كتب محمد الحسيني:
مقالات
كتب محمد الحسيني: "فتنة السويداء بوابة لحزام أمني سوري وشرارة لضرب الداخل اللبناني".
د. محمد الحسيني
20 تموز 2025 , 05:40 ص

كشفت حرب الأيام الأربعة التي دارت رحاها في السويداء بدءاً من 13 تموز/يوليو بين أبناءطائفة الموحّدين فالدروزمن جهةوقبائل البدو وقوات الأمن التابعة لنظام الجولاني ( أحمد الشرع ) في سورية من جهة ثانية عن فظائع كبيرة ومشاهد مروّعة للمئات من الضحايا –تجاوزت الـ 500 قتيل بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان- واستحضرت واقع المجـ ـازر التي ترتكبها قوات الاحتـ.ـلال يوميًا بحق الفلسـ.ـطينيين في قطـ.ـاع غزّة.

وعلى الرغم من أن حكومة الجولاني نأت بنفسها عن تحمّل مسؤولية ارتكاب الجرائم، بحق المدنيين وأبناء العشائر في السويداء وريفها، مدّعية أنها مِنْ فِعلِ مجموعات "خارجة عن القانون"، إلا أن الوقائع تحدثت عن إقدام عناصر تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع، على تنفيذ عمليات إعدام ميدانية طالت عشرات المدنيين في الشوارع وداخل المنازل وفي مشفى السويداء الوطني، فيما تؤكد أرقام القتـ.ـلى من هذه العناصر –تجاوز العدد 240 فردًا من عناصر النظام- مشاركتها في الاشتباكات بشكل مباشر.

شكّلت التطوّرات الميدانية المتسارعة في الجنوب السوري فرصة أمام الـ.ـعـ.ـدوّ "الإسرائيلي" للتدخّل بذريعة حماية الدروز، وقصفت طائراته الحر بية 160 هـ.ـدفًا في سورية من بينها مباني وزارة الدفاع ورئاسة الأركان وقصر الرئاسة في قلب دمشق، وفرضت بغطاء أميركي، وقف الاشتباكات وانسحاب قوات الأمن السوري من السويداء، بعد اتفاقٍ مع مشايخ الدروز، إلا أن تجدّد الاشتباكات أمرٌ مرجّحٌ كثيرًا، مع تواجد مجموعات مسلّحة في الأرياف تتحيّن الفرصة لِاستتئنافِ عملياتِ القتـ.ـل، وفي المقابل رُصِدَت عملياتُ نزوحٍ واسعةٌ لعشائر البدو في السويداء، خوفًا من عمليات انتقامية.

وفي هذا السياق بعث بنيامين نتنياهو برسالة ميدانية من خلال توغّل قوة برية عسـ.ـكرية "إسرائيلية" مدرّعة انطلاقًا من الجولان السوري المحتـ.ـل في ريف دمشق الجنوبي، ووصلت إلى بلدة قطنا على بعد 10 كلم من العاصمة دمشق، فيما أفادت هيئة البث "الإسرائيلية" بأن رئيس أركان الـ.ـعـ.ـدوّ إيال زمير أوعز بنقل قوات من الفرقتين 36 و98 العاملتين في قطـ.ـاع غزّة إلى هضبة الجولان، ما يعني تهديداً مباشراً للنظام السوري وإجراءً ميدانياً، سوف تتبعه خطواتٌ لاحقة تضع منطقة الجنوب السوري تحت السيطرة العسـ.ـكرية والأمنية "الإسرائيلية" المباشرة.

وقد أعادت هذه التطوّرات طرح سيناريوهات قديمة وجديدة بشأن الدور "الإسرائيلي" ومستقبل المنطقة، خصوصًا لجهة سعي "إسرائيل" إلى إقامة منطقةعازلةفي الجنوب السوري. وقد أعلن نتنياهو صراحة عن الأهداف والإجراءات المدوّنة في أجندته، وأولها نزع السـلاح في المنطقة الممتدة من الجولان حتّى جبل الدروز، وثانيها السعي إلى جمع مكوّن درزي مستقل. وهذان الأمران يعنيانِ التمهيدَ لإنشاء كيانٍ ذي نِطاقٍ جغرافيٍّ، بحكم الأمر الواقع، حيث يتمركز الدروز في مناطق السويداء والقنيطرة ودرعا، وصولًا إلى الجولان المحتـ.ـل، بما يوحي برسم خارطة كانتون درزي منفصل عن الدولة السورية، ويحظى باعتراف وحماية "إسرائيلية" مباشرة.

إن تصريح نتنياهو "لن نسمح للقوات العسـ.ـكرية بالنزول جنوب دمشق وبالاعتـ.ـداء على الدروز" أتى بمثابة إعلان مباشر، بأن المرحلة المقبلة ستشهد تكرارًا لتطبيق نموذج "الحزام الأمني" الذي اقامه الاحتـ.ـلال، في جنوب لبنان في العام 1985، حيث عيّنت حكومة الـ.ـعـ.ـدوّ العميلين سعد حداد ثمّ انطوان لحد على رأس ما سمّي بـ"دولة لبنان الحر" وقيادة "جيش لبنان الجنوبي"، فضلًا عن دور هذا الحزام المعلنِ آنذاك، في إبعادِ خطرِ سقوطِ صواريخِ الكاتيوشا على المستـوطنات الصهيـونية في شمال فلســطين المحتــلة.

والجانب الآخرُ، من هذاالنموذج، هو دق إسفينٍ بين مكوّنات الشعبِ الواحدِ، والطائفة الواحدة من جهة، وبين الدروز وغيرهم من أبناء الطوائف الأخرى،والسنّة على وجه التحديد، من جهةٍ ثانية، حيث تعمّد نتنياهو التذرّع بأن التدخل العسكري"الإسرائيلي"في سورية جاء بطلب من زعيم الطائفة الدرزية في "إسرائيل"، الشيخ موفق طريف الذي ناشده مدَّ يَدِ العون للدروز، وحمايتهم من نظام الجولاني، فيما انقسم الدروز وقياداتهم، في سورية ولبنان، بين من يطالب بالحفاظ على الانتماء العربي والانضواء تحت لواءالدولة،وبين مَنْ ينادي بالالتحاق بالــعـدو "الإسرائيلي"، كونُه الجهة التي تحفظ للدروز الأمن والحماية من عمليات القتـ.ـل والإبادة.

*ما سبق يتيح لنتنياهو تسويغ سعيه لإقامة منطقة عازلة وفق ذرائع عدة أهمها:*

منع أي وجود عسـ.ـكري "معادٍ" بالقرب من الحدود وعلى طول هضبة الجولان المحتـ.ـلة، ومنع أي فصيل مسلّح من سورية أو لبنان من التمركز في هذه المنطقة، أو الاستفادة منها في شنّ الهـجـ.ـمات على المواقع "الإسرائيلية".

جعل جنوب سورية منطقة خالية من السـلـاح، إلا بما تسمح به "إسرائيل" لأبناء الطائفة الدرزية ووفق قوانينها وإجراءاتها العسـ.ـكرية، وهذا يعني منع أي تواجد عسـ.ـكري للسلطة المركزية السورية مهما بلغ حجم هذا التواجد ونوعه.

ضمان الأمن بذريعة حماية الدروز كونهم يشكّلون خطًا حيويًا يطال الأمن القومي "الإسرائيلي"، فالامتداد بين جنوب سورية وشمال فلسـ.ـطين لا يقتصر على الجانب الجغرافي فحسب بل يشمل أيضًا الامتداد الطائفي والمذهبي ما بين دروز سورية ودروز فلسـ.ـطين.

إضعاف سورية كيانًا ودولة ونظاماً والإمعان في شرذمتها، حيث إن المصلحة "الإسرائيلية" تقضي بعدم وجود أي كيان مجاور لفلسـ.ـطين المحتـ.ـلة يمتلك القدرات التي يرى فيها الـ.ـعـ.ـدوّ احتمالًا لتشكيل تهديدات تستهـ.ـدفها في أي ظرف كان، ومن شأن الكانتون الدرزي أن يوفر نوعًا من الشريط العازل الذي يوفّر هذا المستوى من الحماية.

إن التدخل "الإسرائيلي" المباشر على خط الأزمة المفتعلة في الجنوب السوري سيوف يلقي بثقله على تطوّرات المرحلة المقبلة، وفي حال نجح نتنياهو في تحقيق هـ.ـدفه الفتنوي في جنوب سورية، فقد تتدحرج الأمور سلبًا باتّجاه خلق كيانات متناحرة على خلفيات طائفية مغلّفة بطموحات سلطوية تأخذ شكل الدويلات، ومن الطبيعي أن تمتد تداعيات هذا التناحر إلى الداخل اللبناني مع بروز موجة شحن طائفي ومذهبي قد تأخذ بلبنان مجددًا إلى دوامة الحرب الأهلية وتصاعد خطاب التقسيم والفدرلة، والمستفيد الأول هو "إسرائيل".شاكرزكتب محمد الحسيني:

"فتنة السويداء بوابة لحزام أمني سوري وشرارة لضرب الداخل اللبناني".

كشفت حرب الأيام الأربعة التي دارت رحاها في السويداء بدءاً من 13 تموز/يوليو بين أبناءطائفة الموحّدين الدروزمن جهةوقبائل البدو وقوات الأمن التابعة لنظام الجولاني ( أحمد الشرع ) في سورية من جهة ثانية عن فظائع كبيرة ومشاهد مروّعة للمئات من الضحايا –تجاوزت الـ 500 قتيل بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان- واستحضرت واقع المجـ ـازر التي ترتكبها قوات الاحتـ.ـلال يوميًا بحق الفلسـ.ـطينيين في قطـ.ـاع غزّة.

وعلى الرغم من أن حكومة الجولاني نأت بنفسها عن تحمّل مسؤولية ارتكاب الجرائم، بحق المدنيين وأبناء العشائر في السويداء وريفها، مدّعية أنها مِنْ فِعلِ مجموعات "خارجة عن القانون"، إلا أن الوقائع تحدثت عن إقدام عناصر تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع، على تنفيذ عمليات إعدام ميدانية طالت عشرات المدنيين في الشوارع وداخل المنازل وفي مشفى السويداء الوطني، فيما تؤكد أرقام القتـ.ـلى من هذه العناصر –تجاوز العدد 240 فردًا من عناصر النظام- مشاركتها في الاشتباكات بشكل مباشر.

شكّلت التطوّرات الميدانية المتسارعة في الجنوب السوري فرصة أمام الـ.ـعـ.ـدوّ "الإسرائيلي" للتدخّل بذريعة حماية الدروز، وقصفت طائراته الحر بية 160 هـ.ـدفًا في سورية من بينها مباني وزارة الدفاع ورئاسة الأركان وقصر الرئاسة في قلب دمشق، وفرضت بغطاء أميركي، وقف الاشتباكات وانسحاب قوات الأمن السوري من السويداء، بعد اتفاقٍ مع مشايخ الدروز، إلا أن تجدّد الاشتباكات أمرٌ مرجّحٌ كثيرًا، مع تواجد مجموعات مسلّحة في الأرياف تتحيّن الفرصة لِاستتئنافِ عملياتِ القتـ.ـل، وفي المقابل رُصِدَت عملياتُ نزوحٍ واسعةٌ لعشائر البدو في السويداء، خوفًا من عمليات انتقامية.

وفي هذا السياق بعث بنيامين نتنياهو برسالة ميدانية من خلال توغّل قوة برية عسـ.ـكرية "إسرائيلية" مدرّعة انطلاقًا من الجولان السوري المحتـ.ـل في ريف دمشق الجنوبي، ووصلت إلى بلدة قطنا على بعد 10 كلم من العاصمة دمشق، فيما أفادت هيئة البث "الإسرائيلية" بأن رئيس أركان الـ.ـعـ.ـدوّ إيال زمير أوعز بنقل قوات من الفرقتين 36 و98 العاملتين في قطـ.ـاع غزّة إلى هضبة الجولان، ما يعني تهديداً مباشراً للنظام السوري وإجراءً ميدانياً، سوف تتبعه خطواتٌ لاحقة تضع منطقة الجنوب السوري تحت السيطرة العسـ.ـكرية والأمنية "الإسرائيلية" المباشرة.

وقد أعادت هذه التطوّرات طرح سيناريوهات قديمة وجديدة بشأن الدور "الإسرائيلي" ومستقبل المنطقة، خصوصًا لجهة سعي "إسرائيل" إلى إقامة منطقةعازلةفي الجنوب السوري. وقد أعلن نتنياهو صراحة عن الأهداف والإجراءات المدوّنة في أجندته، وأولها نزع السـلاح في المنطقة الممتدة من الجولان حتّى جبل الدروز، وثانيها السعي إلى جمع مكوّن درزي مستقل. وهذان الأمران يعنيانِ التمهيدَ لإنشاء كيانٍ ذي نِطاقٍ جغرافيٍّ، بحكم الأمر الواقع، حيث يتمركز الدروز في مناطق السويداء والقنيطرة ودرعا، وصولًا إلى الجولان المحتـ.ـل، بما يوحي برسم خارطة كانتون درزي منفصل عن الدولة السورية، ويحظى باعتراف وحماية "إسرائيلية" مباشرة.

إن تصريح نتنياهو "لن نسمح للقوات العسـ.ـكرية بالنزول جنوب دمشق وبالاعتـ.ـداء على الدروز" أتى بمثابة إعلان مباشر، بأن المرحلة المقبلة ستشهد تكرارًا لتطبيق نموذج "الحزام الأمني" الذي اقامه الاحتـ.ـلال، في جنوب لبنان في العام 1985، حيث عيّنت حكومة الـ.ـعـ.ـدوّ العميلين سعد حداد ثمّ انطوان لحد على رأس ما سمّي بـ"دولة لبنان الحر" وقيادة "جيش لبنان الجنوبي"، فضلًا عن دور هذا الحزام المعلنِ آنذاك، في إبعادِ خطرِ سقوطِ صواريخِ الكاتيوشا على المستـوطنات الصهيـونية في شمال فلســطين المحتــلة.

والجانب الآخرُ، من هذاالنموذج، هو دق إسفينٍ بين مكوّنات الشعبِ الواحدِ، والطائفة الواحدة من جهة، وبين الدروز وغيرهم من أبناء الطوائف الأخرى،والسنّة على وجه التحديد، من جهةٍ ثانية، حيث تعمّد نتنياهو التذرّع بأن التدخل العسكري"الإسرائيلي"في سورية جاء بطلب من زعيم الطائفة الدرزية في "إسرائيل"، الشيخ موفق طريف الذي ناشده مدَّ يَدِ العون للدروز، وحمايتهم من نظام الجولاني، فيما انقسم الدروز وقياداتهم، في سورية ولبنان، بين من يطالب بالحفاظ على الانتماء العربي والانضواء تحت لواءالدولة،وبين مَنْ ينادي بالالتحاق بالــعـدو "الإسرائيلي"، كونُه الجهة التي تحفظ للدروز الأمن والحماية من عمليات القتـ.ـل والإبادة.

*ما سبق يتيح لنتنياهو تسويغ سعيه لإقامة منطقة عازلة وفق ذرائع عدة أهمها:*

منع أي وجود عسـ.ـكري "معادٍ" بالقرب من الحدود وعلى طول هضبة الجولان المحتـ.ـلة، ومنع أي فصيل مسلّح من سورية أو لبنان من التمركز في هذه المنطقة، أو الاستفادة منها في شنّ الهـجـ.ـمات على المواقع "الإسرائيلية".

جعل جنوب سورية منطقة خالية من السـلـاح، إلا بما تسمح به "إسرائيل" لأبناء الطائفة الدرزية ووفق قوانينها وإجراءاتها العسـ.ـكرية، وهذا يعني منع أي تواجد عسـ.ـكري للسلطة المركزية السورية مهما بلغ حجم هذا التواجد ونوعه.

ضمان الأمن بذريعة حماية الدروز كونهم يشكّلون خطًا حيويًا يطال الأمن القومي "الإسرائيلي"، فالامتداد بين جنوب سورية وشمال فلسـ.ـطين لا يقتصر على الجانب الجغرافي فحسب بل يشمل أيضًا الامتداد الطائفي والمذهبي ما بين دروز سورية ودروز فلسـ.ـطين.

إضعاف سورية كيانًا ودولة ونظاماً والإمعان في شرذمتها، حيث إن المصلحة "الإسرائيلية" تقضي بعدم وجود أي كيان مجاور لفلسـ.ـطين المحتـ.ـلة يمتلك القدرات التي يرى فيها الـ.ـعـ.ـدوّ احتمالًا لتشكيل تهديدات تستهـ.ـدفها في أي ظرف كان، ومن شأن الكانتون الدرزي أن يوفر نوعًا من الشريط العازل الذي يوفّر هذا المستوى من الحماية.

إن التدخل "الإسرائيلي" المباشر على خط الأزمة المفتعلة في الجنوب السوري سيوف يلقي بثقله على تطوّرات المرحلة المقبلة، وفي حال نجح نتنياهو في تحقيق هـ.ـدفه الفتنوي في جنوب سورية، فقد تتدحرج الأمور سلبًا باتّجاه خلق كيانات متناحرة على خلفيات طائفية مغلّفة بطموحات سلطوية تأخذ شكل الدويلات، ومن الطبيعي أن تمتد تداعيات هذا التناحر إلى الداخل اللبناني مع بروز موجة شحن طائفي ومذهبي قد تأخذ بلبنان مجددًا إلى دوامة الحرب الأهلية وتصاعد خطاب التقسيم والفدرلة، والمستفيد الأول هو "إسرائيل".

المصدر: موقع إضاءات الإخباري