تتصاعد في قبرص موجة من القلق الشعبي والسياسي جراء تزايد تملّك المواطنين الإسرائيليين للعقارات والأراضي داخل الجزيرة، في ظاهرة وصفها مسؤولون وخبراء قبرصيون بأنها "غزو اقتصادي منظم" قد يهدد مستقبل البلاد وسيادتها، وسط تحذيرات من تكرار "السيناريو الفلسطيني" على الأراضي القبرصية.
عقارات تُباع ... ومخاوف تُزرع
بحسب ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، فإن السلطات القبرصية بدأت تدق ناقوس الخطر بعد أن أظهرت تقارير رسمية تزايدا لافتا في شراء الإسرائيليين لعقارات داخل قبرص، لا سيما في المناطق الجنوبية من الجزيرة، مستغلين قوانين الملكية السهلة، والاستقرار السياسي، وانخفاض الأسعار مقارنة بإسرائيل.
وقد عبّر عدد من النواب القبارصة عن خشيتهم من تحوّل هذه الظاهرة إلى "استيطان ناعم"، خاصة مع ظهور مؤشرات على تنسيق جماعي بين مستثمرين إسرائيليين، مما دفع البعض إلى الحديث عن "مخطط منظم" يهدف إلى فرض أمر واقع ديموغرافي واقتصادي على المدى الطويل. المقارنة مع فلسطين: جرس إنذار
مما يثير الذعر في الأوساط القبرصية هو تشبيه بعض النشطاء والمفكرين لما يحدث اليوم بما جرى في فلسطين بداية القرن العشرين، حيث بدأت الهجرة اليهودية بتملّك الأراضي بشكل فردي ثم تحولت إلى مشروع استعماري شامل أفضى إلى نكبة الفلسطينيين عام 1948.
وفي تصريح لافت، قال أحد أعضاء البرلمان القبرصي:
"نحن لا نعارض التملك الفردي القانوني، لكننا نرى نمطا مريبا من الشراء الجماعي في مناطق استراتيجية، وهذا يدق جرس إنذار سيادي يجب التوقف عنده".
وأضاف: "نخشى أن نكون أمام نسخة قبرصية من السيناريو الفلسطيني، ولكن بأدوات ناعمة".
صمت رسمي إسرائيلي ... وتشجيع غير مباشر
في المقابل، لا توجد تصريحات رسمية من الحكومة الإسرائيلية بشأن هذه الظاهرة، إلا أن يديعوت أحرونوت تحدثت عن وجود "تشجيع غير مباشر" من قبل جهات إسرائيلية وشخصيات اقتصادية نافذة لشراء العقارات في قبرص، ضمن ما يشبه استراتيجية توسيع النفوذ الإسرائيلي في حوض البحر المتوسط، خاصة بعد التقارب الجيوسياسي بين إسرائيل وقبرص واليونان.
قبرص بين فكيْ كماشة: التهديد التركي و"النفوذ الإسرائيلي"
وتأتي هذه التطورات في ظل واقع قبرصي معقد أصلا، حيث لا تزال الجزيرة مقسّمة منذ عام 1974 إلى شطرين: جنوبي يوناني وشمالي تركي، ما يجعلها هشّة أمام أي تغيرات ديموغرافية جديدة.
ويرى محللون أن قبرص باتت بين فكي كماشة: التهديد العسكري التركي من الشمال، والتمدّد الاقتصادي الإسرائيلي من الجنوب، وهو ما يجعل مسألة السيادة على أراضي الجزيرة موضع تساؤل متزايد.
دعوات للمراجعة القانونية
في ظل هذه المعطيات، طالب عدد من السياسيين القبارصة بمراجعة شاملة لقوانين التملك للأجانب، خاصة في المناطق الحساسة، مع وضع آليات رقابية تحدّ من عمليات الشراء الجماعي وتمنع تحويل العقار إلى أداة اختراق استراتيجي.
خلاصة
ما يجري في قبرص ليس مجرد نشاط استثماري بريء، بل يحمل مؤشرات على تحول أعمق في موازين النفوذ داخل حوض المتوسط، وإذا لم تتمكن قبرص من التعامل مع هذا الملف بحزم، فقد تجد نفسها – كما حذّر البعض – أمام واقع لا يختلف كثيرا عن مصير فلسطين: استيطان ناعم يسبق الاستحواذ الصلب.



