عبد الحميد كناكري خوجة: ”الجزائر...دم طاهر وضمير حائر“
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: ”الجزائر...دم طاهر وضمير حائر“


حين تفيض الذاكرة بعطر الدماء الذكية، وتتهجن الأرض أسماء الشهداء كما يتهجن الطفل حروف الأمل...تتقاطع الطرق بين عاصمة الياسمين بوابة التاريخ والجزائر، لا في خريطة رسمت سياسيا، بل في مسار خطه دماء الأطهار، وضمائر وعزائم الأبرار.

الجزائر بلد ملايين الشهداء؟ بل بلد ملايين الضمائر التي لاتشترى، ومبدأ لايباع ووحدة لاتشق.

بلد نقش إسمه بالمداد والزناد، ورفع راية الحق في وجه آلة البطش الحاقدة لقرابة قرن وثلث القرن، فقاوم، وصبر وثار ثم ظفر وانتصر.

وفي رمال الرڨان لم تكن الشمس تحرق, بل كانت قنابل ”عاصمة الأزياء والعطور والفغوماج“ الذرية تشعل الأرض وتطفيئ الحياة، بلا حياء أو حساب. هناك حديث ظن الإستعمار أن الصحراء صامتة، صرخت الذرة، وبكت الحياة...فاقت التجارب الذرية الإبليسية ربما العشرات، خلفت تشوهات وآهات، وأمراضا وإرثا إشعاعيا لايغتفر. تلك ليست تجارب علمية...بل مجازر مشفرة باسم الفيزياء...ووصمة عار في جبين الحضارة الغربية، التي لاتزال تنظر للأخلاق

ومن بين جراحه أينعت زهور لاتذبل: العربي بن مهيدي...لغز المستعمر، وفخر الخلود. الجميلات الثلاث، وردات الشهادة، ورموز الكبرياء، بهن أقسم القباني شاعر الحب وشاعر الثورة.

الأمير عبد القادر- الذي كتب إسمه بمداد الشريعة، وسيف الشجاعة، ومروءة الفروسية، وعنبر منبر الشعر والأدب. منذ القرن الثالث عشر والشام تحتضن الجزائر...لا كلاجئين، بل كأهل في دارهم، وكأرواح تتجاور في سفح جبل قاسيون. وتغني مع غنيت مع بردى لحن ثورة أبطال سورية الذين سطروا أروع الوقفات ضد المستعمر الفرنسي والذي طرد من سورية بعد أن أخرجت الأرض رجالها. كم غنيت مدارس دمشق، بلهفة العاشق، نشيد الجزائر... ذلك النشيد الذي خطه فيلسوف التواضع ” مفدي زكريا “ صاحب الإلياذة الساحرة أيضا ،” اللهب المقدس“ ونسج ألحانه الأصيل ” محمد فوزي“إبن أم الدنيا الشقيقة ”مصر“ فتجاوز الأناشيد، وأصبح نشيدا أمميا للكرامة والكرم. نساء الشام يوم كانت الأنثى أنشودة للرجولة، تبرعن بمصاغهن الذهبي، لا لمظهر ولا لمنفعة، بل لأجلك ياجزائر. لأجل ثورة الفاتح من نوفمبر.

الجزائر التي هدمت فيها المدارس والمساجد ودمرت فيها منظومة التعليم لم ولن تسقط... بل أنجبت مفكرين وفلاسفة وقادة من طراز ” هواري بومدين“ وماأدراك ما بومدين زعيم الأمة العربية الأسد الصامت والحكيم الصارم الذي أرتعش العدو من نظراته، الذي جعل من الجزائر سندا لكل قضية عادلة. وحصنا للعروبة من التخاذل والخيانة. واليوم الجزائر ليست دولة عادية، بل قوة رادعة لاتعتدي ودرع يقف مع الحق دون مساومة، وتوازم يربك الخصوم بحكمته لاضجيجه. فيا جزائر، لك المجد والوفاء ولك مني التحية التي لاتزول، والحب الذي لايذبل.

مفكر وكاتب سوري في الغربة 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري