلق بها...
ادبيات حزب الله في المدة الأخيرة تقترب كثيرا من ادبيات حركة أمل التي ترى في جوزيف عون شيئا مختلفا؛
هذا بحد ذاته أمر لا يطمئن...
التبريرات التي يقدمها حزب الله حول وجوب النزول تحت الأرض بسبب شراسة الهجوم المعادي وازدياد قوة طوق الناتو بعد تبين مدى ضلوع تركيا والسلفيين والإخوان المسلمين والخليج وكثير من الدول العربية والإسلامية التي تدور في فلك واشنطن، وتأتمر بأوامرها؛ كل هذا على صحته، لا يطمئن...
نحن فشلنا في الحرب لأننا لم نبن مقاومة شعبية، ولا بنينا اقتصادا مقاوما...
نحن فشلنا لأننا لم نُفتمِن الصراع( لم نتبع الأسلوب الفيتنامي في الحرب الشاملة على كل الصعد)...
لكن علينا الإعتراف بأن القوة الوحيدة القوية والقادرة على نشوء مقاومة فعلية تهزم كل مشاريع الفتن الداخلية والاستعمار الخارجي موجودة اليوم في من بقي من حزب الله...
مهمتنا يجب أن تكون عدم السماح بعد اليوم بنشر اي وهم حول وسطية الصراع مع هذا الاحتلال الأميركي الإسرائيلي...
مهمتنا هي مواجهة هذا المحور الأميركي/الإسرائيلي بكل القوة الممكنة...
مهمتنا هي العودة إلى الجذور؛ إلى القادة الذين بدأوا هذه المقاومة بعد اجتياح ال ٨٢...
ليس هناك من حل آخر غير القتال، ثم القتال، ثم القتال حتى ينقطع النفس...
صحيح.اننا تلقينا ضربات قوية في المعركة الأخيرة...
لكن إسرائيل دخلت في نفق لا خروج منه إلا إلى الزوال إذا نحن حافظنا على قوتنا وسلاحنا بانتظار انفجار الوضع الإقليمي، والوضع العالمي...
نحن في حرب وجودية...
نكون أو لا نكون...
نحن اقلية في هذه الحرب في وجه تحالف يبدأ بعرب الردة والذل والهوان ولا ينتهي بكلاب الانتهازية الدينية والمذهبية...
إسرائيل شر مطلق يسيطر على الكثير من هذا العالم...
قدرنا اننا الوحيدون القادرون على هزيمة هذا الوحش وكل القردة الملتفين حوله حتى لو كان بينهم الكثير من العرب، والكثير من سفلة المسلمين...



