بقيت إيران، وسقط جزء كبير من المحور
مقالات
بقيت إيران، وسقط جزء كبير من المحور
حليم خاتون
25 حزيران 2025 , 17:12 م

كتب الأستاذ حليم خاتون:

هل انتهت الحرب الكونية على محور المقاومة؟

صحيح ان إنطلاق هذه الحرب الكونية يبدو وكأنه حصل في السابع من أكتوبر...

لكن هذه الحرب الكونية هي فعل مستمر منذ الحروب الصليبية...

لم تتوقف، ولن تتوقف...

يتغير رأس الحرب على أهل الشرق ولا يتغير جوهر هذه الحرب...

لكن إسدال الستارة بعد اتفاق وقف إطلاق النار على آخر معركة حصلت بين رأس محور هذه المقاومة المتمثلة اليوم بإيران، ورأس محور الشر المتمثل منذ الحرب العالمية الثانية بالولايات المتحدة الأميركية، يسمح لنا، بل يفرض علينا الجلوس وبدء دراسة كل مجريات هذه الحرب منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى وقف النار في الرابع والعشرين من حزيران ٢٠٢٥...

ما يحدث في غزة والضفة، وربما داخل فلسطين ال٤٨، سوف يتأثر بلا شك بهذه الحرب، وبالمعركة الكبرى التي جرت، لكن دون تغيير جوهري لأن الكيان الإسرائيلي كان يمارس تطهيرا عرقيا وإبادة جماعية قبل السابع من أكتوبر، وهو سوف يستمر بهذا الفعل بعد الرابع والعشرين من حزيران وسط صمت وشراكة عربية ودولية...

كان رهان الشهداء العظام يحي ومحمد السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى على الأمة ربما مبالغا فيه...

الأمة كلها في سبات عميق، وبالأخص الفرع السُنّي من هذه الأمة...

ما سوف يحصل في العراق كان موجودا قبل السابع من أكتوبر ٢٣؛ هذا سوف يستمر بعد الرابع والعشرين من حزيران٢٥...

إيران دعمت العراقيين قبل السابع من أكتوبر للتحرر...

لكن السؤال سوف يبقى عن مدى همة العراقيين انفسهم في تحرير أنفسهم بعدما تبين من تبعية شبه طاغية لحكام العراق الحاليين بكل احزابهم الإسلامية وغير الإسلامية للاحتلال الأميركي...

حتى المرجع الشيعي الأعلى السيستاني لم يستطع تخطي حدودا معينة في مواجهة الأميركي كما فعل في مواجهة داعش...

في سوريا، يمكن القول إن أغلبية شعب هذا البلد دخلت طوعا تحت الاحتلال التركي الذي لم يحمها من احتلال اسرائيلي لمساحات شاسعة تزيد على مساحة لبنان بحوالي الضعفين...

في النهاية، لا تستطيع إيران تحرير الشعب السوري من العبودية اذا كان هو نفسه راغبا بهذه العبودية وقد سعى اليها ووصل اليها...

ربما في لبنان، سوف تكون هناك مفارقة...

حزب الله الذي كان قبل السابع من أكتوبر قوة اقليمية لم يعد كذلك... ارتكب حزب الله من الأخطاء والخطايا بعد السابع من اكتوبر ما سمح بضرب هذه القوة وإعادتها إلى حجمها اللبناني الضيق...

دخل لبنان مرحلة الاحتلال الأميركي شبه المباشر حيث لا يشكل رئيس الحكومة الحالي نواف سلام أكثر من دمية طيعة جدا جدا في يد هذا الاحتلال...

يمكن القول أن حزب الله المقاوم الذي عرفناه قبل السابع من أكتوبر قد مات...

حزب الله دخل في نظام ما بعد ٢٧ نوفمبر تشرين الثاني ٢٠٢٤ وأصبح جزءا من حكومة الظل لهذا الاحتلال الأميركي...

حزب الله يواجه فقط معضلة كيفية التعامل مع المقاومين الكثر الموجودين في صفوفه من الذين تربوا على مبادئ لم يعد وعاء الحزب الحالي يستطيع تحملها...

The King is dead, long live the King...

"مات الملك... يعيش الملك"

مات حزب الله... تعيش المقاومة الجديدة التي تولد من رحم حزب الله...

اذا أرادت هذه المقاومة الجديدة أن تكون مقاومة ثورية فعلية، عليها قطع صلاتها نهائيا بكل المرحلة السابقة التي كان فيها حزب الله جزءا من النظام اللبناني يضع رجلا في الحقل ورجلا في البور...

ما بعد وقف إطلاق النار:

لبنان تحت الاحتلال...

لا تستطيع المقاومة أن تكون مقاومة ضد الاحتلال وفي حكومة خاضعة للاحتلال في نفس الوقت...

انتهى حزب الله القديم... أصبح جزءا من النظام التابع للاحتلال... حزب الله كان يوما مقاومة...

تماما مثلما كانت حركة أمل...

لن يكون عميلا كما سلطة محمود عباس... على الأقل في المدى المنظور...

لكنه لم يعد تلك المقاومة التي عرفناها في أبهى صور حرب التحرير والتحرير سنة ٢٠٠٠ والدفاع عن لبنان سنة ٢٠٠٦...

لم يعد قوة ردع في وجه الغطرسة الصهيونية كما كان طيلة ادثر من عقدين من الزمن...

جل اهتمام حزب الله اليوم هو في الحفاظ على رأسه وموقعه داخل التركيبة اللبنانية...

قد يسلم حزب الله سلاحه الثقيل إلى الجيش اللبناني مقابل شروط محددة تكفل أن يقوم هذا الجيش بالدفاع عن لبنان ولا يقوم بإتلاف الصورايخ كما فعل حتى اليوم، وأن تقوم الحكومة بتنفيذ إعادة اعمار شاملة لكل ما تهدم خلال الحرب...

هذا إذا وُجدت نوايا وطنية فعلا في نظام يستمع إلى يوسف خوري يعلن على الملأ وقوفه إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي ولا يتم اعتقاله ومحاكمته؛ ويستمع إلى تفاهات شارل جبور وسمير جعجع ويتعايش معها...

في لبنان، الأمل فقط في المقاومة الجديدة التي سوف تولد بعد كل هذا المخاض...

اليمن، كما إيران سوف يخرج من هذه الحرب قوة اقليمية قوية لها وزن جيوسياسي استراتيجي...

اليمن فرض نفسه ضمن المعادلات الدولية عسكريا...

من المؤكد أن يطور اليمن علاقاته مع إيران، مع كوريا الديمقراطية ومع دول البريكس اذا أراد تكريس نظام اقتصادي متحرر من الغرب ومن المنظومة العربية التابعة بالمطلق لهذا الغرب، وتأتمر بأوامره...

إيران خرجت من هذه المعركة مرفوعة الرأس بعد أن استطاعت بمجهودها الذاتي منع انتصار محور الشر الأميركي الإسرائيلي العربي الغربي عليها...

اثبت البرنامج الصاروخي الإيراني جدارته أمام منظومات دفاعية أميركية، إسرائيلية، بريطانية، فرنسية، ألمانية، خليجية، أردنية من ست طبقات فضائية على الأقل مع غطاء كامل من الأقمار الصناعية وأجهزة التجسس المنتشرة جوا بحرا برا في كل المنطقة، وقفت كلها للدفاع عن الكيان...

رغم كل هذا، تمكنت إيران من إلحاق أضرار كبيرة بالكيان وطالت عدة مواقع استراتيجية في حيفا وتل أبيب...حتى الأضرار التي طالت المنشآت النووية عندها لم تكن قاضية؛ بل على العكس تماما؛ سوف يشكل ما حدث نقطة إنطلاق لإيران لفرض نفسها قوة اقليمية عظمى... نجحت إيران حيث فشلت روسيا... نجحت إيران حيث وقفت الصين موقفا متفرجا...

الموقف الباكستاني كان معنويا فقط؛ بينما لعبت تركيا والعالم الإسلامي السُنّي دورا كلاميا فقط فوق الطاولة، ومتآمرا بالكامل تحت الطاولة...

كيف سوف يتعامل الإيراني مع الإبادة الحارية في فلسطين؟

هذا سوف يتحدد وفق منظور جديد من المؤكد أن تخرج به إيران...

وقفت إيران ضد الكيان الإسرائيلي وضد الغرب وكل حلف الناتو الذي يضم دول كبرى اقتصاديا وعسكريا...

وقفت إيران في مواجهة كل هؤلاء وفي مواجهة كل العالم في إسناد القضية الفلسطينية ومنع تصفيتها بما في ذلك في مواجهة الحياد الصيني...

وقفت إيران في وجه اللمبالاة الكاملة لاكثر من مليار ونصف مليار سُنّي في العالم تجاه ما يحصل للشعب الفلسطيني السُنّي بأغلبيته الساحقة...

تحملت إيران العلاقة الخاصة التي تربط روسيا مع كيان العدو الإسرائيلي...

باختصار، وقفت دولة الجمهورية الإسلامية في إيران وحدها من أصل أكثر من ١٩٠ دولة في الأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني...

لكن إيران وجدت نفسها ليس فقط معزولة في العالم عامة، وفي العالم الإسلامي أيضا...

وجدت إيران نفسها تواجه إلى جانب كل الأعداء مجموع الدول العربية الذي تميز اقله سوءا مثل الجزائر مثلا باللامبالاة، بينما شارك قسم كبير منه في الدفاع عن الكيان وفي الوقوف ضد الجمهورية الإسلامية كما دول الخليج والأردن والمغرب...

من حق المواطن الإيراني أن يطلب من حكومة الجمهورية الإسلامية أن لا تكون ليس ملكية أكثر من الملك فحسب، بل أن لا تقاتل ضد نظام رسمي عربي يشارك هو نفسه مباشرة في قتل الفلسطينيين وإبادتهم...

قد تكون إيران أخطأت في عدة لحظات تاريخية حصلت قبل الحرب وأثناءها...

لكن التاريخ سوف يسجل أن إيران تلقت الضرب عن الأمة جمعاء من محور الشر الغربي، وتلقت الطعنات في الظهر من العرب والمسلمين بكل خساسة وقلة شرف وكرامة...

سوف يسجل التاريخ أن قطر وتركيا والنظام الرسمي العربي قطعوا خطوط الإمداد عن المقاومة الللبنانية وحاصروا المقاومة الفلسطينية وساهموا بتجويع الشعب الفلسطيني...

قد تكون إيران لم تنتصر كما تزغرد أبواق محور المقاومة؛ لكن بالتأكيد لم تستطع أقوى منظومة دولية عرفتها البشرية حتى اليوم على هزيمة إيران...

في هذه النقطة يستطيع الشعب الإيراني الذي التف درعا حول نظام الجمهورية الإسلامية الفخر بتحقيق ما عجز العالم، كل العالم عن تحقيقه...

المستجدات سوف تتتالى...

إيران ترفع رأسها، بينما يدوس الأميركي والغربي والاسرائيلي على كل الرؤوس العربية البائسة...

المصدر: موقع إضاءات الإخباري