✍️ عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
في مشهد يكشف بوضوح عمق الأزمة الأخلاقية داخل الإدارة الأميركية، وارتباكها أمام الحقائق المتراكمة؛ تحوّلت المقررة الأممية الإيطالية فرنشيسكا بانزيني إلى هدف مباشر لحملة تهديد وترهيب، شنّها الرئيس ترامب ووزير خارجيته، بسبب تقاريرها الصريحة والمهنية التي أدانت فيها تزويد واشنطن لإسرائيل بكميات هائلة من السلاح، واستخدامه في انتهاكات ممنهجة للقانون الدولي.
المقررة الأممية بانزيني، التي تُعرف بدقّتها العالية واستقلاليتها داخل أروقة الأمم المتحدة، كانت قد طالبت سابقًا بحظر شامل لشحن الأسلحة إلى إسرائيل، معتبرة أن استمرار تدفّق الذخائر والمعدات العسكرية يُساهم في تصعيد الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين، ويحوّل المجتمع الدولي إلى شريك غير مباشر في هذه الجرائم.
لكن يبدو أن موقفها لم يمرّ مرور الكرام لدى واشنطن. فبدلًا من الرد بالأرقام أو التبريرات القانونية، اختارت إدارة ترامب سياسة التهديد والضغط، سعيًا لإسكات صوتها.
ويُطرح سؤال جوهري هنا: ماذا سيكون موقف بانزيني اليوم، بعد أن تبيّن — وبالإعتراف الإسرائيلي الرسمي — أن الولايات المتحدة قد زوّدت إسرائيل بأكثر من 39 مليون طن من المتفجرات والأسلحة عبر جسر جوي من 800 طائرة وجسر بحري من 140 سفينة؟
فهذا الرقم الكارثي، الذي لا يُستخدم في حروب تقليدية، يكشف النيات المبيّتة لتصفية خصوم إسرائيل جماعيًا، بل ويُرجّح أن يكون أداة تخزين لشنّ عدوان واسع النطاق ليس فقط على غزة ولبنان، بل على إيران أيضًا. وهو ما بدأ يتجلّى فعليًا في الضربات الإسرائيلية الأخيرة ضد منشآت إيرانية، والتي كشفت أن بعض الذخائر المستخدمة كانت أميركية الصنع، ومخزّنة ضمن الجسر العسكري الذي بُني تحت أنظار الأمم المتحدة.
مهنية في وجه الترهيب
إن الحملة على بانزيني لا يمكن فصلها عن مشهد التواطؤ الأميركي مع العدوان الإسرائيلي. فحين يصرّ خبير أممي على أداء مهامه بمهنية وشجاعة، يصبح مزعجًا لمراكز القرار، ويتحوّل إلى "خطر يجب احتواؤه".
لكن بانزيني أثبتت حتى الآن أنها أكبر من الترهيب، وأكثر وفاءً لرسالتها الأممية من كثيرين ممّن غرقوا في صمت التواطؤ أو حياد الخداع.
إن وقوفنا مع بانزيني ليس تضامنًا شخصيًا فقط، بل دفاعًا عن جوهر الشرعية الدولية، وعن وظيفة الأمم المتحدة التي تتآكل يومًا بعد يوم تحت ضغط الممولين الكبار.
وإنً غدًا لناظره قريب
بيروت | 21 حزيران/يونيو 2025