كتب الأستاذ حليم خاتون:
من تابع ما حصل في إيران يوم الجمعة ١٣ حزيران الماضي، يعرف جيدا أن الغرب وإسرائيل وأنظمة الإبراهيمية في المنطقة العربية قد اعتمدوا جميعا الطائفة البهائية في إيران وكيلا لإسقاط الجمهورية الإسلامية...
لماذا البهائيون؟
لأن الطائفة البهائية هي أول من دعا منذ أكثر من قرن من الزمن إلى الديانة الإبراهيمية قبل ان يتخذ الصهاينة في أميركا من هذه الدعوة فرسا يمتطونه على طريق تدمير كل الديانات السماوية على طريق تأسيس إسرائيل الكبرى قبل الانقضاض على نفس هذه الإبراهيمية بعد حلبها واستنفاذ كل ما يمكن ان تقدم...
جرى كل ذلك في عالم يسود فيه تنمر بين الدول في ما يشبه صراع عائلات مافيا الشوراع حيث تتداخل مناطق النفوذ بين هذه العائلات فتلجأ العائلات الصغرى للإستعانة بعرّاب المافيا الكبير...
لم يكن هذا العراب احدا سوى الامبريالية الاميركية نفسها التي سادت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي...
لكن هذا العراب فشل في احترام قوانين كان وضعها هو نفسه تحت بند الشرعية الدولية وحقوق الإنسان ومحكمة العدل والجنائية الدولية وما شابه ما دفع الجميع الى نقطة اللاعودة...
ما جرى هو أن رجالا سمرا في غزة قرروا الذهاب إلى حيث لم يذهب أحد في محاولة كسر قيود سجن كبير...
راهن يحي ومحمد السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى على مبدأ وحدة الساحات لخلق دومينو قد يفجر الشرق الأوسط ومن بعده ربما، يفجر العالم...
كانت هذه مغامرة كبرى جدا...
لا يزال ما حدث يشكل مغامرة كبيرة جدا؛ مغامرة محفوفة بكل ما يمكن تصوره من مخاطر...
آمن هؤلاء بأن هذا الانفجار الكبير لا بد أن يولّد شيئا...
في كل الأحوال، كانت الأمور تمشي باتجاه سحق الفلسطينيين ومن بعدهم اللبنانيين وكل من يتنفس حرية في هذا الشرق المختنق...
ما قام به هؤلاء الرجال، فاق كل الخيال؛ لكنه خلق الدومينو الذي اوصلنا إلى الحرب الجارية اليوم بين إيران من جهة، وحلف الناتو من جهة أخرى...
لعل أكثر من عبر عما يجري اليوم كان وزير خارجية الإستعمار الفرنسي الزومبي...
خرج الوزير الفرنسي يقرأ شروطا تذكرنا بالإنذار الذي أرسلته بريطانيا وفرنسا إلى عبد الناصر سنة ٥٦ عشية العدوان الثلاثي على مصر...
يخرج الكثير من الكتاب والمحللين والباحثين ينظرّون على إيران؛ ومنهم، كاتب هذه الأسطر نفسه...
تحت شعار "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، عِبنا جميعا على إيران ما رأيناه بطئا في التعاطي مع تطور الاحداث...
من منّأ لم ينتقد نظرية الصبر الاستراتيجي؟
من منا لم يُعِب على إيران عدم دخولها الحرب عند اشتداد الهجمات الصهيونية على غزة ولبنان؟
من منّأ لم يُعِب على حزب الله تردده في استعمال الردع الاستراتيجي؟
حماس انتظرت حزب الله، وحزب الله انتظر إيران وايران انتظرت مشيئة الله...
إيران كانت تجري حسابات دقيقة في قياس نسبة المخاطر...
مهما قلنا، يبقى كلامنا عاجزا عن فهم هذه الحسابات لسبب بسيط جدا هو اننا كنا ننطلق من أقوال السيد نصرالله وتهديده بتدمير نصف الكيان في نصف ساعة؛ بينما كانت إيران تُجري قياسا بين قوة اعدائها الكثر على مساحة المنطقة، وبين قوتها الذاتية التي لم تنم الى الحد المطلوب بعد...
سوف يمر وقت طويل قبل أن يتمكن أولادنا واحفادنا من الجلوس وتقييم ما حصل...
لكننا اليوم دخلنا مرحلة الخطر الكبير...
بعد فشل العملية المعقدة التي نُفِذّت في إيران، دخل التحالف العربي الغربي الإسرائيلي في مأزق...
هو حلف يجرجر الإسرائيلي فيه أذيال الخيبة، ويخاف العربي فيه ما يمكن أن يكون نهاية الترفيه واليسر ووفرة المال والثروة؛ بينما يُجري الأميركي حسابات دقيقة تقول ان الإيراني حتى لو لم ينتصر وفق المفهوم الغربي، هو يستطيع فعلا إنزال أميركا عن عرش العالم والقطب الواحد...
ما جرى دفع إيران دفعا إلى حيث اراد الثوار والمجاهدون:
إيران صارت مجبرة على تبني المعادلة الصفرية؛ وهذا بحد ذاته يشكل سلاح تدمير شامل لكل اقتصاد النظام الدولي...
يعني، باختصار،
تدمير إيران يساوي تدمير النظام الدولي....
نحن نقف اليوم على عتبة الانفجار الكبير الذي سوف يولد الثقب الأسود الذي قد يبتلع كل شيء...
الحرب المباشرة الجارية اليوم بين إيران والكيان مدعوما بشكل كبير جدا من منظومة حلف الأطلسي دخلت مرحلة الخطر الشديد...
بعد فشل العملية المشتركة الغربية العربية الإسرائيلية في إيران، تبدلت كل المعطيات...
فشل إسرائيل يعني تلقائيا هزيمتها...
هزيمة إسرائيل تعني تلقائيا فشل حلف الأطلسي...
لذلك هزيمة إسرائيل ممنوعة؛ على الأقل هذا ما عبر عنه وزير خارجية الاستعمار الفرنسي الخارج للتو من متحف التحنيط...
هزيمة إسرائيل ممنوعة؛ هذا ما يعبر عنه جماعة الدولة العميقة في أميركا الذين يقولون ان هزيمة إسرائيل سوف تجعل من إيران نموذجا لن يلبث أن يقضي على ما تبقى من هيبة الغرب الإمبريالي...
أمام كل هذا، يبدو أن إيران قد وصلت إلى يقين أنه لم يعد باستطاعتها تأجيل الانفجار الكبير...
بانتظار قرار ترامب قررت إيران شن نموذج حرب مسيرات وصواريخ ليس لاستنزاف الكيان وحسب؛ بل أيضا لكي تقول للغرب ان ظهرها بات على الحائط، وانها لن تستسلم وسوف تقوم هي بضرب الصاعق وليكن ما يكون...
كل هذه الأحداث سبقت التنين الصيني فلم يعد يستطيع الانتظار حتى سنة ٢٠٢٧ كما كانت الخطط الصينية المعلنة في تحديد هذه السنة لإعادة ضم تايوان الى حضن الوطن الأم...
الدب الروسي الذي انهار مع سقوط جدار برلين ليلة التاسع من نوفمبر ١٩٨٩، عاد ونهض ولكنه تلقى جراحا ثخينة في أوكرانيا يحاول تضميدها بينما الفيل الأميركي يدور في كل الأنحاء يرفس كل ما يراه، وكل من يراه...
الحرب الدائرة اليوم في الشرق الأوسط هي نفس الحرب التي ابتدأت يوم اختارت الإمبريالية الأميركية صدام حسين لغزو إيران غداة الثورة الإسلامية في إيران...
هي نفس الحرب التي أريد لها أن تجتث شعبا من أرضه وتقيم غدة سرطانية في وسط منطقة ممنوع عليها النمو والتطور حتى لا تزعج من يتحكم بهذا الكوكب...
ما أن أعلن الإمام الخميني تأسيس أول جمهورية إسلامية في العالم تحت شعار:
لا شرقية، ولا غربية...
حتى اجتمع الغرب والشرق معا لتحطيم المولود الجديد...
هناك من يقول إن الامبريالية الأميركية اختارت يومها الرجل المشترك بينها وبين الاتحاد السوفياتي...
لقد كان صدام حسين، كما نورييغا في بنما، رجل ال CIA؛ لكن هذا لم يمنعه من التعامل مع الاتحاد السوفياتي في محاولة اللعب على التناقضات...
حرب صدام على إيران وصلت إلى الأصل...
هي حرب أميركا وإسرائيل على إيران...
إذا تراجع ترامب، تُهزم إسرائيل وتنتصر إيران...
إذا دخل ترامب الحرب، لا محال، نحن امام معادلة صفرية سوف تعيد تشكيل العالم...
نحن لا نُهزم..
نحن ننتصر حين ننتصر...
وننتصر حين نُستشهد...
حليم خاتون



