كتب العميد المتقاعد شارل أبي نادر:
مقالات
كتب العميد المتقاعد شارل أبي نادر: "التهديدات الحدودية السورية على لبنان.. هل هي جدية وكيف يمكن مقاربتها"؟
شارل ابي نادر
5 تموز 2025 , 15:50 م


تابع اللبنانيون مؤخرًا، وبحذر شديد ، وخاصة أبناء المناطق البقاعية الحدودية مع سوريا، تابعوا المعطيات التي تداولتها بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، عن وجود تهديدات حدودية من الداخل السوري باتجاه لبنان، سيكون رعاتها وأبطالها بعض المجموعات المسلـ.ـحة المنتشرة في مناطق حمص والقصير، السوريون أو الأجانب منهم، والقريبون عمليًا من الأمن العام ومن السلطة السورية الحالية.

وما يزيد من حساسية هذه المخاوف، إمكان ربطها بالتفجير الإرهـ..ـابي الدامي الذي طال كنيسة مار الياس في دمشق، والغموض الذي دار حيال هوية منفذيها وأهدافهم، بعد أن اتهمت "داعش"، من دون اعتراف من التنظيم الإرهـ..ـابي بذلك، ومن دون ثبوت أية معطيات تدينه بالجـ.ـريمة الإرهـ..ـابية عمليًا.

طبعا، لا يمكن لأي متابع، وخاصة اللبنانيين منهم، ألا أن يأخذوا الأمر على محمل الجد وبقوة. وما عزز جدية هذه المخاوف كشف مديرية المخابرات في الجيش اللبناني عن توقيفها خلية لتنظيم "داعش" الإرهـ..ـابي، في ضاحية بيروت الجنوبية، في برج البراجنة، ما يرفع نسبة هذه المخاوف وجديتها.

في الواقع، هناك عدة عناصر ونقاط يجب الإضاءة عليها حتى يمكن مقاربة الموضوع من ناحية واقعية، لكي يبنى على الشيء مقتضاه لناحية تقدير هذه المخاوف، أو لناحية إمكان مواجهتها، في ما لو كانت فعليًا موجودة وواردة.

أولًا - يجب الكلام عن الأهداف المحتملة لهذه المجموعات المسلـ.ـحة؛ في ما لو قررت تنفيذ أي عمل عسـ.ـكري ميداني باتجاه الداخل اللبناني.

ثانيًا - يجب الإشارة إلى السبل الكفيلة بمواجهة هذا العمل؛ في ما لو أقدمت عليه تلك المجموعات المسلـ.ـحة من الداخل السوري.

لناحية الأهداف:

أولًا - لا يمكن بتاتًا استبعاد وجود فكرة عند هؤلاء المسلـ.ـحون ترتبط بروحية الانتقام من الداخل اللبناني، وتحديدًا المـ..ـقاومة وبيئتها، وذلك على خلفية الحر ب التي نشبت في سوريا، والتي كان للمـ..ـقاومة فيعا دور أساسي في مواجهة تلك المجموعات الإرهـ..ـابية التي استهـ.ـدفت الدولة والأمن في سوريا. كما وأن ما قامت به هذه المجموعات من أعمال قتـ.ـل انتقامية في بلدات الساحل السوري ومدنه، يفترض أن يحملوا شيئًا من هذا التفكير ضد الداخل اللبناني.

ثانيًا - قد يكون هذا الهـ.ـدف هو الأكثر واقعية في ما لو أقدمت هذه المجموعات على تنفيذ أي عمل إرهـ..ـابي عسـ.ـكري ضد لبنان. وهو أن تكون لاعبًا مُنفِّذًا لمخطط إقليمي غربي أميركي، للضغط على لبنان لتنفيذ أجندات سياسية لم يقتنع بها حتى اليوم، لناحية رضوخه لمطلب التطبيع مع كيان الاحتـ.ـلال، والّا، يكون البديل نشر الفوضى القاتلة في لبنان، أو على الأقل في مناطقه البقاعية والشمالية الحدودية مع سوريا. وذلك بواسطة تلك المجموعات الإرهـ..ـابية المسلـ.ـحة، والتي طالما كانت تنفذ أدوارًا مشبوهة لمصلحة الأجندات الإقليمية والغربية التي استهـ.ـدفت أكثر من دولة في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان سابقًا.

لناحية إمكان لبنان مواجهة هذه المخاطر:

مما لا شك فيه أن أي عملية توغل عسـ.ـكرية تقوم بها المجموعات المسلـ.ـحة من سوريا باتجاه لبنان، ستواجه بضراوة وبقوة، في مناورة دفاعية واسعة وفعالة، من الجيش اللبناني والأهالي والعشائر والمـ..ـقاومة وبيئتها. وهناك عدة معطيات تجعل فرص النجاح كبيرة جدًا لإحباط أي محاولة من هذا النوع ضد الأراضي اللبنانية، خاصة أن مستوى الإمساك بالحدود اللبنانية السورية، الشرقية والشمالية، أصبح مؤخرًا مرتفعًا جدًا، وذلك لأسباب عدة؛ ومنها:

1. زاد الجيش اللبناني، مؤخرًا، من انتشار وحداته على تلك الحدود، وخاصة في مناطق الهرمل مقابل بلدات حوش السـ.ـيـ.ـد علي وزيتا وحاويك وعقربة، والتي هجّرت مجموعات سورية مسلـ.ـحة أهاليها اللبنانيين، حيث اعتـ.ـدت على تلك البلدات من دون وجه حق.

2. ما حصل في الساحل السوري من مجـ.ـازر، وما يحصل في مناطق سورية أخرى من حوادث تعدٍّ ذات طابع مذهبي، جعل اللبنانيين، وخاصة أبناء المناطق البقاعية، يأخذون هذا الأمر بجدية واسعة. وهذا دفعهم لإعطاء اهتمام جدي، وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية والعسـ.ـكرية اللبنانية، لتحضير خطط للدفاع بكل الوسائل عن أرضهم وأمنهم وممتلكاتهم، ولتحقيق حضور واعٍ وجهوزية فعالة ومراقبة متواصلة لتلك الحدود.

3. بعد أن فعّل، مؤخرًا، الجيش اللبناني آلية إقفال المعابر غير الشرعية على تلك الحدود، وارتفع مستوى ضبطها، انعكس الأمر إيجابيًا من الناحيتين الأمنية والعسـ.ـكرية، فزاد من صعوبة نجاح المجموعات المسلـ.ـحة في إحداث خرق أمني حدودي نحو الداخل اللبناني.

بناء على ما تقدم؛ ومع إمكان تكليف المجموعات المسلـ.ـحة الموجودة في سوريا بتنفيذ عملية مشبوهة للضغط على لبنان، هي احتمال وارد بنسبة معقولة، مع روح هؤلاء العدائية الانتقامية ضد بعض اللبنانيين أو كلهم. تبقى فرص نجاح هذه المجموعات في تنفيذ عمل عسـ.ـكري ميداني أمني ضد لبنان، احتمال ضعيف جدًا جدًا، إذا لم يكن معدومًا بالكامل، وذلك للأسباب الواقعية المذكورة أعلاه.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري