بقلم رئيس تحرير موقع بوابة بعلبك الباحثة خديجة البزال
السويداء، بوصفها نموذجًا متقدّمًا لمجتمعٍ أقلوي حافظ على خصوصيته ضمن النسيج السوري، أصبحت اليوم أكثر من مجرد مدينة؛ إنها خط الدفاع الأخير عن بقايا التنوع المشرقي أمام زحف الفكر الإلغائي. فما يجري هناك ليس مجرد ضغوط أمنية أو اقتصادية، بل يدخل ضمن سياق "حرب الأقليات" التي تستهدف محو الخصوصيات الثقافية والدينية والتاريخية، وإعادة هندسة المشهد السكاني والجغرافي.
الفكر الإلغائي: من الاستيعاب إلى المحو
لم يعد الفكر الإلغائي يكتفي بالتهميش أو الإقصاء، بل تطور إلى مراحل أكثر خطورة:
تفكيك البُنى الداخلية للمجتمعات الصغرى (كما في دروز السويداء).
إشعال صراعات داخلية لتبرير الانهيار والتدخل.
إضعاف الذاكرة التاريخية للمكونات وتحطيم رموزها الروحية والسياسية.
فرض مشاريع مركزية طاغية تُهمّش الهويات الجهوية والدينية.
ما بعد السويداء؟
1. استهداف المسيحيين في الشمال السوري والموارنة في بعض مناطق لبنان
تتقدّم مؤشرات خنق الدور السياسي والاجتماعي لهم تدريجيًا، لصالح مشاريع طائفية كبرى أو قومية متطرفة.
2. محاولة إدخال الشيعة ضمن معادلة الإلغاء الناعم
من خلال عزلهم عن بيئتهم الطبيعية وتحويلهم إلى مجرد أدوات في نزاع إقليمي أكبر.
3. إعادة صوغ هوية الجبل (لبنان وسوريا)
حيث يظهر بوضوح سعي لتفريغ الجغرافيا من مكوناتها المتنوعة، واستبدالها بهويات مصنّعة، أكثر طواعية وأكثر انفصالًا عن التاريخ.
4. تطويق أي نهوض ثقافي أو سياسي مستقل للمجتمعات الأقل عددًا
مثل السريان، الآشوريين، العلويين غير المنخرطين في النظام، أو حتى السنة غير المؤدلجين.
كيف نواجه؟
بناء خطاب سياسي عقلاني وغير استسلامي، يؤمن بالتنوع كقوة لا كمشكلة.
تعزيز التحالفات التاريخية بين المكونات المستهدفة، لا سيما بين الدروز والموارنة والشيعة والمسيحيين العرب والسنة المعتدلين
رفض منطق الحرب بالوكالة، الذي يُستثمر فيه وجود الأقليات لصالح محاور إقليمية كبرى.
إعادة بعث المشاريع الفكرية التي واجهت الإلغاء من أساسه، مثل فكر أنطون سعادة، وفكر كمال جنبلاط، وخطاب المطران جورج خضر
ويبقى فكر الامام المغيب السيد موسى الصدر هو الترياق لكل السموم التي تبث من افاعي الخارج والداخل
ما بعد السويداء هو امتحان مصيري لما تبقّى من التنوع المشرقي. فإما أن ننتقل إلى مرحلة بناء كتلة تاريخية تحمي هذا التنوع في وجه فكر الإلغاء، أو نواصل التآكل البطيء وصولًا إلى المجهول. الخيار لا يزال متاحًا... لكنه يضيق.