إيران بعد العدوان الثلاثي: بين دروس الردع ومخاطر الاصطفاف الدولي
مقالات
إيران بعد العدوان الثلاثي: بين دروس الردع ومخاطر الاصطفاف الدولي
عدنان علامه
26 حزيران 2025 , 17:54 م


بقلم: عدنان علامه – عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

في أعقاب العدوان الإسرائيلي-الأمريكي الأخير على إيران، أعادت الجمهورية الإسلامية تقييم موقعها الاستراتيجي في ضوء الرد القاسي الذي وجهته، والذي شكّل أول صدمة فعلية لإسرائيل في عمقها الجغرافي منذ عقود. وقد ترافق الرد الإيراني مع زلزال سياسي داخل واشنطن، حيث ضغطت الدولة العميقة على إدارة ترامب لوقف التصعيد، بعد أن تبيّن أن الضربة الإسرائيلية باغتيال قادة الصف الأول في طهران لم تكسر عصب القيادة وإسقاط النظام كما توهّم صانعو القرار.

# القيادة الحكيمة في لحظة العاصفة

أظهرت القيادة الإيرانية – وفي مقدمتها المرشد الأعلى – حنكة نادرة في إدارة الكارثة وتحويلها إلى فرصة. تم تعيين البدلاء بسرعة قياسية، وأُعطيت الأوامر بتنفيذ الرد الشامل عبر بنك أهداف واسع النطاق، كان أبرزها تدمير مركز القيادة والاستخبارات الإسرائيلي المقنّع داخل مستشفى سوروكا العسكري. هذا الهدف النوعي، الذي أسفر عن تدمير واجهة المستشفى وإصابة ما لا يقل عن 2500 جريح وفق تسريبات شبه رسمية، شكّل نكسة أمنية مدوية للموساد.

#التهديد الداخلي: اختراقات الموساد وكشف 700 شبكة تجسس

وفي موازاة الرد الخارجي، فتحت إيران ملف الاختراقات الاستخباراتية التي كشف فيها عن أكثر من 700 شبكة تجسس إسرائيلية وأمريكية. هذا الرقم الصادم أعاد تعريف مفهوم السيادة الأمنية، وأجبر طهران على إطلاق عملية تطهير عميقة لبنيتها الأمنية، بالتوازي مع تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية عبر نقل المنشآت النووية إلى مواقع شديدة التحصين والسرية.

#الاصطفاف الدولي: مجلس الأمن متواطئ، والدول السبع في خندق واحد

وشكّل موقف مجلس الأمن والأمم المتحدة صدمة لإيران، بعد أن رفضت أغلبية الأعضاء إدانة العدوان الإسرائيلي، بل وتباهت مندوبة واشنطن السفيرة شيا بالقول إن القصف الأمريكي جاء "إكرامًا لإسرائيل". هذا الاصطفاف، الذي أكّد مجددًا انحياز النظام الدولي، دفع طهران إلى إعادة ترتيب أولوياتها في الساحة الدولية، خصوصًا مع انكشاف المواقف العدائية للدول السبع الكبرى مجتمعة.

#تصريحات ترامب: كشف نوايا الدولة العميقة

في لحظة فلتان سياسي، قال دونالد ترامب إن "إيران منهكة" وإن المهمة "لم تنتهِ بعد"، في إشارة واضحة إلى نوايا استكمال التصعيد لاحقًا. غير أن اللافت هو أن ترامب نفسه، الذي وافق على العدوان، اضطر لاحقًا لإعلان وقف إطلاق نار دون أي شروط أو بنود معلنة؛ بل أعلن عن آلية تنفيذ وقف إطلاق النار، وبدأت الوساطات الَمكثفة بعد إعلانه المفاجئ جدًا.

وفي سابقة دبلوماسية لا مثيل لها. هذا التناقض يكشف عن صراع داخلي بين الرئاسة والدولة العميقة، ويؤكد فشل المشروع الغربي في إسقاط النظام الإيراني رغم كثافة النيران على إيران.

#الرد الإيراني القادم: تفوق صاروخي وتحالفات كبرى

ردًا على هذا الواقع، تعكف طهران على تطوير صواريخ فرط صوتية برؤوس حربية تصل إلى طنين،ولذا

فالعمل على صواريخ عابرة للقارات أصبح ضرورة قصوى، وهناك حديث متصاعد عن إصدار فتوى وشيكة تتيح حيازة قنبلة نووية أو استعارتها. وفي خطوة استراتيجية، فتحت إيران الباب أمام التعاون العسكري مع الصين مقابل تصدير النفط، ما يشكّل تغييرًا في معادلات التوازن الجيوسياسي.

#مرجعية قرآنية وعقائدية في زمن الردع

لا تنطلق إيران في معركتها من حسابات مادية فقط، بل تُؤطر تحركها ضمن آيات قرآنية وأقوال الإمام علي عليه السلام. فكما جاء في القرآن الكريم:

> "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ..." [الأنفال:60]

"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا..." [البقرة:190]

ويستحضر القادة أيضًا وصية الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر:

> "فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ..."

#خاتمة: إيران في زمن ما بعد الرد

بات واضحًا أن العدوان على إيران لم يحقق أهدافه، بل أطلق دينامية ردع إيرانية جديدة عنوانها "الصبر الاستراتيجي والهجوم النوعي". وإذا استمر الاصطفاف الدولي بهذا الشكل الفج، فإن العالم سيشهد ولادة قوة إقليمية ذات بعد عابر للقارات، دبلوماسيًا وعسكريًا، على أسس إيمانية واستراتيجية في آنٍ واحد.

وإن غدًا لناظره قريب

26 حزيران/ يونيو 2025

المصدر: موقع إضاءات الإخباري