ستارلينك في لبنان: بين الآمال المرتفعة والواقع التقني
دراسات و أبحاث
ستارلينك في لبنان: بين الآمال المرتفعة والواقع التقني
تحليل: د. حسين الحسيني
17 حزيران 2025 , 19:42 م

مع اقتراب دخول خدمة الإنترنت الفضائي "ستارلينك" إلى السوق اللبنانية، تشهد الأوساط المحلية موجة من الترقب والاهتمام، وسط آمال بأن تُشكّل هذه التقنية حلا جذريا لمعضلة الإنترنت التي طالما أرّقت اللبنانيين. غير أن الصورة الكاملة لا تكتمل دون فحص دقيق للجوانب التقنية والمالية، إلى جانب العوامل البيئية والعملية التي قد تؤثر على فعالية هذه الخدمة.

تتناول هذه المقالة تحليلا مفصلا لتقنية ستارلينك، مستعرضة أبرز مزاياها وتحدياتها ضمن السياق اللبناني، مع مقارنتها بالبنية التحتية الحالية للإنترنت عبر الألياف الضوئية، مدعومة ببيانات من الواقع وتجارب مستخدمين حول العالم.

ستارلينك: طموحات واسعة توازيها عقبات كامنة

تُعد خدمة ستارلينك، المقدّمة من شركة "سبيس إكس"، مشروعا طموحا لتوفير إنترنت عالي السرعة عبر الأقمار الصناعية، مع تركيز خاص على المناطق المحرومة من البنية التحتية الأرضية، ومع ذلك لا تخلو هذه التقنية من قيود، لا سيما فيما يخص الاستقرار والتكلفة و التأثر بالعوامل الجوية.

الجانب المالي: كُلفة مرتفعة في ظل اقتصاد هش

تشير المعطيات المتوفرة إلى أن ستارلينك قد لا تكون حلاً اقتصاديا مناسبا لشرائح واسعة من المستخدمين في لبنان. فبين كلفة الأجهزة الأولية التي تتراوح عالميا بين 349 و1499 دولارا، والاشتراكات الشهرية التي تصل حتى 250 دولارا، تتضح فجوة كبيرة مقارنة بخدمات الإنترنت المحلية.

وفي المقابل، تُظهر عروض مزوّدي الإنترنت عبر الألياف الضوئية في لبنان أسعارا أكثر تنافسية، فاشتراك شهري بسرعات تتراوح بين 100 و300 ميغابت/ثانية، يتراوح ما بين 20 و70 دولارا، مع كلفة تركيب تُعد معقولة نسبيا، وهو ما يجعل هذه التقنية أكثر استدامة من الناحية الاقتصادية.

تكاليف الإنترنت عبر الألياف الضوئية في لبنان (تقديرية بالدولار الأمريكي):

باستخدام سعر صرف تقريبي 1 دولار أمريكي = 89,700 ليرة لبنانية:


كما يتضح من الجدول، فإن تكاليف الإنترنت عبر الألياف الضوئية في لبنان، حتى مع الأخذ في الاعتبار رسوم التفعيل 

والتركيب، تُعتبر أقل بكثير من التكاليف المتوقعة لستارلينك، خاصة على المدى الطويل، كما أن الحصص الشهرية المقدمة 

مع الألياف الضوئية تنافسية للغاية.

الاستقرار والاعتمادية: العقبة الكبرى أمام ستارلينك

أحد أبرز التحديات التي تواجه ستارلينك هو تأثر الخدمة بشكل ملحوظ بالظروف الجوية، فبينما تُعد التقنية مصممة للعمل في مختلف المناخات، فإن الأمطار الغزيرة، الثلوج، والبرد القارس قادرة على تعطيل الإشارة مؤقتا، وفقا لما تؤكده الشركة وتجارب المستخدمين.

في المقابل، توفر الألياف الضوئية مستوى عاليا من الاستقرار، حيث لا تتأثر هذه التقنية بالتقلبات المناخية، مما يضمن اتصالا دائما وموثوقا.

رأي المستخدمين: التجربة لا توازي التوقعات دائما

رغم أن ستارلينك توفر حلا مثاليا في بعض المناطق النائية، إلا أن شهادات المستخدمين تسلط الضوء على مجموعة من التحديات المتكررة، أبرزها:

تدهور الأداء مع الزمن: مع تزايد عدد المشتركين، لاحظ العديد تراجعا في جودة الاتصال وسرعة الإنترنت.

دعم فني محدود: أبلغ كثيرون عن صعوبات في التواصل مع خدمة العملاء، ما فاقم من حدة المشكلات التقنية.

زمن استجابة مرتفع وانقطاعات عشوائية: وهي عناصر تؤثر بشكل خاص على من يعتمد على الإنترنت في ألعاب الفيديو أو الاجتماعات الافتراضية.

صعوبات في التوافق مع VPN: وهو أمر يعرقل استخدام الخدمة لأغراض مهنية أو أمنية تعتمد على اتصالات مشفّرة.

شهادات واقعية

مستخدم من منطقة ريفية: "الخدمة جيدة في أوقات معينة، لكن الانقطاعات وعدم استقرار السرعة خلال أوقات الذروة يصعّب عليّ أداء عملي من المنزل."

لاعب ألعاب الكترونية محترف: "زمن الاستجابة غير ثابت، ما يؤثر سلبا على أدائي في الألعاب التنافسية."

صاحب عمل: "اعتمدت على الخدمة لفترة، لكن مشاكل الاتصال المتكررة جعلتني أعود إلى الألياف الضوئية."

الألياف الضوئية: خيار تقني مستقر طويل الأمد

تشكل البنية التحتية للألياف الضوئية في لبنان ركيزة واعدة لتطوير خدمات الإنترنت، فهذه التقنية تتميز بعدة مزايا تجعلها تتفوق على الحلول الفضائية في معظم السيناريوهات:

سرعة واستقرار فائقان: حتى في البيئات الصعبة.

زمن استجابة منخفض للغاية: مثالي للتطبيقات الحساسة زمنيا.

موثوقية مضمونة: لا تتأثر بالطقس أو التداخلات الخارجية.

قابلية للتوسّع: تُلبي النمو المستقبلي في الطلب على البيانات.

خلاصة: قرار استراتيجي يحتاج إلى وعي شامل

بينما تُقدم ستارلينك حلا تقنيا مبتكرا لمعضلات الاتصال في المناطق النائية، فإن الواقع اللبناني، من حيث الوضع الاقتصادي والبنية التحتية الحالية، يُرجّح كفة الألياف الضوئية بوصفها الخيار الأكثر منطقية وفعالية على المدى الطويل.

من المهم أن يُبنى أي قرار تقني على دراسة متأنية للواقع لا على الوعود وحدها، فبينما تفتح ستارلينك آفاقا جديدة، يظل الاستثمار في تطوير شبكة الألياف الضوئية الطريق الأمثل نحو مستقبل رقمي أكثر استقرارا وأقل كلفة.