اليَمَن: هل يَقودُ أم يُصابُ كَلُبنانَ والعِراقِ وسُوريا؟
مقالات
اليَمَن: هل يَقودُ أم يُصابُ كَلُبنانَ والعِراقِ وسُوريا؟
ميخائيل عوض
2 تموز 2025 , 11:13 ص


٢ / ٧ / ٢٠٢٥

كتب الدكتور ميخائيل عوض:

١

حَسَمَ ماركسُ الأمرَ؛ الدِّفاعِيَّةُ موتٌ لكلِّ هَبَّةٍ شعبيَّةٍ / ثَورةٍ أو مُقاوَمةٍ، وفي كلِّ زمانٍ ومكانٍ لا فَرْقَ، فكانَ القَولُ استِنتاجًا من سُقوطِ كُمونَةِ باريسَ ١٨٧٠.

فالهَزيمةُ ستكونُ من نصيبِ المُتردِّدينَ والدِّفاعيِّينَ في زمنِ الهُجومِ وبإزاءِ عَدُوٍّ حَيَويٍّ مُثابِرٍ لا يَعيشُ إلَّا بالحُروبِ والاستِباقِيَّة.

هُزِمَت فصائلُ ودُوَلُ القوميَّةِ العربيَّةِ ومُنظَّمةُ التحريرِ الفلسطينيَّةِ، وفَشِلت تَجارِبُها؛ لأنَّها قالَت بالدِّفاعيَّةِ والاستِعدادِ واستغرَقَت وغَرِقَت، فَسَقَطَت شرَّ سُقوطٍ، وكذا مَصيرُ أيِّ فصيلٍ وفي أيِّ مَسرَحٍ.

ماركسُ لم يَكنِ الأوَّلَ، بل سَبقَه كثيرًا الإمامُ عليٌّ بقَولِه: "ما غُزِيَ قومٌ في دِيارِهم إلَّا ذَلُّوا."

وجَزَمَت خُلاصاتُ تاريخِ الحُروبِ والجُيوشِ بمَقولَةٍ: "الهُجومُ أفضَلُ وسائلِ الدِّفاعِ."

٢

يَمَنُ الإيمانِ والحِكمةِ، والذي تَجسَّدَ شعبُه العُروبَةَ والقِيَمَ والأخلاقَ، وانتصرَ لغزَّةَ، وحارَبَ بِشَراسةٍ وتِقانَةٍ ودونَ تردُّدٍ، ولم يَقبَلْ حِيادًا، برغمِ خُروجِ جَبَهاتِ الإسنادِ سريعًا، وبَعضُها بصورةٍ دراماتيكيَّةٍ مَهزَلةٍ ومُذِلَّة.

وكما فاجَأَ بمُبادَرَتِه للإسنادِ، كذلك في استِمرارِه، وبقُدرتِه على رَشقِ إسرائيلَ بالصَّواريخِ والمُسيَّراتِ، وإرباكِها، وتَذكيرِ مُجتَمَعِها أنَّها ما زالَت في حالةِ حَربٍ، وليست فقط في حَربٍ لتَدميرِ وإفناءِ شَعبِ غزَّةَ بلا عِقابٍ.

قاتَلَ ببَسالةٍ، وهَزَمَ حِلفَ "الازدهارِ" والحَملةَ العَسكريَّةَ الصاخبةَ التي أمَرَ بها ترامب، وحَشَدَ كلَّ قُوَّتِه لسبعةِ أسابيعَ، ولألفٍ ومِئَتَي غارةٍ، لم تُحقِّق شيئًا يُذكَر، بينما اليمنُ قاتَلَ على جَبَهاتِ البِحارِ واستمرَّ يُقصِفُ إسرائيلَ.

٣

تَجرُبَتُهُ مُنذُ ٢٠٠٤، بحُروبِ صَعدةَ حتَّى الشَّراكةِ في وَحدةِ الجَبَهاتِ، شَهادَةٌ له ولِحِكمتِه وإدارتِه الحُروبَ، ولِقيادتِه الشعبيَّةِ خِطابًا ومُمارَسَةً، وتَميُّزِه عن جَبهاتِ لبنانَ وسوريا والعِراقِ، وتَجاوُزِه الوصفاتِ التي لا تُوافِقُ رؤيتَهُ، وتَمكنه من صِناعةِ السِّلاحِ النَّوعيِّ، تُعطيهِ شَهادَةً وتُقدِّمُه نَموذجًا مُختلِفًا عن الآخَرينَ، بل تَضعُه في مَوقِعِ المُؤسِّسِ، وتَرسُمُ الكثيرَ من الرِّهاناتِ عليه، فكلُّ شروطِ وظُروفِ أن يَصيرَ القُوَّةَ القائِدةَ / القاعِدةَ لِمَحورِ المُقاوَمَةِ مُوفورةٌ، وعلى نحوٍ مُتقدِّمٍ وفائضٍ.

يَتوقَّفُ الأمرُ فقط وفقط على قرارِه وقَرارِ قيادتِه:

أَتَكتفي بما حَقَّقَت، وتَقبَلَ واقِعَ التَّقسيمِ والنَّهبِ ومُحاصَرةِ اليمنِ، وتَكتفي بما لَديها؟

أم تَتَقدَّمُ لإنجازِ مَهمَّاتِ التَّاريخِ الواجِبَةِ، والتي لا تَقبلُ تأجيلًا؟

أُولى المَهامِّ، وأذكَاها، وأروَعُها: فَرضُ تحريرِ اليمنِ وتَوحيدِه بالتَّفاوُضِ وبالسَّلامِ، وبِتقديمِ رُؤيةٍ بَرامجيَّةٍ تُؤمِنُ وَحدةَ الشَّعبِ لإنجازِ المَهامِّ التَّاريخيَّةِ، أو بالحَربِ لطَردِ الغُزاةِ وعُمَلائِهم ومُرتَزَقَتِهم، وتأمينِ سيادةِ اليمنِ على الجُغرافيا والثَّرواتِ، وتَوحيدِ الشَّعبِ.

وفي ذاتِ السِّياقِ، وعلى نفسِ دَرجةِ الأهمِّيَّةِ، ورُبَّما بالتَّوازي، فَرضُ استِعادةِ المُحافَظاتِ التي اغتَصَبَها الوهابيُّونَ السَّعوديُّون، وفَرضُ رَفعِ كلِّ وأيِّ حِصارٍ أو عُقوباتٍ من أيَّةِ جهةٍ أتَت، وعدمُ قَبولِ مَبدأِها مَهما كانَ الثَّمَنُ، ثم وعلى ذاتِ السويَّةِ، المُبادَرةُ لدَعوةِ حُكوماتِ الخليجِ للتَّفاوُضِ تحتَ النارِ للتَّوافُقِ على إدارةِ المِنطَقَةِ بعيدًا عن إملاءاتِ إسرائيلَ وأميركا، والامتِناعِ عن دَفعِ الأموالِ "خَواتٍ"، والامتِناعِ عن قَبولِ القواعِدِ العَسكريَّةِ وتَصفيتِها، وفي سِياقٍ آخَرَ، إِلزامُ الحُكوماتِ التي تَورَّطَت في الغَزوِ والحِصارِ والتَّدميرِ، بتحمُّلِ كاملِ الكُلفةِ للإعمارِ، والتَّعويضِ عمَّا فاتَ، وهذا حَقٌّ مُقرَّرٌ بالقانونِ والمُمارَساتِ الدُّوليَّةِ.

٤

اليَمَنُ، لعِشرينَ سنةً، قاتَلَ وانتَصَرَ، وأسقَطَ وهَزَمَ أعتى القُوى العالميَّةِ، ثلاثَ مرَّاتٍ مُتتالِيَة، في هَزيمةِ الغُزاةِ بقيادةِ السُّعوديَّةِ لسبعِ سنواتٍ، وهَزيمةِ حِلفِ "الازدهارِ"، وحَربِ ترامب.

من حقَّقَ هذا، يَجبُ أن يَعتدَّ بقُوَّتِه وقُدراتِه، ووَلاءِ شَعبِه، وإمكاناتِه الهائِلة.

٥

أمَّا بغيرِ هذا، وبقَبولِ وقفِ نارٍ، ووقفِ الرَّدِّ على الاعتِداءاتِ، وعدَمِ المُبادَرةِ الهُجوميَّة لتحقيقِ المَهامِّ والغَاياتِ، حتَّى لو وَقَفَت حربُ غزَّةَ لهُدنةٍ، والاكتِفاءِ بما تَحقَّقَ من سُلطةٍ على بَعضِ اليمنِ لا كُلِّه، والقَولِ بالاستِعدادِ وبِناءِ التَّوازُنِ، وسِوى هذه الحُجَجِ؛ فللأسفِ الشَّديدِ، سيُصابُ بما أُصيبَت به سُوريا ولبنانُ والعِراقُ، وبَعضُ ما أَصابَ إيرانَ من خَسائرَ ومُفاجآتٍ، بعدَ نِصفِ قرنٍ تقريبًا على انتِصارِ الثَّورةِ واستِراتيجِيَّاتِ الصَّبرِ والبِناءِ والتَّوازُنِ.

٦

ما الَّذي سيَختارُهُ اليَمَنُ: شَعبًا، وقيادَةً، وأنصارًا، وجَيشًا؟

هذا، بالطَّبعِ، قَرارُه، وهو الأعرَفُ بشُؤونِه، وقُدراتِه، وظُروفِه.

فَالخَيْرُ فيما يَختارُ، والزَّمَنُ جارٍ، والمَهامُّ والحاجاتُ التَّاريخيَّةُ لا تَرحَمُ، ولا تَقبَلُ تأجيلًا أو تسويفًا، وليسَت طَوعَ يَدِ أحدٍ.

سيموريتش، وبِن غَفير، ووزيرُ الحَربِ الصِّهيونيُّ، وأخيرًا السَّفيرُ الأمريكيُّ في إسرائيلَ، أعلَنوا، وسينفِّذونَ إعلاناتِهم:

اليَمَنُ مَحطَّةُ الحَربِ التَّدميريَّةِ، والتَّهديدُ بطائِراتِ B2 جارٍ على قَدَمٍ وساقٍ.

فَهَلْ يَتردَّدُ اليَمَنِيُّون، ويَترُكونَ المُبادَرَةَ لإسرائيلَ وأمريكا؟

أم يُمسِكونَ الزِّمامَ، ويُبادِرونَ، ويَقودونَ، ويتَحوَّلونَ إلى بُناةٍ ومُؤسِّسينَ للعَرَبِ والإقليمِ الجديدِ؟

إنَّهُم أصحابُ الخِيارِ، ونحنُ نُراقِبُ، ونَأمَلُ، ونَدعو.

لمتابعة كل جديد الاشتراك بقناة الأجمل آت مع ميخائيل عوض على الرابط

https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=9qbBkVg5n_vpqmOS

المصدر: موقع إضاءات الإخباري