١٢/٧/٢٠٢٥
كتب الدكتور ميخائيل عوض
١
زيارةُ نتنياهو لواشنطن نوعيّةٌ وتأسيسيّةٌ، وبكلِّ تأكيدٍ ليست عاديّة.
زمنُها زمنُ حروبٍ وتوسُّعٍ وعنْتريّاتٍ، ولحظةُ تقريرٍ: لمن ستكون الكلمة في واشنطن؟ للّوبي العَولَمة وحكومةِ الشركات؟ أمْ لترامب ومشروعِه ولوبي الأمركة؟
الزيارةُ أُحيطت بحفاوةٍ وسريّةٍ تامّةٍ، وأخذت وقتًا طويلًا، وعقد نتنياهو ووفدُه سلسلةً طويلةً من اللقاءات، تخلّلها عشاءٌ ولقاءان في المكتب البيضاوي، وانتهت بلا إعلانٍ ولا مؤتمراتٍ صحفيّةٍ، أو مطوَّلاتٍ لترامب في المكتب البيضاوي بحضور ضيوفِه.
٢
من المفترضِ أنّها قمةٌ لإنهاءِ حربِ غزّة بهُدنةٍ مفتوحةٍ على إنهاءِ الحرب، بتعهُّد الضامن: أمريكا وترامب بتحويلها إلى وقفٍ للحرب. وكلاهما لم يضمنا أيَّ اتفاقٍ أو توقيعٍ، وما كانت السياساتُ الخارجيّةُ والإعلاناتُ الأمريكيّةُ إلّا بمثابةِ مناوراتٍ وتضليلٍ للخصوم، والنموذج الإيراني، وعصفِ الـ١٢ يومًا، والشبح، وقنابل الـ١٤ طنّ، من الشواهدِ القاطعة.
٣
هُدنةُ غزّة لا تستوجب كلَّ هذه المدّةِ والتفاوضِ في واشنطن، ولا تلك اللقاءات، وفي السوابقِ مبعوثُ ترامب يفرضُها بكلمتين، ويستجيبُ نتنياهو، كما حصل عند تسلُّم ترامب البيتَ الأبيض.
فأنْ تأخذ هذا الوقتَ والجهدَ من التفاوض، وهذه الزيارة، فالمنطقيُّ أنَّ الأمورَ التي تمَّ تداولُها شيءٌ آخر. ربّما بينها محاولاتُ نتنياهو – بصفته قائدًا محوريًّا ومنصّةً أساسيّةً للّوبي العَولَمة – فرضَ أجندتِه وإلزامَ ترامب بها، أو تحييدَه وإقصاءَه عن شؤون الإقليم.
والإقليمُ يشهدُ تحوّلاتٍ فَرطَ استراتيجيّةٍ محمولةٍ على مشروعِ لوبي العَولَمة لفرضِ قبضتِه، وعبرها تطويعُ ترامب تمهيدًا لإسقاطِه في الانتخاباتِ النصفيّة، تمهيدًا لدفنِ ظاهرتِه في الرئاسيّة.
فإفشالُه في أوكرانيا وغزّة، وتوريطُه في الحرب على إيران، وإفشالُه في واشنطن، وتمردُ إيالون ماسك، وتشكيلُه خطرًا على اللوبييْن؛ لوبي العَولَمة ولوبي الأمركة، يمثّل حدثًا غيرَ متوقَّع، قد يدفعهما للتفاهم وضبطِ صراعاتِهم لإسقاط ماسك أوّلًا، ومن ثمَّ العودةِ لصراعِ الثنائيّ.
هذه تمثّل فرصةً ذهبيّةً لنتنياهو العازمِ على إنتاج "إسرائيل ٢"، التي تعني تحويلَها من دولةٍ قاصرةٍ وظيفيّةٍ ومنتهيةِ الصلاحيّةِ والدور، إلى دولةٍ قُطبيّةٍ إقليميّةٍ، تملأ فراغَ تخلُّف العرب ونكوصِهم، وعجزِ تركيا عن ملءِ الفراغ.
فيكون المنافسُ الوحيدُ إيران، بما تمثّله من دولةٍ كاملةِ الأركان، وأصبحت نوويّةً وفضائيّةً وصانعةً للسلاحِ النوعيّ، ولها خاصيّاتٌ من خارج السياق، بالتشكُّل وبطبائعِ ثورتِها الإسلاميّة، غيرِ الشرقيّةِ ولا الغربيّة.
٤
لوبي العَولَمة، وأحدُ أعمدتِه نتنياهو، يدركون أنَّ ترامب طامحٌ بعلاقاتٍ اقتصاديّةٍ وباتفاقٍ لاحتواءِ إيران، وهم راغبون بها لأهمّيّتها الجيوبوليتيكيّة، ولثرواتِها، ولِما تمثّلُه من منصّةِ صعودٍ وتقدُّمٍ نوعيٍّ للصين.
فحمايتُها ليست بين مهامّ ترامب، وأضرارُه بسقوطِها بسيطةٌ، بل فرصةٌ للربح – له، أو هكذا يظنُّ ويتصوَّرُ الأمورَ أمامه – لكنّ التمكُّن منها يكسرُ التوازناتِ في العالم، وفي واشنطن نفسِها.
فغالبُ الظنِّ أنّ مستقبلَ الحرب على إيران، وتدويرَ الزوايا، وإغراءَ ترامب، كانت المسألةَ المحوريّةَ والهدفَ الأثمنَ للزيارة.
ومن غيرِ المستبعَدِ أن تكون تركيا ومستقبلُها، والحاجةُ إلى تفخيخِها وتفجيرِ أزماتها، بين المسائلِ الجوهريّةِ التي جرى مناقشتُها ووضعُها على الطاولة.
فتركيا والإخوانُ والإرهابُ كأذرعٍ للوبي العَولَمة، استُنفدت قدراتُها، وباتت عبئًا منافسًا لإسرائيل ٢ القُطبيّةِ الإقليميّة.
وأيضًا لا يبدو أنّ ترامب متمسّكٌ بأردوغان، أو حليفُه، أو مسندٌ أساسٌ في مشروعِه في الإقليم.
وهذا يفترض تركيزَ الرقابةِ على تركيا وتطوُّراتِها، واحتمالاتِ انفجارِ أزَماتها الاقتصاديّةِ والبنيويّة، وما يُقدم عليه أردوغان من استعجالٍ تصفيةِ المعارضين وتدميرِ الحزب الجمهوري، إلّا مؤشّراتٌ دالّةٌ وسعيٌ لسباقِ الزمن.
وكذا تسليمُ سلاحِ حزبِ العمّالِ ووقفُ العملِ المسلّح.
٥
خططُ العملِ لإسقاطِ إيران بتفعيلِ المرحلةِ الثانية، التي يُسَمّيها الإيرانيّون – بإعجابٍ – "الحربَ الهجينة"، ويدُ إسرائيل ولوبي العَولَمة فيها طائلةٌ، وقد اختبروها على مدى نصف قرنٍ وأكثر، وظفروا بها: من إسقاطِ وتفكيكِ الاتحادِ السوفييتي، إلى الثوراتِ الملوّنة، وإسقاطِ يوغوسلافيا وتفكيكِها، وستكون النموذجَ في محاولاتِ إسقاطِ إيران.
الحربُ الهجينةُ جاريةٌ بقوّةٍ وتركيزٍ على إيران، وستتصاعدُ بمعدّلاتٍ كبيرةٍ وخطيرة.
فبين وسائلِ الحربِ الناعمةِ والاغتيالاتِ والتصفيات، باستراتيجيّةِ "قتلِ الراديكاليّين لتصعيدِ البراغماتيّين الاستسلاميّين"، إلى التحرُّشاتِ عبر الحدود، وتصعيدِ التوتّراتِ الإثنيّة، وتعميقِ الأزماتِ الاقتصاديّةِ والاجتماعيّة، إلى الحربِ النفسيّةِ والسيبرانيّة، ومختلفِ الأدوات، وكلُّها طوْعَ يدِ إسرائيل ولوبي العَولَمة، ومتفوّقون بها.
إيران في خطرٍ، وإسقاطُها وتبديدُ قدراتِها وتصفيةُ مكانتِها وتاريخِ الأمّةِ الإيرانيّة، شعارٌ وهدفٌ نطق به ترامب ونتنياهو بوضوح، ولا عودةَ عن تحقيقِه بأيِّ ثمن.
٦
ليست الأمورُ كلُّها موفورةً لنتنياهو ولوبي العَولَمة وأهدافِه، على العكس، فالبِيئةُ الاستراتيجيّةُ وميزانُ القوى الكلّيُّ والفرصةُ هي كاملةُ المواصفات، وتامةُ النضجِ لصالح إيران، بشرط أن تُفعِّل قدراتِها وأدواتِها، وتُجيدَ استخدامها، وفي أوّلِها الانتقالُ من الانفعال وردّاتِ الفعل، إلى الفعلِ الهجوميّ.
هل تفعلها إيران؟
القرارُ لها ولقيادتِها.
وفي هذه يُصاغ مستقبلُ إيران، والإقليمُ برمّتِه.
فهل تسود؟ أم تتبدّد؟
لمتابعة كل جديد الاشتراك بقناة الأجمل آت مع ميخائيل عوض على الرابط
https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=9qbBkVg5n_vpqmOS