* مقدمة:- استولى الاتراك السلاجقة الوافدون من اسيا بصحبة الوف من الفرسان البدو ذوي الشعور الطويلة المضفورة على المنطقة الممتدة من افغانستان الى البحر المتوسط خلال بضع سنوات.ومنذ عام ١٠٥٥م لم يعد الخليفة في بغداد، خليفة رسول الله ووارث الامبراطورية العباسية الذائعة السيط، الّا دمية في ايديهم.وامراؤهم يحكمون من اصفهان الى دمشق، ومن نيقية الى بيت المقدس.لقد تم توحيد العالم الاسلامي كله للمرة الاولى تحت حكم سلالة فذة تجاهر برغبتها في ان تعيد الى الاسلام تالد مجده.ولم تقم للروم الذين سحقهم السلاجقة عام ١٠٧١م قائمة مذاك.فقد اُجْتيحَت اسيا الصغرى اكبر ملحقاتهم وعاصمتهم نفسها لم تكن في امان؛ولم ينفك اباطرتهم، ومنهم اليكسي نفسه،يوفدون البعثات الى بابا روما الرئيس الاعلى للغرب يرجونه الدعوة الى الحرب المقدسة في وجه الظهور الاسلامي المباغت.
كان مظهر وحدة الامبراطورية التركية خادعا،فأبناء العمومة السلاجقة لا يعرفون بينهم اي تكاتف: ان على المرء ان يَقْتُلَ ليبقى على قيد الحياة.في تموز / يوليو ١٠٩٦م بدات طلائع الحملة الفرنجية تشق طريقها الى القسطنطينية.كانت انطاكية اخر مدينة من كبريات مدن اسيا الغربية تقع تحت سيطرة الاتراك السلاجقة.وخضعت الموصل عاصمة الجزيرة، جزيرة الفرات ذلك السهل الخصيب الذي يرويه النهران الكبيران دجلة والفرات واكتسبت حق الرقابة والتوجيه في امور بلاد الشام.تم تقسيم بلاد الشام الى عدة امارات سلجوقية متنافسة ومتناحرة مثل امارة حلب ومعرة النعمان التابعة لها وامارة شيزر الصغيرة،وامارة حمص وصاحبها الامير جناح الدولة الذي قدِّم الهدايا التقليدية والخيول للقائد الصليبي سان جيل( صنجيل)المقيم في حصن الاكراد.وكانت هناك امارة طرابلس الذي ارسل اميرها القاضي جلال الملك الهدايا لصنجيل ودعاه ان يرسل وفدا الى طرابلس للتفاوض على حلف.الّا ان صنجيل فرض حصارا على عرفة القلعة التابعة لطرابلس وبعد ذلك حاصر طرابلس واستولى عليها.وكانت هناك امارة دمشق .واصل صنجيل زحفه جنوباووصل الى امارة بيروت التي قدم اهلها المال والمؤن والاَدِلّاء والاعتراف بسلطة الفرنج،وتابعوا سيرهم جنوبا نحو القدس وقاومت صيدا ثم سقطت بايدي الفرنج وتصرفت امارة صور وامارة عكا مثل بيروت.
عمَّت الفرحة حكام القاهرة الفاطميين بوصول المحاربين الغربيين.لقد هنَّأ الوزير الافضل القيصر بحرارة لدى سقوط نيقية، وقبل استيلاء الغزاة الصليبيين على انطاكية بثلاثة اشهر زار وفد مصري محمَّل بالهدايا معسكر الفرنج متمنيا لهم نصرا قريبا، وعارضا عليهم حلفا.لم يكن سيد القاهرة، وهو رجل عسكري من اصل ارمنيّ، لِيُكِّنَ اي ميل الى الاتراك، وكانت مشاعره الشخصية تلتقي مع مصالح مصر.
في يوم الجمعة ١٥ تموز/ يوليو ١٠٩٩م استولى الفرنج على المدينة المقدسة بعد حصار دام اربعين يوما.ساهمت الامارات السلجوقية في اطالة امد الاحتلال الفرنجي لبلاد الشام .وارتبطت بمصالح اقتصادية وسياسية مع الممالك الصليبية .وبلغ التفكك السياسي حدا اصبحت معه اصغر البلدات وكأنها امارةمستقلة.فكل واحد يعرف انه لا يمكن ان يُعَوِّلَ الا على قواته الخاصة لحماية نفسه ومفاوضة الغزاة.وليس في وسع اي امير، ولا اي قاضٍ، ولا اي وجيه ان ياتي باقل حركة مقاومة دون ان يُعَرِّضَ جماعته باسرها للخطر.وعليه ترك الناس عواطفهم الوطنية جانبا وجاءوا يقدمون الهدايا وايات الاجلال للغزاة.
*طرح برنارد لويس البريطاني الصهيوني في اواخر القرن الماضي مشروع (( تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ)) لاقامة عشرين دولة جديدة في الوطن العربي على اسس المذهبية والعرقية.جاء تلميذه برنارد هنري ليفي اليهودي الصهيوني الفرنسي ليطرح نفس المشروع بعد تنقيحه نظريا وفلسفيا وتوفر القوى الحاملة له والقادرة على تنفيذه وهي المنظمات الجهادية التي افرزتها الحرب الافغانية ضد الاحتلال السوفياتي.هذه القوى تنظيم الاخوان المسلمين والحركة الوهابية.في منتصف تسعينيات القرن الماضي حصل اجتماع تنسيقي على اعلى المستويات في امريكاواسفر عن تحالف ثلاثي بين امريكا وتركيا وتنظيم الاخوان المسلمين الدولي والذي تزامن مع تبني امريكا استراتيجية تعميم الفوضى الخلاقة في العالم الذي يقوم على اقحام المجتمعات في حروب داخلية تستنزف قواها وتقضي على جيوشها الوطنية ملخصه(( لا تحتاج الولايات المتحدة الى الانتصار في الحروب.ما تحتاجه بكل بساطة هو اغراق الاخرين في الفوضى بحيث لا يمكن لهم اعادة انتاج ما يكفي من القوة بحيث تشكل تحديا لها )).
بعد ان احتلت امريكا افغانستان عام ٢٠٠١ والعراق عام ٢٠٠٣ وضعت الجماعات الارهابية تحت الاختبار وتم تعميدها في النار وتم حشدها في ليبيا بدعم من اطراف الحلف الثلاثي الامريكي - العثماني- الاخواني الذي قدم الدعم اللوجستي والاعلامي والفتاوى التكفيرية وفي مقدمهم شيخ الفتنة يوسف القرضاوي الناتوي الذي دعا الى قتل القذافي.تولى برنارد هنري ليفي شخصيا من بنغازي مع عبد الجليل الاخواني وكتب البيان الاول الذي وقعت عليه كل العشائر الليبية.قامت الجامعة العربية وامينها العام عمر موسى بتفويض الناتو لسحق الجيش الليبي واسقاط الدولة الليبية وتامين غطاء عربي لذلك.
في العشرية الثانية تم حشد كل قوى الارهاب العالمي في تركيا ودول الجوار السوري واستقبلتهم تركيا وجهزت لهم القواعد العسكرية وفتحت حدودها الطويلة لهم وسلحتهم بالاسلحة الخفيفة والثقيلة دبابات ومدرعات ومدفعية وقذفت كرة النار في وجه الدولة السورية لاسقاطها دون وجود برنامج سياسي بل الهدف الوحيد اسقاط الدولة وفتح الباب على المجهول.تميزت الحرب على الدولة السورية باختراع تنظيم داعش الذي صنعته امريكا وفتح لها الباب للعودة لاحتلال العراق مرة ثانية واحتلال شرق الفرات السوري ودعم قوات قسد الكردية وانشاء قاعدة التنف على الحدود العراقية الاردنية السورية وهي من كبريات القواعد الامريكية في المنطقة.
زخر الميدان السوري بكل فصائل ومجموعات الارهاب ( داعش،القاعدة، قسد، النصرة، جيش الاسلام،هيئة تحرير الشام، الايغور الصينيين، التركستان والشيشان )ولكل من هذه التنظيمات برنامجه المحدد من قبل الجهة الراعية له.اما الراعي الاكبر هو امريكا والكيان .
[ ] حشدت تركيا كل امكاناتها العسكرية واللوجستية لايصال هيئة تحرير الشام بقيادة ابو محمد الجولاني ليصل الى دمشق قبل غيره من الفصائل الارهابية ومكنت الجولاني من الامساك بالسلطة في دمشق.كانت احلام اردوغان كبيرة تبدا بالاعمار واقامة قواعد جوية وعسكرية في سورية واعادة بناء جيش سوري وتسليحه واقامة تصنيع عسكري والاهم من ذلك اعتقد انه السلطان العثماني الجديد الذي احتل مرج دابق ووطن دابق ليصل الى مصر والجزيرة العربية .تبخرت احلامه عندما تقدم الكيان وامريكا وكبلوه وقضوا على احلامه.
[ ] تصرف الجولاني بحكم الطبع الذي يغلب التطبع كزعيم فصيل ارهابي دموي وارتكب مجزرة في الساحل السوري فدق ناقوس الخطر واستنفرت المجموعات والفصائل الارهابية التي طلب منها سابقا تسليم سلاحها فازدادت تشبتا وتمسكا به.اراد الجولاني ان يختبر قوته في الحلقة الاضعف وهي السويداء فجاء الرد الاسرائيلي صاعقا.ونسي الجولاني ما قاله نتنياهو: (( ان الدروز وقسد حلفائنا الموثوقين ولن نسمح لاحد ان يمسهم بسوء )).بعد مجزرة السويداء بحق بني معروف وتداعياتها على سورية واصبحت مرة اخرى امارات سلجوقية متنافسة ومتناحرة، ومستقوية بالاسرائيلي المحتل الفرنجي الجديد ( امريكا والكيان )هذا المحتل الغازي الجديد يريد ان يوحد جغرافيا الشام التاريخية ويسيطر عليها بالكامل، ووعد بان يجزل العطاء لاردوغان وتنظيم الاخوان اذا استمروا في دعمه بضم طرابلس رمزا لكل لبنان وجعله امارة سلجوقية بامرة العثمانية الجديدة ووعد تنظيم الاخوان بامارة اخوانية عاصمتها عمان مع احتفاظ الكيان بالسيطرة على الجولان.تنظر امريكا الى لبنان على انه الزائدة الدودية في البطن الشامي التي التهبت وحان استئصالها وتنظر الى الاردن على انه الوطن البديل للفلسطينيين.من هنا جاء رد الحكومة الاردنية على الاخوان المسلمين في الاردن الذين يستندون الى ظهير قوي في سورية.وفي حيلة مكشوفة قام تنظيم الاخوان في الاردن بحل نفسه!!لكن هذا لن ينطلي على جهاز المخابرات والاستخبارات في الاردن.فما زالت حيلة الاخوان في مصر شاخصة عندما انضم الاخوان الى الحركة السلفية المصرية ولجات قياداتهم الى تركيا بعد الاطاحة بنظامهم.وقاموا مع اردوغان بزج الاف الارهابيين في سيناء المصرية وزودوهم بسيارات الدفع الرباعي وارد المصنع ومجهزة بالرشاشات وانزلت الاف الاطنان من الاسلحة على سواحل سيناء.
[ ] حاولت مصر ان تجابه الارهاب الوافد اليها باستخدام قوى الشرطة وحرس الحدود .واضطرت اخيرا الى استخدام ما يسمى في العلم العسكري(( القوة الغاشمة))مما ادى الى هزيمتهم.لكن تنظيم الاخوان لا يعترف بالوطنية اينما كان فواصل حربه الاقتصادية والاعلامية على مصر عن طريق تحويلات المصريين العاملين في الخليج.ففي الوقت الذي كان فيه سعرالصرف للدولار ستة عشر جنيها كان الاخوان يحولوه
بخمسة وعشرين جنيها واصل البيت في مصر واطلقوا فضائيات في تركيا تحرض ضد الدولة في مصر وتدعوا الى اسقاط الدولة والنظام.فهل يلجا تنظيم الاخوان في الاردن الى ادارة عجلة الارهاب والفوضى الخلاقة في الاردن؟ اعتقد ان الاردن يبدي اهتماما فائقا وفوق العادة لما يجري في سورية بشكل عام والسويداء بشكل خاص للحفاظ على امنه الوطني.واعتقد ان هناك تنسيقا مع مصر لدرء خطر الحالم اردوغان وتنظيم الاخوان ومشاريع الكيان.
مهندس زياد ابو الرَّجا