قراءة بين سطور آخر التصريحات النارية
مقالات
قراءة بين سطور آخر التصريحات النارية
عدنان علامه
1 آب 2025 , 10:09 ص

عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

لبنان بين خيار المقاومة ومصيدة الدولة:

في لحظة سياسية شديدة الخطورة، تتقاطع ثلاث محطات مفصلية ترسم ملامح المرحلة المقبلة في لبنان:

1- خطاب الأمين العام لحزب الله فضيلة الشيخ نعيم قاسم

2-كلمة فخامة رئيس الجَمهورية العماد جوزاف عون في عيد الجيش.

3-التهديدات المباشرة التي أطلقها المبعوث الأمريكي طوم براك بشأن ملف سلاح المقاومة.

ما يجمع هذه المحطات هو محاولة فرض أمر واقع جديد على لبنان، عنوانه تفكيك عناصر القوة الوطنية، وفرض مشروع خارجي تحت غطاء الدولة و"الإصلاح".

أولًا: خطاب فضيلة الشيخ نعيم قاسم – تأكيد على الثوابت وتحذير من الفخ الأمريكي.

جاء خطاب الشيخ نعيم قاسم في توقيت بالغ الحساسية، ليعيد تثبيت المعادلات الوطنية في وجه محاولات الإلغاء والتجريد.

فأكد أن سلاح المقاومة ليس موضوعًا للتفاوض، بل هو مكوّن جوهري في معادلة الردع ضد العدو الإسرائيلي.

ولفت إلى أن نزع السلاح لا يعني بناء الدولة، بل تسليم لبنان مكشوفًا للمشروع الصهيوني. وحذر من الضغوط الأميركية التي تتخفى خلف شعارات "الإصلاح" و"بناء الدولة"، بينما هي في الحقيقة أدوات لإخضاع لبنان وشعبه.

شدد الخطاب على أن أي تسوية لا تعترف بالمقاومة ولا تحمي سيادة لبنان هي وصفة للفوضى والإنهيار.

ثانيًا: خطاب فخامة الرئيس العماد جوزاف عون – بيان سياسي خطير صيغ بعناية دقيقة

خطاب رئيس الجَهورية في عيد الجي لم يكن مجرد تحية تقليدية للعسكر؛ بل بدا كأنه بيان سياسي بامتياز، صيغ بعناية فائقة وموجّه بوضوح إلى جمهور المقاومة.

فدعا الرئيس عون إلى تسليم السلاح للدولة دون أي هامش للتفاوض حول الإستراتيجية الدفاعية التي دعا إليها الشيخ نعيم في خطابه، متجاهلًا التهديدات اليومية التي يتعرض لها لبنان من قبل العدو الإسرائيلي.

وللمرة الأولى، يتحدث الرئيس بهذه الصبغة. المباشرة عن مسألة نزع سلاح المقاومة، دون تأمين أي بديل لضمان ردع العدو، الأمر الذي يعكس تبدلًا جوهريًا في موقع رئاسة الجمهورية، ويطرح تساؤلات عن علاقتها بالضغوط الدولية، وعن دورها المقبل في الصراع بين خيار المقاومة وخيار الإنصياع للترتيبات الأمريكية.

ثالثًا: طوم براك – إنذار أمريكي مغلّف بلغة دبلوماسية.

فالمبعوث الأمريكي طوم براك جاء إلى لبنان حاملاً الإنذار: "لا مساعدات ولا استقرار دون تسليم سلاح حزب الله". فربط براك بين الإصلاح الاقتصادي والالتزام بقرارات مجلس الأمن، في إشارة واضحة إلى القرار 1559 وسواه من البنود التي تستهدف نزع سلاح المقاومة. كما لمّح إلى إجراءات عقابية قد تطال سياسيين وكيانات ترفض هذا المسار. الأمر لم يكن مجرد رأي دبلوماسي، بل تدخل سافر في الشأن اللبناني، ومحاولة لإعادة صياغة التوازنات الداخلية بما يخدم المشروع الإسرائيلي.

رابعًا: الدولة التي صمتت عن الإستباحة منذ عهد الرئيس ميقاتي وتحديدًا منذ البدء لتنفيذ وقت إطلاق النار بتاريخ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 وإستمرت الحكومة الحالية بتنفيذ ما التزمت به حكومة ميقاتي؛ وتنكرت لسيادة لبنان والدفاع عن مواطنيها.

فالحديث عن تسليم السلاح للدولة يفتقر إلى أي منطق واقعي في ظل إداء السلطة اللبنانية.

فأمريكا كانت راعية لاتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024؛ الاتفاق الذي استغلته إسرائيل لتبرير سلسلة من الخروقات والغارات على الأراضي اللبنانية. رغم ذلك، لم تحرّك الدولة ساكنًا، ولم تُقدم شكوى واحدة في المحافل الدولية. فهذا الصمت الرسمي لا يبرر فقط مخاوف المقاومة من "الدولة"، بل يكشف خطورة تسليم السلاح لسلطة غير قادرة على ردع العدوان ولا على الدفاع عن كرامة مواطنيها، وتمتثل للإملاءات والتهديدات الأمريكية، علما بأن أمريكا لم تلتزم تعهداتها لضمان الإنسحاب الإسرائيلي في 18 شباط/ فبراير الماضي وسمحت للعدو الصهيوني بإستباحة كل لبنان برًا، بحرًا وجوًا. وبالتالي فأمريكا وسيط غير نزيه ومنحازة كليًا لإسرائيل.

خاتمة:

فبين السلاح والسيادة – مصير لبنان على المحك.

إن ما يجري حاليًا ليس نقاشًا داخليًا عاديًا، بل صراع وجودي بين مشروع المقاومة ومشروع التبعية. الدعوة لتسليم السلاح، في توقيتها ومنطلقاتها، ليست إلا رأس جبل جليد يخفي تحته نية حقيقية لإعادة إنتاج لبنان هش، تابع ومجرد من عناصر قوته.

والمفارقة أن كل هذه الدعوات تأتي فيما العدو يقرّ علنًا باستعداده للحرب، ويواصل استباحة السيادة اللبنانية.

فبين خيار المقاومة وخيار الدولة الخاضعة، لا بد من السؤال الصعب: هل نريد لبنان السيد الحر المستقل؟

أم لبنان الضعيف بدون سلاح مقاومته الذي يتلقى التعليمات من أمريكا وأذنابها؟

وإن غدًا لناظره قريب

31 تموز /يوليو 2025

المصدر: موقع إضاءات الإخباري